مقالات مشابهة

نكبة جديدة في غزة.. هل تنجح “إسرائيل” بحرب الإبادة؟

عندما طلبت “إسرائيل” من سكان غزة مغادرة منازلهم في القطاع الفلسطيني المكتظ بالسكان قبل هجوم بري متوقع، أثارت هذه الدعوة ذكريات “النكبة” في قلوب الفلسطينيين، حيث قد تعايشت الفكرة من ترحيل أو قسر من الأرض التي يطمحون في إقامة دولتهم عليها مع مشهد الهجرة والطرد الذي شهدوه خلال حرب 1948 التي تزامنت مع قيام كيان “إسرائيل”، ويجلس الفلسطينيون في منزلهم مع أطفالهم تحت وطأة القصف الإسرائيلي المتواصل وضائقة الخبز ونقص مياه الشرب وانقطاع التيار الكهربائي، ويؤكدون: “مهما يحدث، لن نترك منازلنا، ولن نغادر”.

حيث إن “إسرائيل” كانت قد منحت سكان الجزء الشمالي من قطاع غزة مهلة حتى صباح السبت للتنقل جنوباً، وفي وقت لاحق زعمت أنها ستضمن سلامة الفلسطينيين الفارين على طريقين رئيسيين حتى الساعة الرابعة عصراً بتوقيت جرينتش، ومع انقضاء الموعد النهائي، شهدنا تجمعًا للقوات الإسرائيلية حول قطاع غزة الذي هدم الكيان منازله على رؤوس أصحابها.

محاولة تهجير جديدة

مع كل صاروخ وضحية، يتذكر الفلسطينيون زمن تهجيرهم للمرة الأولى وما يعيشونه اليوم، ويعلمون أن الولايات المتحدة هي الجهة المسؤولة عن هذا الوضع، وكذلك الدول التي تطبع علاقاتها مع “إسرائيل”، مصرين على موقفهم بالقول: “حتى وإن تدخلت أمريكا أو إسرائيل أو أي دولة أخرى، سنظل مكاننا ولن نترك منازلنا”، حيث نفي الكثير من الفلسطينيين من منازلهم وقراهم إلى غزة، والتي أصبحت اليوم واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم، وشهدوا أحداث الحروب والمجازر الإسرائيلية، بما في ذلك حرب 1948، وحرب 1956، وحرب 1967، وحرب 1973، والصراعات بين الكيان الغاصب وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

نحو 700 ألف فلسطيني، أي نصف السكان العرب في فلسطين التي كانت تحت الحكم البريطاني، تعرضوا للتشريد والتهجير، حيث نزح الكثيرون منهم إلى الدول العربية المجاورة حيث يقيمون هم والعديد من أحفادهم، ولا يزال العديد منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين.

ترفض تل أبيب الاعتراف بحقيقة طرد الفلسطينيين، وتزعم بنفاق أنها تعرضت للهجوم من قبل خمس دول عربية بعد إنشائها، بينما تشن “إسرائيل” قصفاً مكثفاً وتعهدت بمحاولة القضاء على حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، رداً على هجوم مقاتليها الذين اقتحموا بلدات إسرائيلية قبل أسبوع، وخلال هذا الهجوم، تم الرد على جرائم الكيان بالرصاص وعادوا إلى القطاع مع عشرات من الرهائن، وأدى هذا الصراع إلى مقتل نحو 1300 شخص، ما يجعله أسوأ هجوم في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي.

الكيان الإسرائيلي يصف عملية التهجير الجماعي بأنها “لفتة إنسانية” تهدف إلى حماية السكان من الأذى، بينما في الوقت نفسه تعمل على القضاء على مقاتلي حماس، وتشير الأمم المتحدة إلى أن نقل عدد كبير من الأشخاص بأمان داخل الجيب المحاصر يمكن أن يسبب كارثة إنسانية، وعدد كبير من سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، قد غادروا منازلهم ولجؤوا إلى مناطق داخل القطاع، الذي يقع بين فلسطين ومصر ويمتد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، فيما تشكل قضية اللاجئين الفلسطينيين إحدى القضايا المعقدة والمثيرة للجدل في عملية “السلام” الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة، والفلسطينيون والدول العربية يصرون على أهمية أن يُشمل أي اتفاق سلام حق عودة هؤلاء اللاجئين وأحفادهم، بينما ترفض قوات الاحتلال هذا الأمر بشكل دائم.

ويتحدث جميع الأهالي عن وجود مؤامرة من الولايات المتحدة و”إسرائيل” لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، على الرغم من عدم وجود أي دليل على أن مصر تعتزم فتح أبوابها للاجئين الفارين من غزة، بينما يقول أبناء غزة: “نريد أن نؤكد للولايات المتحدة وإسرائيل ومن يدعمهما أننا لن نترك قطاع غزة أبدًا، وسنظل هنا حتى النهاية”، كما أنهم سيواجهون الاستيطان الإسرائيلي واحتلال الأراضي الفلسطينية منذ عام 1948، وسيواجهون “إسرائيل” بمقاومة دائمة ومستمرة، ودعا الشعوب الأخرى الرازحة تحت الاحتلال أيضًا إلى مواصلة مقاومتها بأي وسيلة مهما كان الثمن.

