مقالات مشابهة

من “يا نفس ما تشتي” إلى زينة تعمّ البلاد.. هكذا يستقبل اليمن شهر رمضان

يستبشر اليمنيون مرحّبين بشهر رمضان الكريم بطقوس دينية واجتماعية متنوّعة، لا تزال حاضرة رغم كل الصعوبات والتحديات التي يكابدها الشعب اليمني من جراء ظروف الحرب والحصار.

ومن منطقة إلى أخرى، تتنوّع تلك العادات وتتباين وتشترك في إحياء يوم “يا نفس ما تشتي” (اليوم الأخير من شهر شعبان)، وصيام “الشعبانية”، وحملات النظافة وطلاء المنازل والمحال التجارية وتزيينها، وإحراق إطارات السيارات في قمم الجبال والقرى في بعض المناطق وترديد الأطفال للأهازيج والأناشيد.

الحنين إلى الزمن الجميل

اندثرت كثير من طقوس استقبال شهر رمضان نتيجة العدوان على اليمن، وتوقّفِ صرف المرتبات والحصار وارتفاع الأسعار، فبقيت حبيسة ذكريات الزمن الجميل، يذكرها للميادين نت الحاج محمد الصراري (80 عاماً) قائلاً: “سابقاً كان من العادات الجميلة في محافظة عدن، بعد التأكّد من ثبوت هلال رمضان من قبل اللجنة المكلّفة بذلك، أن يتحرّك الشباب والأطفال في موكب محفوف بالفوانيس ليجوبوا الشوارع الرئيسية معلنين ثبوت الهلال، ثم تغلق المحال التجارية ويتوجّهون إلى المساجد لأداء صلاة القيام، فيما يتوجّه الأغنياء لذبح الذبائح وتوزيعها على الفقراء”.

ويضيف الصراري: “في محافظة تعز، وبسبب الفوضى والانفلات الأمني، ترك أبناء المحافظة عادات كثيرة كالتجمّعات الجماهيرية وإطلاق الألعاب النارية والرقص والبرع وإشعال النار المصنوع من الرماد والزيت”.

أما في محافظة الحديدة، فيقول إن “المسحراتي كان له حضوره الكبير مع طبلته التي يقرعها لإيقاظ الناس في سحور ليل رمضان، لكن مع التكنولوجيا واستخدام مكبّرات الصوت في المساجد اختفى ذلك الصوت، ما جعل الكثير من كبار السن يحنّون إليه بشكل روحاني منقطع النظير”.

“يا نفس ما تشتي”

لا يزال الكثير من اليمنيين يمارسون الشعائر الدينية في استقبالهم لهذا الشهر الكريم، والتي تعتبر من العادات والتقاليد المتوارثة التي لم تتأثر أو تتغيّر بفعل التكنولوجيا ودخول العالم الافتراضي تفاصيل الحياة العامة. ومن هذه العادات المشتركة صيام يوم 13 و14 و15 من شهر شعبان التي تسمى بـ”الشعبانية”، وإحياء آخر يوم من شهر شعبان الذي يسمّى بيوم “يا نفس ما تشتي”، الذي يُعد مناسبة اجتماعية دينية تلمّ شمل الأُسر والأقارب في مائدة واحدة وجلسة مقيل، وحملات جماعية لتنظيف وتزيين الأماكن والساحات والشوارع والبيوت والمحلات والأسواق.

يقول الشاب أحمد المهدي (أحد أبناء صنعاء): “تعتبر مناسبة يا نفس ما تشتي ذات نكهة خاصة يُحييها أبناء اليمن منذُ زمن بعيد، كما أحياها آباؤنا عن آبائهم، ويعتبر يوم تصفية القلوب والتسامح والاعتذار واستقبال شهر رمضان بقلوب خالية من الأحقاد والبغض، حيث إنّ النساء يتزيّن بلباس خاص وكذلك صغيرات السن يتجمّلن بالحناء والنقش والملابس الجميلة”.

طقوس خاصة

في محافظة ريمة، يجتمع السكان بعد أداء صلاة العشاء كل يوم في شهر رمضان في أحد منازل القرى لإحياء الليالي الرمضانية بالقصائد والأناشيد والمدائح، وفي محافظة حضرموت هناك طقوس فردية خاصة وجماعية مشتركة كتنظيف الأحياء وتزيين المنازل بالفوانيس والأنوار وطلاء النوافذ والأبواب بطلاء جديد، وأيضاً ما هو خاص بالأطفال كإطلاق الألعاب النارية إعلاناً للمدينة بقدوم شهر رمضان.

لشهر رمضان الكريم أصواته الخاصة، ولا سيما الجوانب الروحانية التي تصدح بها مآذن المساجد اليمنية كـأصوات قرّاء القرآن محمد القريطي ومحمد حسين عامر، قبيل أذان المغرب ويليه صوت مدفع الإفطار الذي قد غاب في أغلب المناطق، وأيضاً أصوات الأطفال في حلقات القرآن عصراً وشغبهم ليلاً أثناء وقت المرح، وكذلك أصوات ألعابهم النارية الخفيفة التي تستمر طوال أيام الشهر، وأيضاً الكحل الأسود والأحمر والمسبحة والسواك وحلقات تحفيظ القرآن والتجوّل بشكل فردي أو جماعي بين الأحياء.

