مقالات مشابهة

مستقبل المنطقة والعالم .. المسارات والسيناريوهات الحرجة

تعتبر اللحظة الآنية التي تمر بها المنطقة ويعيشها العالم من أشد اللحظات حساسية وخطورة، وأبسط خطأ في تقدير موقف أحد أطراف الصراع، ربما قد يترتب عليه مصير لا يقتصر على مصير شعب أو منطقة بل مصير الحضارة الإنسانية، وربما الوجود البشري بأسره، ويبقى هذا الأمر مرهونا بسياسات الحكومات الغربية وبالذات الغرب الأطلسي كونه الطرف الذي بيده مبادرة التصعيد أما الطرف الآخر في المنطقة أو الشرق فهو محاصر في زاوية المضطر للدفاع عن وجوده المهدد بالتفكك والتدمير ولا خيار آخر بيده إلا الاستجابة للتصعيد.

ولذلك إما أن ينضج الغرب بمواكبة قواعد وسنن التغيير من أجل منح الحياة فرصة لاستمرارها ومواصلة بناء الحضارة وترك أبواب حرية وحق التقييم وتمكين الإصلاح والتصويب لما اعتراها من انحرافات مفتوحة أمام الأجيال البشرية.

أو أن تقود سياسته المتغطرسة والمأزومة بهوس الطموحات الأنانية المنقادة بالابتزاز إلى مسار إسدال الستار على الوجود البشري، وفي جميع الأحوال يمكن القول أن الجميع أمام مسارين لا ثالث لهما:

المسار الأول: تصعيد يبدأ في المنطقة وستكون نهايته أحد السيناريوهين التاليين وفق الحسابات النظرية:

السيناريو الأول: تفكيك دول وقوى المقاومة في المنطقة وتشكل نظام إقليمي عسكري عبر تحالف ناتو من الكيان ومحور التطبيع عقيدته أمن الكيان الذي يعني تمكينه من التفرد بالزعامة الإقليمية وسيطرة مركزية وبدوره ستكون أولوياته كالتالي :

أولا : التركيز على إعادة التموضع الجيوسياسي للمنطقة من الصراعات الدولية وسيكون الحياد الدولي مقابل التسليم بتفرد الكيان بالمنطقة ومنع أي تدخل غربي أو شرقي قد يعيق تأمين سيطرته التي تقتضي جملة من التشطيبات والهيكلة للنظم السياسية خاصة مشيخات الخليج أو الحكومات الطامحة في الدول الصغيرة على وزن قطر ، بالتوازي مع هيكلة الجغرافيا السياسية كأولوية حساسة لا تقبل الترحيل في ظرف ملائم يتعلق بتأمين مصير هيمنة الكيان على المنطقة والتي تقتضي تقسيم مصر وتركيا والسعودية وتطويق الجزائر كأهم مصادر التهديد المحتملة مستقبلا.

ثانيا : الانتقال إلى المرحلة الأخيرة في تحقيق طموح الحق المقدس بالتفرد بالعالمية عبر توظيف أوراق نفوذه الجيومالية وجيواستخبارية والاختراقات السياسية العابرة للقارات والمتداخلة مع الجميع ضد الكل مضافا إليها الثقل الجيوسياسي الجديد لدفع الصراع الدولي نحو التصعيد والتصادم المباشر بين الشرق والغرب لإعادة هيكلة القوى الدولية نوويا وتحييدها بهرمجدون ثالثة التي سترسم شكل العالم وخارطة التوازنات والنتائج والمستفيد الوحيد معروف سلفا .. وفق الحسابات النظرية.

السيناريو الثاني: إنجاز محور المقاومة استحقاق التحرير للمنطقة وفلسطين من الهيمنة الغربية واجتثاث الكيان ومعالجة خطر خرافة الداعشية اليهودية وتسليم عنق منظومتها الصهيونية الظلامية للشعوب في الغرب والشرق التي تجرعت مرارة سمومها وانتهازيتها الأنانية الخبيثة.

ولهذا الأمر احتمالين الأول قد يمنح الشعوب الغربية فرصة للصحوة واستعادة أوراقها وإعادة هيكلة خارطة المشهد الغربي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا في سبيل إنقاذ مصيرها ومنع انزلاق الصراع الدولي من الذهاب بالجميع إلى هاوية سحيقة تهدد الحضارة الإنسانية بالاندثار والوجود البشري بالانقراض.

والاحتمال الثاني ربما قد لا تتوفر مثل هذه الفرصة والوقت في ظل أحداث متسارعة ستبتلع الجميع وتتدحرج الأحداث المتشابكة كحقل ألغام إلى حرب عالمية لن تبقي ولن تذر.

