مقالات مشابهة

تتبع نقاط الضعف لدى كيان العدو الإسرائيلي وأمريكا في كلام السيد حسن نصر الله

ألقى السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، مساء الجمعة الماضي، أول كلمة له بعد بدء عملية “طوفان الأقصى”، والتي شاهدها مئات الملايين من الناس حول العالم على شاشات التلفاز، وبمواقفه الذكية والقوية وبلهجة الخطاب المؤثرة والناريّة نفسها، بعث رسالة الحماس والأمل لجبهة المقاومة، والرعب للكيان الصهيوني وحلفائه.

ورغم أن الكثيرين توقعوا أن يضع نصر الله كل النقاط على الحروف في خطابه، وأن تنكشف خطط حزب الله للأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، لكن زعيم المقاومة أبقى الصهاينة في حالة من الخوف والقلق بنفس لعبة الحرب النفسية التي يتقنها، حتى يستمر التهاب الصراع المتجدد والواسع النطاق مع حزب الله بين الصهاينة.

وخلافاً للقادة المتشددين في تل أبيب، لم يقم نصر الله بالكشف عن خططه بالكامل، وأبقى سراً أسلوب رد الفعل ونطاق صراعات حزب الله مع الكيان الإسرائيلي، وهذا أحد تكتيكات القادة العسكريين لمنع العدو من رد الفعل المتبادل، حيث إن الصهاينة لا يعرفون الآن ما هي ورقة نصر الله المقبلة، وكيف يجب أن يستعدوا للتعامل معها.

إن خلق حرب نفسية بين الصهاينة هو استراتيجية قوية استخدمها الأمين العام لحزب الله بشكل جيد ضد الكيان منذ عام 2006، ونجحت حتى الآن، وعدم دخول الكيان في صراع مع المقاومة اللبنانية هو بسبب الخوف من ردود أفعال حزب الله، لأنهم لا يعرفون ما الذي يفعله زعيم المقاومة.

لقد أظهر نصر الله أنه قائد عسكري وسياسي ذكي، يعرف جيداً الأبعاد المؤثرة لتأثيرات الحرب النفسية على جبهة العدو الداخلية، ويعرف كيف ينشر الخوف والرعب في الأراضي المحتلة دون صراع. كما أن زعيم حزب الله يحسب ويدير قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني بلا ضجة وشعارات وخداع، مثل لاعب الشطرنج القهار، ومع مراعاة جانب الاحتياط حذّر الكيان من مغبة المغامرة في المنطقة.

استعداد حزب الله للتعامل مع أي سيناريو حرب

وجّه نصر الله جزءاً من خطابه إلى قادة البيت الأبيض، ووجّه لهم هذه الرسالة الواضحة والحاسمة بأن الجزء الأكبر من تكاليف الحرب في غزة، سيكون من نصيب الجنود الأمريكيين الموجودين في المنطقة. أكد نصر الله أن قوى المقاومة لا تخشى السفن الأمريكية، وكل الاحتمالات والخيارات مطروحة للتعامل معها، محذراً مسؤولي البيت الأبيض من أنهم إذا أخطأوا فسيدفعون ثمناً باهظاً، واعتبر عملية المجموعات العراقية التي تستهدف القواعد الأمريكية، خطوةً مهمةً في هذا الصدد.

ورغم أن المسؤولين في واشنطن يزعمون أنه في حال فتح الجبهة اللبنانية فإن رد فعلهم سيكون حاداً، لكن يبدو أن الأمريكيين قلقون جداً من دخول حزب الله في الصراع. وقال مسؤول في البيت الأبيض، رداً على خطاب الأمين العام لحزب الله، إن واشنطن لا تسعى إلى تصعيد التوتر والصراع على الجبهة اللبنانية، وهو ما يظهر يأسها وعجزها عن الدخول في صراع واسع النطاق مع حزب الله.

وهذا القلق يظهر أيضاً في وسائل الإعلام الأمريكية، التي غطت تحذيرات نصر الله من “فتح جبهة جديدة من لبنان ضد أمريكا والكيان الصهيوني، فضلاً عن أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة واحتمال نشوب حرب شاملة”، وهو ما يدل على أنهم يحللون هذه التحذيرات بعناية، لأن نصر الله معروف بتقديم الوعود الصادقة، ولن تتجاهل فصائل المقاومة تحركات الولايات المتحدة بسبب مشاركتها في حرب غزة.

في حرب الـ 33 يوماً، وجّه حزب الله ضربةً قويةً للكيان الإسرائيلي باستهداف بارجة “ساعد” الإسرائيلية، ما كان له أثره على عملية التطورات الميدانية والموافقة على وقف إطلاق النار، وقد يتكرر مثل هذا السيناريو بالنسبة للسفن الأمريكية في المنطقة، والآن أصبح لدى حزب الله وفصائل المقاومة الأخرى القوة اللازمة لتدمير هذه السفن.

