مقالات مشابهة

“تُعادل 10 دونات في اليوم”.. كيف يؤثر إدمان الأجهزة الذكية على الأطفال؟

دراسة تظهر أن استخدام الأجهزة الذكية لتهدئة الأطفال الصغار أو احتوائهم أثناء نوبات الغضب، يمكن أن يعيق نموّهم العاطفي الصحي، ويجعلهم أكثر تقلّبًا مع مرور الوقت. في كتابه “Man disconnected” يدقّ عالم النفس والكاتب فيليب زيمباردو جرس الإنذار، محذّراً من تأثير التكنولوجيا والأجهزة الذكية على الصبية، ومعتبراً أن الذكورة (أو الرجولة) في حالة انهيار، نتيجة تأثير هذه الأجهزة على صحتهم النفسية وعواطفهم ورؤيتهم لذاتهم.

الكتاب الذي نُشر منذ أعوام، ألقى الضوء على جوانب خفية من مشكلة ظاهرة. وهي “الغزو التكنولوجي المخيف الذي يشكّل خطراً حقيقياً على الأطفال، أما الجانب الخفي فهو الإجابة عن سؤال: كيف تؤثر هذه الأجهزة الذكية على الأطفال فعلياً؟”.

في معرض الإجابة عن هذا السؤال، أُجريَت عشرات الدراسات، وقد تناول بعضها أثر الأجهزة الذكية على الصحة الجسدية والبدنية للأطفال، فيما بحثت دراسات أخرى في تأثير هذه الأجهزة على صحة الأطفال النفسية والعقلية وسلوكهم. وبدا أن دراسة هذا الشق من التأثير قد بات يأخذ حيّزاً واسعاً من اهتمام الباحثين والمختصّين.

في هذا الصدد، أظهرت دراسة أن استخدام الأجهزة الذكية لتهدئة الأطفال الصغار أو احتوائهم أثناء نوبات الغضب، يمكن أن يعيق نموّهم العاطفي الصحي، ويجعلهم أكثر تقلّبًا مع مرور الوقت. وكان باحثون قد نشروا في “JAMA pediatrics” (مجلة طبيّة شهريّة تنشرها الجمعية الطبية الأميركية) دراسة أجريت على 422 من الآباء وأطفالهم الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 5 سنوات.

الدراسة التي تم إجراؤها في الفترة الممتدة من آب/أغسطس 2018 إلى كانون الثاني/يناير 2020، وجدت أن الأطفال الذين يهدّئون أنفسهم بالهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، يتخذون قرارات أضعف، وأصبحوا سريعي الانفعال أكثر، بعد مدة ثلاثة وستة أشهر.

ورداً على استبيان، أبلغ آباء الأطفال الذين يتمتعون بحماسة عالية، عن حدوث تراجع إدراكي حاد في الأداء التنفيذي، وطفرات في التفاعل العاطفي. الباحثة الرئيسية في الدراسة، جيني راديسكي، طبيبة الأطفال التنموية والسلوكية، وأستاذة طب الأطفال في كلية الطب في جامعة ميشيغان، قالت إن إسكات طفل يبكي أو يصرخ بالأجهزة يمكن أن يعزّز السلوك السيئ، عبر تقديم “مكافأة ممتعة”.

معدّو الدراسة أشاروا في تقريرهم إلى أن استخدام مقاطع الفيديو أو التطبيقات أو الصور الفوتوغرافية لتشتيت انتباه الطفل الصغير أو تهدئته، وعلى الرغم من أنه قد يكون فعالاً، إلا أن نتائج الدراسة تدلّ على أن هذه الممارسة قد تصبح عادة أكثر شيوعاً مع الأطفال الأكثر تفاعلاً عاطفياً، وهذا قد يؤدي إلى تراجع مهارات تنظيم المشاعر لديهم، مع مرور الوقت.

راديسكي نصحت الآباء الذين يقولون إن الأجهزة ومقاطع الفيديو هي الأشياء الوحيدة التي تهدئ أطفالهم، باستخدام مقاطع الفيديو التعليمية. وحذّرت من أن أي “إلهاء عالي المتعة” كمقاطع الفيديو التي تُظهر مقاطع الفيديو المخيفة والعنيفة، يمكن أن تسبب مشاكل على المدى الطويل.

يشبّه راي جواريندي، عالم النفس الإكلينيكي، تهدئة المشاعر المضطربة عبر السفر في عالم الأجهزة، بتطوير “برنامج لياقة بدنية يتضمّن تناول 10 كعكات دونات في اليوم”. الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال توصي بعدم استخدام الشاشة للأطفال دون عمر عامين، وألا تزيد مدة استخدامها من الذين تتراوح أعمارهم بين 2 إلى 5 عن ساعة واحدة في اليوم. ويحذّر المختصون بشكل مستمر من أن الأجهزة الذكية تقلل من مدى الانتباه، وتجعل من الصعب على الأطفال التركيز.

تقول لورا ديكوك، التي تقود ورش عمل عن الصحة النفسية للعائلات: “جسدياً، يمكن أن يؤدي قضاء الوقت على الشاشات بدلاً من ممارسة الرياضة واللعب، إلى مشاكل مثل السمنة لدى الأطفال ومشاكل الرقبة والظهر المزمنة. عقلياً، يمكن أن يعيق تنمية المهارات المعرفية والاجتماعية”. وهذا يؤكد أن التأثير النفسي والعقلي والعاطفي لاستخدام الأجهزة الذكية، لا يقل خطورةً وضرراً عن التأثير الجسدي.

الدراسة أجريَت قبل انتشار فيروس كورونا ودخول العالم في سلسلة فترات إغلاق متتالية. ووفقاً لدراسة أخرى منفصلة، نشرتها أيضاً مجلة “JAMA pediatrics”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، فقد تضاعف وقت الشاشة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و13 عاماً من 3.8 ساعة يومياً إلى 7.7 ساعة يومياً بين عامي 2019 و2020.

فترات الإغلاق المطوّلة والمتكررة التي شهدتها معظم الدول، بالإضافة إلى اللجوء للتعليم عن بعد، أدّت بطبيعة الحال إلى المزيد من الارتفاع في معدل الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات الذكية، وهذا ما يثير القلق من حجم التأثير السلبي الذي قد تتركه هذه الأجهزة على صحة الأطفال.

يقول خبراء الصحة العقلية إن الآثار السلبية للأجهزة على الأطفال الصغار، قد تفاقمت على الأرجح خلال العامين الماضيين. كما أظهر عدد من التقارير أن الأطفال قد اكتسبوا الوزن، وتأخروا في المدرسة، وعانوا من طفرات في القلق السريري والاكتئاب أثناء التعلم الافتراضي في عصر الوباء.

الآن وقد بات تأثير الأجهزة الذكية على الأطفال معروفاً ومحدداً، فقد صار ضرورياً طرح حلولٍ واقعية وعاجلة.