الأطفال والفرحة الكبرى

في منطقة “يافع” جنوب اليمن، تجد أبناء المنطقة لهم طقوسهم الخاصة في استقبال شهر رمضان تسمى الـ”كَرامَة” أو الـ”مَدْخل”، وتتمثل في ذبح خروف خاص في كل بيت، حيث تتمّ تربيته طوال العام، ويتم توزيعه على ذوي القربى مع إبقاء شيء للأسرة، أما الأطفال في هذه المنطقة فاستعداداتهم تبدأ من أواخر شهر شعبان، إذ يقومون بعمل جماعي في بناء ما يسمى بالـ”كِرْس” الخاص بهم، وهو مبنى صغير ينصبونه من الحجارة العشوائية ويكون المبنى مربّع الشكل أو دائرياً ومساحته تتسع لعدد من الأطفال وارتفاعه يتعدى المتر بقليل ويسقفونه ببعض أعواد الحطب، ويتخذونه مكاناً لجلوسهم واجتماعهم قبيل وقت الإفطار، وفق الباحث التاريخي علي الحلاقي.
ويضيف أن الأمهات يجهزن لأطفالهن أقراصاً صغيرة من الخبز المنوّع ويعطى لهم عدد من حبات التمر ويحمل كل طفل ما لديه ويضعونه في مائدة تتوسط تجمّعهم، ولا يتناولون شيئاً، وكأنهم صيام حتى يسمعون صوت الأذان، ويمكثون في”الكِرس” ريثما ينتهي الصائمون من تناول إفطارهم في هدوء وسكينة، بعيداً عن ضجيجهم وجلبتهم وشغبهم الذي يثيرونه.

وكان الأطفال يسعدون بذلك ويفرحون لاجتماعهم معاً، وكانوا يخرجون من “الكرس” بعد صلاة المغرب ويدورون على البيوت، مردّدين تلك الأناشيد التي تعرف في كل مناطق اليمن بتماسي رمضان، والتمسية عبارة عن مقاطع يرددها الأطفال بصورة جماعية، وتتكرّر على ألسنتهم كل مساء.

ويوضح الحلاقي أنهم يقصدون فيها طلب الحصول على جزء من فطور الصائم أو عشائه، ومن جانبه يطل صاحب البيت أو أحد أفراد الأسرة ويعطي التمسية للأطفال وهي عبارة عن شيء من المأدبة الرمضانية للأسرة، يرميها للأطفال من النافذة فيتلقفونها بأيديهم أو بأطراف ثيابهم أو ينزل أحدهم فيسلّمهم إياها.

وبهذه الطريقة تتجمّع لدى الأطفال أصناف متعددة، وفي “الكرس” يستعرضون غنائمهم التي حصلوا عليها ويضيفونها إلى مائدتهم الخاصة التي تضم صنوفاً متنوّعة بتعدّد مصادرها، ثم يأكلون مقلّدين الصائمين بتناول هذه المأكولات وهم في غاية البهجة والسرور، وينفضّ مجلسهم هذا بمجرد أن يرتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء فيذهب الأطفال مع الكبار إلى المسجد القريب لأداء صلاتي العشاء والتراويح أو العودة إلى بيوتهم.

مائدة شعبية

تتعدّد أصناف المأكولات والمشروبات والحلوى في اليمن عن بقية البلدان العربية، فلا تخلو المائدة من السنبوسة التي أصبح لها طابع مرتبط بهذا الشهر، والشفوت الذي يتكوّن من خبز خاص ولبن، والفحسة التي تتكوّن من مفروم اللحم مع مادة الحلبة والعصيد وبنت الصحن والطعمية والزحاوق (معجون الطماطم)، والمشروبات تتضمّن عصير الليمون والزبيب والتمر الهندي والحلوى الجيلي والمهلبية والكريم كارملا، إلى جانب حلوى الشعوبيات كالرواني والبقلاوة والبسبوسة والكنافة والقطائف.

أما وجبة السحور فتتكوّن بحسب المنطقة التي تعيش فيها الأسرة، ففي محافظة صنعاء يتناولون المطيط الذي يتكوّن من اللبن المطبوخ بالطحين، وأبناء بعض المحافظات يتناولون الوجبات الثقيلة كالعصيد والهريش والفتة بالعسل أو المرق أو الملموز.

سباق العطاء

تقدّم المؤسسات الحكومية في صنعاء مبادرات كبيرة منها مشروع الوجبة الرمضانية التابع لمؤسسة بنيان الذي يستهدف 41 ألف أسرة فقيرة طيلة الشهر الكريم، وأيضاً حملة “أن طهّرا بيتي” التابعة لهيئة الأوقاف لتجهيز وتنظيف المساجد، وأخرى للهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء مشروع الكسوة العيدية العينية والنقدية بإجمالي مليار ونصف المليار ريال يمني لجميع أبناء الشهداء والمفقودين، وأيضاً مشروع الإعاشة الرمضانية (السلة الغذائية النقدية) بمبلغ 2 مليار ريال يمني لجميع أسر الشهداء والمفقودين.

والجانب الشعبي له دور كبير، كتقديم التمر والماء في الشوارع الرئيسية لراكبي السيارات والمارة وتنظيم موائد عشاء جماعية في الأحياء.

أما في المساجد فينظّم الصائمون موائد إفطار جماعية ولا أحد يفطر في منزله إلا النساء فيتسابق السكان في تزويد المائدة بجميع أنواع المأكولات الخفيفة.

ـــــــــــــــــــــــ
هاشم طه