إن تدمير حاملة الطائرات الأمريكية في الوضع الدولي الحالي، يمكن أن يؤدي إلى اشتداد تراجع هيمنة هذا البلد في العالم، وسيضطر الدول العربية التي عهدت أمنها إلى هذه القوى منذ عقود، إلى إعادة النظر في سياساتها الأمنية. يأتي التأكيد على تدمير السفن الأمريكية، فيما نشرت الولايات المتحدة حاملتي طائرات لها في البحر الأبيض المتوسط ​​فور بدء الهجمات الصهيونية على غزة، لمنع إيران وحزب الله من مهاجمة الأراضي المحتلة، وأرسلت ألفي جندي جديد لدعم الصهاينة حول الأراضي المحتلة.

يظهر كلام السيد حسن نصر الله أن هذه الخطوة الاستعراضية من قبل البيت الأبيض، ليس لها أي تأثير على استراتيجية المقاومة العسكرية لمستقبل احتدام الصراع على حدود الأراضي المحتلة، والمقاومة جاهزة حتى لسيناريو التعامل مع أمريكا.

كان حزب الله حاضراً في حرب غزة منذ البداية

من المواضيع التي شغلت أذهان المحللين وأنصار المقاومة في الأسابيع الأخيرة، هي لماذا لا يدخل حزب الله الحرب مع الكيان الصهيوني، لكن نصر الله أعلن لتبديد الشكوك بأن المقاومة اللبنانية دخلت ساحة الصراعات في غزة منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى، وهاجمت مراراً مواقع الاحتلال.

وحسب الأمين العام لحزب الله، فإن مستوطني الحدود يفهمون هذه القضية جيداً، وأصبحوا يعتقدون أن الأسس السياسية والأمنية لـ “إسرائيل” “أضعف من بيت العنكبوت”. وحسب نصر الله فإن نجاح حزب الله في مشاغلة ثلث الجيش الصهيوني في جنوب لبنان بهجماته وتشكيلاته العسكرية، يظهر أن هذه الحركة تمكنت من إبطاء هجمات الكيان في قطاع غزة، لأنه كان من المفترض أن تذهب هذه القوات النخبوية إلى غزة، لكنها منشغلة بلبنان.

وتحاول سلطات تل أبيب احتلال غزة على المدى القصير، والنجاة من الآثار الأمنية والاقتصادية الناجمة عن إطالة أمد الحرب، لكن يتعين عليها الآن التواجد في غزة بقوة أقل، والوقت ليس في صالحها. في المقابل، ومن أجل طمأنة أنصار المقاومة في العالم، وعد نصر الله بأن الأحداث التي تجري على الحدود الجنوبية كبيرة جداً، ولن يتم الاكتفاء بها بأي شكل من الأشكال، وهي تصريحات تظهر أن حزب الله لن يهدأ إذا استمرت جرائم الصهاينة في غزة، وسيستخدم خياراته الأخرى لمعاقبة الكيان الإسرائيلي.

في الوقت الحالي، يشعر الصهاينة بقلق بالغ من تزايد مشاركة حزب الله في الحرب، لأنهم يعلمون أن هذه الحركة حققت قدرات كثيرة في المجال العسكري خلال العقدين الأخيرين، ما يمكن أن يخلق أزمةً خطيرةً في الأراضي المحتلة، وهذه القضية أثارت قلق الصهاينة.

ونشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” السبت الماضي عنواناً رئيسياً لتحذير نصر الله بشأن “المدني مقابل المدني”، وكتبت أن نصر الله هدد بمهاجمة ليس “إسرائيل” فحسب، بل أيضاً القوات الأمريكية في المنطقة. كما عكس مستخدمون إسرائيليون على مواقع التواصل الاجتماعي كلام نصر الله، بأن ما يحدث على الجبهة اللبنانية ليس كل شيء، وأن هناك احتمالاً لصراع حقيقي بين حزب الله و”إسرائيل”، وإذا هاجم الصهاينة لبنان فسوف يرتكبون أعظم حماقة في تاريخهم.

كانت تصريحات الأمين العام لحزب الله بمثابة إنذار أخير للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة للوقف الفوري لآلة القتل في غزة، لأن حزب الله أثبت أنه لا يخشى دخول ساحات القتال مع الكيان، وإذا استمرت الجرائم ضد أهل غزة، فربما يفي نصر الله بوعده الصادق بحرب واسعة النطاق في الأسابيع المقبلة.

وهذه المرة لن يقتصر نطاق الصراع على مزارع شبعا فقط، بل إضافة إلى كل الأراضي المحتلة، ستصبح القواعد الأمريكية أيضاً جزءاً من الأهداف المشروعة لقوى المقاومة.