مقالات مشابهة

مفتاح حل مشاكل لبنان بيد بشار الأسد

مع مواجهته أزمات سياسية واقتصادية منذ سنوات عدة، مد لبنان يد العون لشركائه الإقليميين للخروج من وضعهم الصعب. حيث تسير السلطات اللبنانية على طريق تعزيز العلاقات مع سوريا للاستفادة من فرصة الانفتاح العربي السوري الذي نشأ في الآونة الأخيرة لتحسين أوضاع بلدهم، فلبنان يدرك بالنهاية مكانة سوريا وثقلها السياسي في العالم العربي.

وفي هذا السياق، عبر ميشال عون الحدود السورية في رحلة برية يوم الثلاثاء، متجهاً إلى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد. ونقل موقع النشرة الإخباري عن مصادر لبنانية قولها إن الرئيس اللبناني الأسبق بيّن تأكيده على استمرار العلاقات والموقف الاستراتيجي لـ “التيار الوطني الحر” تجاه سوريا. كما ينوي أن يوضح لبشار الأسد أن معارضته لانتخاب سليمان فرنجية لمنصب رئيس لبنان (مرشح حزب الله) لا علاقة لها بموقفه من سوريا، ولكن إذا تم انتخاب فرنجية فسيكون “إجماع الفصائل المسيحية” في خطر حسب رأيه.

وفي معرض كلامه قال الرئيس السوري، الذي استضاف الرئيس اللبناني الأسبق ميشال عون بعد 14 عامًا، إن استقرار لبنان مفيد لسوريا والمنطقة، وقال: “لقد لعبتم دورًا مهمًا في الحفاظ على العلاقات الأخوية بين سوريا ولبنان، إنني على ثقة بأن الشعب اللبناني سيتمكن من تجاوز الصعوبات والأزمات وسيرسخ دور تشريعاته ومؤسساته الوطنية”.

وأشار الرئيس السوري أيضا إلى أن “التحديات التي يمر بها لبنان وسوريا لا يمكن أن يُنظر إليها بشكل منفصل. حيث إن التقارب العربي العربي الذي حدث مؤخراً وظهر في اجتماع جدة سيكون له أثر إيجابي على سوريا ولبنان. كما أكد ميشال عون أن سوريا بفضل معرفة وإيمان أهلها بالجيش وقيادات هذا البلد تمكنت من اجتياز المرحلة الصعبة وأن ازدهار سوريا سيكون له أثر إيجابي على لبنان وأهله.

ذهب ميشال عون إلى دمشق آخر مرة عام 2009 قُبيل الانتخابات النيابية في ذلك الوقت، بينما ظهر إن زيارته الحالية إلى سوريا ولقائه بشار الأسد مهمة من نواحٍ عديدة. بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، فإن ميشال عون هو ثاني مسؤول رفيع المستوى يزور دمشق في السنوات الأخيرة، والتي تُظهر أن سوريا الجديدة تحظى بأهمية خاصة لدول الجوار. رغم أن هذا البلد يواجه حاليًا فراغًا رئاسيًا، ويتولى عون هذه المسؤولية رمزياً، حيث يمكن أن يلعب دورًا في تحسين العلاقات الثنائية بين بيروت ودمشق رغم انتهاء فترة رئاسته في لبنان.

عودة اللاجئين

بسبب الحدود المشتركة والعلاقات الطيبة في العقود الماضية، تعاون لبنان وسوريا في العديد من القضايا الأمنية المشتركة، والذي أدى إلى تعزيز التعاون الأمني ​​بين البلدين. ورغم أن لبنان حاول الابتعاد عن الصراع العربي الغربي الصهيوني ضد سوريا خلال الأزمة في سوريا ولم يتخذ موقفاً معادياً للحكومة السورية، إلا أن التفاعلات بين البلدين تحت تأثير الضغط العربي والحرب تراجعت إلى حد ما. ولكن الآن بعد أن تمكنت الحكومة المركزية السورية من تنظيم الوضع الأمني ​​مع هزيمة الجماعات الإرهابية، يحاول قادة لبنان إحياء العلاقات السابقة.

إحدى القضايا التي قربت بين لبنان وسوريا في العقد الماضي هي قضية اللاجئين السوريين، التي تحاول سلطات بيروت إعادتهم إلى بلادهم في أسرع وقت ممكن. وتشير الإحصاءات إلى أن حوالي 850 ألف لاجئ سوري يقيمون في لبنان، ومنذ أن غرق لبنان في أزمة اقتصادية عميقة منذ عام 2019، فإن عودة هذا العدد من اللاجئين إلى بلدهم ستخفف حملاً ثقيلًا عن كاهل سكان لبنان البالغ عددهم 5 ملايين نسمة.

يحاول مسؤولو الدولة اللبنانيون تصفية قضية اللاجئين السوريين لإتاحة المجال أمامهم للعودة إلى وطنهم. في أيلول من العام الماضي، تباحثت السلطات اللبنانية والسورية حول هذا الموضوع، وأكدت دمشق أنها ستوفر الظروف اللازمة لاستيعاب اللاجئين. يتابع حزب الله وحلفاؤه داخل لبنان قضية اللاجئين لفترة طويلة بعد استعادة العلاقات مع الحكومة السورية، لكن العقبات الداخلية والخارجية حالت حتى الآن دون عودة هؤلاء اللاجئين.