“إسرائيل” لم تفهم عقليّة الفلسطينيين بعد

إنّ التصاعد الحالي للاعتداءات الإجراميّة من قبل “إسرائيل” على الفلسطينيين في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة وبالأخص في غزة المحررة يشكف أنّ الإسرائيليين لم يفهموا عقلية الفلسطينيين بعد، رغم كل سنوات الاحتلال والمجازر الشنيعة، ويعكس ذلك وبشكل قاطع نضال ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي العسكري العنصري.

هذا العدوان يشهد انتهاكات وجرائم كبيرة ضد الشعب الفلسطيني ويكشف عن طبيعة السياسات الاستعمارية والقمعية التي تنتهجها “إسرائيل”، وهذا يعد دليلًا واضحًا على التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي بشأن التعامل مع العنصرية والانتهاكات المتكررة من قبل تل أبيب.

والمجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته ويعمل على مساءلة “إسرائيل” بناءً على القوانين والاتفاقيات الدولية ويشدد على الالتزام بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان في مواجهة هذه الجرائم المتكررة، والتذكير بالالتزامات القانونية للدول والمساعدة في وقف الانتهاكات والمعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هو أمر ضروري لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة، وتنبع هذه الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة من دافع واضح لقمع الفلسطينيين ومحاولة سيطرة كاملة عليهم، و يصعب تجاهل الجرائم والانتهاكات المستمرة التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، ويعكس ذلك مدى التحديات التي تواجه الفلسطينيين وسكان هذه المنطقة في ظل الاحتلال.

ولا شك أن العدوانية الإسرائيلية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تعد “جرائمًا بحد ذاتها” ويجب أن تواجه بشدة وبموجب القوانين الدولية وحقوق الإنسان، وينبغي على المجتمع الدولي التصدي لهذه الانتهاكات والتحدث بوضوح ضد السياسات العنصرية والقمعية التي تنتهجها “إسرائيل”، والتأكيد على حق الفلسطينيين في العيش بكرامة وحرية في أرضهم، والكيان الصهيوني يعترف بنواياه في التوسع والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وهذا يعكس عدم احترامه للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، وتنكشف هذه النوايا في جرائم السلطات الإسرائيلية في غزة، وهي تستمر في انتهاكاتها ضد فلسطين وشعبها.

والهيمنة الصهيونية تظهر بوضوح في نظام المواطنة المميزة بين اليهود والفلسطينيين، وفي تقسيم الفلسطينيين إلى مجموعات منفصلة مع تطبيق أنظمة مختلفة عليهم، وهذا التقسيم يشمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، القدس، الضفة الغربية، قطاع غزة، واللاجئين.

هذا النظام ينتهك حقوق الإنسان ويفصل الفلسطينيبن عن بعضهم البعض ويفصلهم عن أراضيهم، في دليل على أن هذه المنطقة المحتلة هي واحدة جيوسياسياً وأنها تتحكم فيها حكومة واحدة، ولكن هذه المنطقة ليست ديمقراطية، بل تعتبر نظام “أبارتهايد”، وهو نظام فصل عنصري يميز بين الناس على أساس العرق والهوية.

ويُظهر التاريخ أن ما يقرب من 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطيني يعيشون في المنطقة نفسها تحت نظام يميز بينهم بشكل كبير ولا يمنحهم حقوقاً متساوية، وهذا يشير إلى أنه ليس هناك معيار واحد يتمتع به الفلسطيني واليهودي على قدم المساواة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومؤخرا كشفت “إسرائيل” عن ساديتها وعنصريتها بشكل واضح من خلال الجرائم والاعتداءات التي قامت بها ضد الأبرياء في غزة، وتلك الجرائم الممنهجة تتصاعد بشكل خطير وسط التوتر الزائد في المنطقة، ما يزيد من احتمالية حرب متعددة.

انفجار قريب للأوضاع

تُظهر سياسة القتل الوحشي التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية خللا قريبا في الوضع الأمني في المنطقة، وتنبؤات بحدوث تصاعد في التوترات، و يشير معظم المحللين السياسيين إلى أن الأوضاع قد تنفجر في أي لحظة بسبب تصاعد العنف وتمادي “إسرائيل”، وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على الاستقرار في المنطقة.

ويحذر مراقبون من احتمالية وقوع “حرب شاملة” و”انتفاضة عارمة” تهدف إلى ردع العدوان الإسرائيلي الهمجي، ونتيجة للاستمرار في الحسابات الخاطئة التي تقوم بها “إسرائيل”، فإن نتائج سياستها الصهيونية قد تظهر في أي لحظة، وتتضمن هذه السياسة جرائم القتل الجماعي والتهجير الكبير، وطرد الأهالي من منازلهم ومصادر رزقهم، إضافة إلى اعتداءات على المقدسات وعمليات الضم، ويبدو أن الشعب يرى أن العقلية الإجرامية والإرهابية للمحتل الإسرائيلي لا تزال كما هي، ما يشير إلى أن خيارات المقاومة بجميع أشكالها في غزة والضفة والقدس أصبحت متوجهة نحو التحرير أكثر ما تتخيله عقلية الأعداء.

في الختام، نتيجة للأحداث الراهنة والوقائع الميدانية، يبدو أننا نقترب بسرعة من “الانفجار الكبير” الذي سينتج عن عنصرية الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين، ويعتقد العديد من المحللين أن محاولة ردع هجمات العدو الإبادية والتصاعد المستمر لهذه الهجمات هي الوسيلة الوحيدة للتغلب على استبدادهم وحماية فلسطين وشعبها، ومن الممكن أن تشهد الأيام القادمة تصاعدًا في الأحداث وزيادة كبيرة في التصعيد.