المسار الثاني : وهو مسار تسويات السلام الكامل ونزع فتيل الأزمات ووقف النزيف وتنفيس الاحتقان والنزاعات بين الدول العربية والإسلامية ، بما يمكن من فتح صفحة جديدة بقواعد شفافة وصريحة تضمن الشراكة وفرص التنافس والريادة ومرجعيات وضمانات الأمن والاستقرار ومعالجة الخلافات والالتزام باستحقاقات الحلول المنصفة .

ولهذا المسار نتيجة واحدة فقط هي :

تشكل نظام إقليمي شريك في صياغة مستقبل العالم و قوة فاعلة حضارية تمثل شوكة ميزاجيواقتصادي وسياسي ضمان للاستقرار والسلام والتوازنات الدولية، ومحرك دفع لا يمكن تجاهله في تثقيل مسار التسويات الكبيرة وإعادة صياغة شكل المرجعيات وقواعد النظام الدولي التي تضمن الشراكة وفرص التنافس وصون الحقوق السيادية والحق الإنساني عبر احتكام وتسليم تلك القوى لمرجعيات القواعد القانونية ولا خيار آخر غير ذلك إلا العودة إلى مسار الهاوية والتدهور سواء بالتدرج والقطيعة والانقسام والحروب الباردة أو مباشرة نحو التصادم المباشر بين الكبار.

وضع الدول الإقليمية

أما الدول الإقليمية والبسيطة الأخرى فستلتزم تلقائيا بما يلتزم الكبار به وتنتهج ذات الطريقة التي يسلكونها، ومن الطبيعي أن يكون منع ميل الكفة باتجاه طرف دولي على حساب طرف دولي آخر من المحددات الرئيسية الموجهة لسياسة دول المنطقة في علاقاتها وانحيازها وشراكاتها فمصلحتها هو في استقرار التوازنات الضامنة للشراكة والتنافسية.

مستقبل الصراع العربي الصهيوني 

في ما يخص القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان سوف يكون أمام اتجاهات معالجة إجبارية وجذرية وحاسمة تفرض مساراته ما سيختاره قادة مجتمع الاحتلال الإسرائيلي من إحدى الطريقين التي سترسم نهاية هذا الصراع :

الطريق الأول : التفكيك الطوعي للداعيشة اليهودية وخرافة مملكة الرب وتجريد منظومة نفوذها الاستخباري والرأس مالي العابر للقارات من امتيازات الحصانة والقداسة ، وتعريف هويتها الجديد الملزمة بالانتماء لمرجعيات سيادية تحكم ولاءها وحسابات مصالحها إما بالاندماج التام والشفاف بهويات المجتمعات الغربية أو الشرقية التي نشأت فيها أو بهوية مجتمع الكيان الذي تنتمي إليه عرقيا وعقائديا وسياسيا، وتنفيذ الرؤية الدولية لحل الصراع وفق جدول مزمن دون قيد أو شرط والتمكين الكامل للشعب الفلسطيني من إقامة دولة قوية مقتدرة تتمتع بكامل حقوقها السيادية كبقية دول العالم والالتزام بجبر الضرر وضمانات وقف السلوك المزعزع للاستقرار في المنطقة بكل أشكاله .

وهذا الطريق يوفر لمجتمع الكيان فرص تقديم الشرق والغرب ضمانة الاستقرار والسلام والتعايش والانفتاح مع من يرغب.. ولا يمتلك أي أحد قدرة إعاقة هذه الضمانة، أو الاحتكام لغير السبل القانونية في حل القضايا إذا ما وجدت آليات فعالة.

وفي تقدير المنطق السوي تمثل هذه المعادلة الإقليمية التي شكلها محور المقاومة فرصة مصير لن تتكرر في مناجزة معظلة القرن الأمريكي المظلم وضمان عدالة تحقق مصالح الجميع..

الطريق الثاني : أن يصر الكيان على خرافة الداعشية اليهودية و مواجهة الطوفان ويرفض طوق النجاة الدولي، عندها لن تتمكن أي قوة في العالم أن تتدخل أو تمنع الطوفان وستترك الأمر للمقاومة في فلسطين وخلفها محور متفرغ ومحترف في دعمها والاشتراك معها إذا ما تطلب الأمر بدعم شعوب الأمة العربية والإسلامية ، ومباركة المجتمعات البشرية.

