مقالات مشابهة

ذبح القرابين.. فتيل لحرب كبرى في المنطقة

جماعات الهيكل قدّمت خلال السنوات الماضية عدة طلبات عبر محاكم الاحتلال لإلزام الحكومة بالسماح بتأدية طقوس القرابين داخل المسجد الأقصى، إلا أن التدخّل الحكومي كان يقف أمامها خشية أن تؤدي إلى تفجّر الأوضاع.

مع دخول عيد الفصح اليهودي ومحاولات المتطرفين تدنيس المسجد الأقصى وتنفيذ مخططات توراتية بهدف فرض وقائع جديدة فيه يلعب المتطرفون في دولة الكيان وحكومته بالنار، إذ إن تنفيذ هذه المخطّطات قد يكون فاصلاً في الصراع، وقد يفجّر معركة جديدة وكبيرة لا تقتصر على ساحة القدس والضفة بل ستكون عنواناً لتوحيد الساحات داخلياً وخارجياً في معركة لم يشهدها التاريخ المعاصر.

الخطر الذي يتعرّض له المسجد الأقصى اليوم كبير، والمتطرفون قد وصلوا إلى مرحلة متقدّمة وهي التي تسبق هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، بحسب اعتقاد الجماعات اليمينية المتطرفة. والتخطيط لاقتحام المسجد الأقصى بأعداد كبيرة والتجهيز لذبح القرابين داخله في ظل ذروة الرباط والاعتكاف فيه هي محاولة لكسر أقصى حشد داخله تمهيداً لفرض الواقع الجديد.

قضية تقديم قرابين عيد الفصح داخل المسجد الأقصى ليست جديدة، وقد وضعت منظمات الهيكل هذا الهدف في مرحلة متقدمة من خطوات إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، وقد بدأت في هذا المخطط منذ العام 2010.

التعاليم التوراتية التي تؤمن بها جماعات الهيكل والصهيونية الدينية تقول إن “القربان يجب أن يُذبح عشية عيد الفصح، وأن ينثر دمه عند قبة السلسلة” التي يزعم المتطرفون أنها بُنيت داخل ساحات الأقصى لإخفاء آثار المذبح التوراتي. وإحياء طقوس تقديم القربان من أهم التعاليم التي يرى اليهود أنها اندثرت مع هدم الهيكل وأن إعادتها يعني البدء الفعلي في التجهيز لبناء الهيكل.

ويعد إحياء طقس القربان داخل ساحات المسجد الأقصى إحياءً معنوياً للهيكل، على أن يتم من بعده التعامل مع المسجد الأقصى، باعتباره هيكلاً حتى وإن كان الهيكل لم يبنَ فعلياً. وعليه فإن الخطوة المقبلة ستكون البدء في تقسيم المسجد الأقصى مكانياً واقتطاع الجزء الشرقي منه لصالح اليهود ومنع وجود المسلمين فيه.

جماعات الهيكل قدّمت خلال السنوات الماضية عدة طلبات عبر محاكم الاحتلال لإلزام الحكومة بالسماح بتأدية طقوس القرابين داخل المسجد الأقصى، إلا أن التدخّل الحكومي كان يقف أمامها خشية أن تؤدّي إلى تفجّر الأوضاع. لكن اليوم تنظر الجماعات إلى وجود “الصهيونية الدينية” في حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، باعتبارها نافذة تاريخية لفرض أحلامها تجاه الأقصى، وبدأت حملة محمومة للدعوة إلى فرض القربان داخل المسجد المبارك.

الخطير هذه المرة أن معظم حاخامات وناشطي الجماعات المتطرفة باتوا على قناعة أن “الوقت حان لتقديم القربان في المسجد الأقصى بعد المسيرة الطويلة من المحاولات عبر المحكمة منذ عام 2010، والإحياء العملي لطقوس القربان في عدة أماكن حول الأقصى منذ 2014”.

على مدار الأعوام الماضية يحاول عناصر من حركة “العودة إلى جبل الهيكل” تهريب ماعز صغير إلى المسجد الأقصى لذبحها هناك كقربان، وفي هذه المرة الأمور باتت أكثر خطورة في ظل أن 15 حاخاماً من حزب “الصهيونية الدينية” بعثوا برسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، يطالبونهما فيها السماح لهم بـ”ذبح قرابين عيد الفصح” في المسجد الأقصى.

جماعات الهيكل جادة هذه المرة في تنفيذ مخطّطها، والمحاكاة التي نفّذوها الأحد الماضي تشير إلى الخطوة المقبلة، وهي تنفيذ هذا المخطط على الأرض داخل المسجد الأقصى. إذ إن كل خطوات المخطط لها تمّ تجهيزها ولم يتبقَّ سوى التنفيذ، فالكهنة تم تدريبهم على طقوس القربان ومن المقرّر إدخالهم إلى المسجد الأقصى في وقت قريب لتنفيذ ما تدرّبوا عليه.

من يتابع ويراقب جهود جماعات الهيكل يدرك حجم التحشيد والتجهيز الذي يتم لتمرير هذا المخطط الذي إن استطاعوا وفعلوا فإنهم يفرضون واقعاً جديداً للمسجد الأقصى، ولهذا فإن التحديات أمام الفلسطينيين والأمة الإسلامية باتت كبيرة والسكوت عمّا يجري أو التهاون مع هذه المخططات سيجعلنا أمام مشهد جديد وتغيير لم يحدث مسبقاً منذ احتلال العدو للأراضي الفلسطينية.

لا شكّ أن المقاومة الفلسطينية وفي ظهرها محور المقاومة لن يقفا مكتوفي الأيدي في مواجهة هذه المخططات الخطيرة، ولا يستبعد أن نرى جولة جديدة من القتال بين المقاومة في قطاع غزة والعدو للدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته، إذ إن المقاومة التي سطّرت ملحمة عظيمة في معركة “سيف القدس” عام 2021 لن تتردّد في الدفاع مجدّداً عن المسجد الأقصى.

والذي لا يدركه الاحتلال حالياً أن صرخة لبيك يا أقصى لم تعد فقط على لسان وفعل الفلسطينيين بل تعدت ذلك لتصل إلى كل الأمة الإسلامية، وفي هذا الإطار لن تتوانى أطراف محور المقاومة عن نصرة المسجد الأقصى وحمايته بكل ما أوتيت من قوة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيمن الرفاتي