وفي السياق ذاته، أعلن مسؤولون لبنانيون العام الماضي أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة تخططان لتوطين اللاجئين السوريين بشكل دائم في لبنان، لكن بيروت أعربت عن معارضتها لهذه الخطة. لذلك، يحاول ميشال عون أيضًا حل مشكلة اللاجئين بمشاركة الحكومة السورية.

الدور السوري المهم في حل المأزق السياسي في لبنان

قبل الأزمة، كان لسوريا دور مهم في التطورات الداخلية في لبنان، حيث إن الجيش السوري دخل إلى لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية لمساعدة حكومة هذا البلد آنذاك، وظلت هذه القوات موجودة في لبنان حتى عام 2005. لقد حاولت الحكومة السورية دوماً، سابقاً وحالياً، أن تحقق الاستقرار والأمن في لبنان، كما قال بشار الأسد، لا يمكن فصل قضايا هذين البلدين عن بعضهما البعض، لذا فإن سلطات دمشق تفعل كل ما بوسعها من أجل السلام في لبنان. وكبلد مجاور سيقوم بشار الأسد، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع حزب الله وبعض التيارات السياسية في لبنان، بالمساعدة في حل الانسداد السياسي إلى حد ما. لأنه إذا ساد الهدوء السياسي في لبنان، فسيكون ذلك مفيدًا لسوريا أيضًا، ويمكنهما التفاعل بشكل أفضل مع بعضهما البعض.

مع الانفراجات لتي حدثت في المنطقة بعد الاتفاق بين إيران والسعودية، يبدو أن لبنان يرى أثر ذلك أيضًا، ووفقًا لمسؤولي حزب الله، تم إحراز تقدم كبير في الاتفاقات بين الجماعات السياسية على انتخاب الرئيس. من ناحية أخرى، تعد قضية الإرهاب من القضايا المشتركة بين البلدين والتي تحتاج إلى المزيد من التعاون. تحارب سوريا الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عقد وقد اكتسبت الكثير من الخبرة في هذا المجال، ولأن حدود لبنان مهددة أيضًا من قبل التكفيريين، يمكن لسلطات بيروت الاعتماد على مساعدة الجيش السوري للتعامل مع التهديدات الأمنية لهذه الجماعات.

سوريا معبر لإنقاذ الاقتصاد اللبناني

إضافة إلى الأزمة السياسية، فإن المشاكل الاقتصادية المتفاقمة هي أيضاً من المآسي التي يعاني منها اللبنانيون، وهم يبحثون عن حل لتجاوز هذه الأزمة. على الرغم من أن لبنان يمتلك ساحلاً بحرياً طويلاً مطلاً على البحر الأبيض المتوسط ​، إلا أنه لا يمتلك اتصالاً برياً مع أي دولة عربية غير سوريا، والتي تعتبر الطريق الوحيد الذي يربط لبنان بباقي المنطقة. في العقد الماضي، وبسبب قطع العلاقات العربية مع دمشق، لم يكن من الممكن للبنان التفاعل مع العرب عبر سوريا، ولكن مع التقارب العربي الأخير في المنطقة، انفسحت المساحة للبنان للتعاون مع الدول الأخرى.

إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مع ما لهذا البلد من موقع ودور في التطورات الإقليمية، جعلت اللبنانيين قادرين على التواصل مع الدول العربية على طول الخليج الفارسي من خلال بشار الأسد. وبالنظر إلى أن جزءاً من أزمات لبنان السياسية والاقتصادية يعود إلى الأعمال التخريبية من قبل السعودية وإلى حد ما الإمارات وقطر، ينبغي على بشار الأسد، الذي أقام علاقات ودية مع العرب هذه الأيام، التوسط في إيجاد تقارب بين لبنان وهذه المشيخات. وميشال عون يسعى أيضا لتحقيق هذا الهدف في دمشق. وبالتالي لن يكون طريق حل الخلافات بين السعوديين ولبنان صعباً مع تخلي مشيخات الخليج الفارسي، التي كانت تُكن العداء لبشار الأسد، عن التوتر واعادة العلاقات مع دمشق.

هناك احتمال أن تُساهم الدول العربية أيضًا في مرحلة إعادة إعمار سوريا، وسيعود الانفتاح الاقتصادي وتطوير البنية التحتية في هذا البلد بمزايا للبنان. في العامين الماضيين، أرسلت إيران ناقلات وقود من سوريا إلى لبنان، ووفقًا للتحركات السياسية في المنطقة، سيتم تعزيز تفاعلات العبور بين العرب وبيروت. وبما ان عدد سكان لبنان أقل، سيتم حل العديد من مشاكل الناس عن طريق ضخ مليارات من الدولارات من قبل المشيخات الغنية في اقتصاد البلاد المنهار.

من خلال ربط طرق العبور بين لبنان والدول العربية في المنطقة، سيتم حل جزء كبير من المشاكل الاقتصادية لهذا البلد ويمكن لـ “عروس الشرق الأوسط” استعادة ازدهارها السابق. لأن استمرار الأزمة الاقتصادية والانسداد السياسي سيخلقان ظروفاً صعبة للبنانيين سينتج عنها عواقب سلبية حتى على العرب الآخرين.