الطريق الثالث: المناورة وترحيل التصعيد الإقليمي والذي سيعني إطالة الصراعات وعدم صمود ما تبقى من العلاقات الدولية ، وتفاقم الأزمات والاحتقان السياسي والاجتماعي أفقيا وعموديا داخل المجتمع الغربي الذي سيقود إلى تجريد قرار وسياسات الحكومات الغربية وبالذات أمريكا من حسابات مصالحها الوطنية وستكون الأحزاب والساسة مجرد أسرى الابتزاز والتواطؤ وطموحات التطرف والتعصب الأعمى، وستظل المجتمعات رهائن مخاوف الانفجار الداخلي أو الخارجي، وبالتالي ستقود الأمور إلى أحد سيناريوهات المسار الأول أو المسار الثاني

حقائق اللحظة الفاصلة

ومن أجل استيعاب استحقاقات مسار السلام والشراكة في صياغة المستقبل البشري يتوجب التعايش مع حقائق اللحظة الفاصلة والمتمثلة في :

الحقيقة الأولى : أن حقبة الهيمنة الغربية انتهت ومعها انتهى نظام عوالم الغابات والحدائق المحكوم بقانون مزاجية النخبة التي تمارس دور الرب ، والتي جعلت من المجتمع البشرية حقول تجاربة لممارسة هواياتها المفضلة، ومن لوازم هذه الحقيقة الاستعداد للكسب المشروع فلا مجال لمواصلة سياسة شراء استقرار الحدائق المتحضرة مقابل الرفاه من دموع ودموع وثروات الشعوب والأمم الأخرى

الحقيقة الثانية : أن المجتمع البشري سيكون دون استثناء أمام حقبة جديدة تتسع للجميع لا تقصي أحدا، مرجعيتها قانون قوة التوازنات التي تفرض التعايش والشراكة والعدالة وتضمن الحقوق السيادية والإنسانية وتكفل ديمومة المستوى اللائق من الاستقرار والسلام الدولي والمجتمعي ، وانتهاج سلوكيات وسياسات تعتمد الواقعية و الحكمة والأخلاق الحميدة والاجتهاد في تقديم الأفضل والأجمل من واقع احتياج التنافس بما يعطي الحضارة زخما إيجابيا يعزز فرص النجاح في مهمة مواصلة البناء الحضاري ماديا وإقيميا، والوفاء بمتطلبات تصويب الاختلالات وتجاوز التحديات ومعالجة تركة المخاطر والتهديدات .

الحقيقة الثالثة: أن تدخل الحسابات الحربية الغربية تجاه المنطقة في الشرق الأوسط مربعا ميتا ومحسوما وبالتالي فإن أي تورط سيكون بمثابة انتحار لا يمتلك أي فرصة مجدية لتحقيق أي تغيير بغض النظر عن محرك الدفع أكان حماقة ذاتية أو جر تحت الابتزاز وستهدد أبسط تداعياته مصير تماسك نظمها السياسية فيها هذا إن لم تفجر حقل ألغام جيوسياسية يفتح أبواب الجحيم على البشرية كاملة.

الحقيقة الرابعة: الإقرار بوجود نخبة عنصرية تمثل الطرف الثالث الذي يمتلك الدوافع والتجارب و الأدوات التي لا منطق في تجاهلها وهو متجذر في الغرب مدعوم بالداعشية المسيحية ، كما أن له أذرعه في الشرق ، ويعقد صفقاته مع الجميع لصالح أجندة أنانية تهدف إلى التفرد وتبحث عن فرص إزاحة اللاعبين الكبار في لحظة دولية مثالية في صراع المستقبل الدولية، وكلما يحتاجه هو موطئ قدم في جغرافيا حيوية يتفرد بالتحكم بأواراقها وتمثل منصة للعبور إلى التفرد بالعالمية في لحظة دولية مثالية لحساباته كلما تتطلبه التأثير على زناد طرف ويكون الطرف الآخر مضطرا للدفاع عن نفسه.

الحقيقة الخامسة: أن سياسة التطويع والاخضاع التي يمارسها الغرب عبر الحصار الاقتصادي على شعوبنا ودول المنطقة والعالم ، انكسر عمودها الفقري الذي يقوم على الدولار وأصبحت قبته بيد الدول التي تمتلك مصادر الطاقة التي بدورها لم تعد رقابها بيد الغرب هذا إذا كان التقييم متواضعا يتجاهل تقدير أن رقابها بيد الخصوم .

كما أن سياسات العدوان الاقتصادي، لم تعد تمتلك فرص الصمود أمام مروحة البدائل وخيارات التمكين والردع والأجدى أمام الغرب إدراك معنى الحكمة العربية التي تقول اليد التي لا تستطيع كسرها بوسها وعليه إذا أراد الغرب أن يبقي له فرص العودة إلى المنطقة وقبول الشراكة التي تقوم على الثقة فعليه أن يسرع تفكيك حضوره الجيوامني ويرفع يده القذرة كما وصفها وزير الداخليه التركية والعودة من أبواب المصالح والعلاقات المشروعة بأيدي نظيفة بمعايير أمن واستقرار وسيادة شعوب المنطقة.

الحقيقة السادسة: أن الكيان الصهيوني يمثل الصدع في المنطقة ومصدر الاضطرابات واللاستقرار الإقليمي والإرباك الدولي ، وهو اليوم أمام استحقاق الزوال من الداخل و من الخارج ، وكل هذا نتيجة طبيعية لإفرازت تفاعلات منشاؤها فكرة وجوده التي تمثل قانون زواله، حتى ولو كان بمفرده في كوكب آخر.. وباعتبار العنصرية أسرع طريقة للتدمير الذاتي، حتى وإن ألبسوها ثوب القداسة .. كما أن متلازمة هوس السيطرة وجنون العظمة العقائدية يجعلها مصدر تهديد حقيقي للمحيط وكل من تصل يد نفوذها إليهم وعلى مجتمعها.

وعليه فالمرحلة تقتضي معالجة هذا الصدع بما يمكن الشعب الفلسطيني على كامل الجغرافيا الفلسطينية بأي ثمن سواء بالمناجزة طوعا أو بعملية جراحية موضعية تستجيب لتفاعلات هروبه نحو التصعيد ، وهذا استحقاق قيمي إنساني سياسي تتقاطع فيه مصالح الجميع ولم تعد المنطقة قادرة على الاحتواء أو الترحيل أو المماطلة ولا يمكن للعالم الانتقال إلى الوضع الدولي الجديد مع صاعق مربك سيولد اضطربات وانقسامات دولية سوف تحرف مسار التعددية من التنافس إلى استقطابات صراعات تتعاظم في حدتها وخطورتها أقلها قد تسبب تجلطا في دورة النظام الدولي .

الحقيقة السابعة : أن حكمة صنعاء وتضحيات صمود شعبها اليمني في إدارته لمعركة بموقعها في قلب معادلات الكبيرة الحاسمة مثلت بوليصية تأمين السلام والاستقرار الإقليمي ومحور ارتكاز ضبط الإيقاع الجيوسياسي لإعادة تدوير زوايا الصراعات الإقليمية والدولية، وصمام أمان استقرار التحولات وخط رجعة لضمان منع خروج أدوات التحول عن السيطرة ومحفزا رئيسيا للبحث عن مخارج وهيكلة التموضعات والتوافقات في المنطقة على قاعدة الانفتاح على مستقبل للكل يضمن مصالح وتطالعات وحقوق الجميع، مستثنى من ذلك العدو الصهيوني وكل من ينتهج أو يخدم أجندته التي تشكل تهديدا مستفزا للصغير أو الكبير .

وعليه يتوجب على دول الخليج وبالذات التي شنت عدوانها على اليمن الإمارات والسعودية إدراك حقيقة أن صنعاء من منطق أخوي وقيمي مترفع تنظر بإيجابية تجاه تطلعات تلك الدول للريادة الإقليمية والدولية ، وعليها أن تفهم أن رؤوس حكامها مطلوبة والذي يتستوجب كشف الأوراق بشفافية ووفاء بتوقيتات جدول أعمال طي صفحة عدوان مستمر بكل تداعياته الحربية طيلة 8 أعوام.

وعلى ملوك وأمراء تلك الدول أن يعوا أن رؤوسهم مهددة بالإطاحة في حال استمرار العدوان والحصار والاحتلال وتهديد أمن وسلامة واستقرار الجمهورية اليمنية أو المماطلة في تنفيذ أي من استحقاقات السلام الملزمة وبسقفها الكريم من شعبنا اليمني..

وكذا تجاهل معادلات اللحظة التي تجعل فلسطين و منطقة الشرق الأوسط والشرق الأقصى مجال أمن حيوي لصنعاء ، أو أي انخراط في مسارات تخدم أو تتوطأ مع أجندة تصعيد غربية وصهيونية ، في لحظة معينة سوف تستوجب على صنعاء ردعها بحزم والاستعداد لتطوير الردع إلى أبعد مدى انطلاق من قيم ومصالح وأمن اليمن القومي واستقرار المنطقة والتصدي لتهديدات انتكاس التحولات الإقليمية والدولية.

صحيفة اليمن