مقالات مشابهة

المجلس الانتقالي والتعاون مع الاحتلال.. ما علاقة الإمارات؟

بينما يعاني قطاع غزة تحت وطأة عدوان يُعتبر إجرامياً ويمتد لأكثر من شهرين، وسط غياب عربي مُدوٍّ وصمت دولي لافت، استشعر المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن الفرصة التاريخية لتحقيق هدفه بإعلان دولة مستقلة، يأتي هذا الإعلان في ظل الظروف الراهنة، رغم التعاقب الدولي الباهت، ويتجاوز حتى وإن كان ذلك عبر التعاون المحتمل مع “إسرائيل”، ورغم عبور المجلس، الذي يحظى بالدعم الإماراتي، حاجز الخجل الذي قد يؤثر على جماهيره، وتجاهل غضب اليمنيين الناجم عن العدوان الوحشي في غزة، إلا أنه قرر التقدم بخطوات جريئة، يتطلع المجلس إلى أن يكون شريكًا فعّالًا لـ”إسرائيل”، وذلك بهدف تعزيز جهوده في مواجهة الحوثيين، الذين استفادوا من سيطرتهم على ميناء الحديدة لتنفيذ هجمات استهدفت سفنًا إسرائيلية.

محاولة لمنع صنعاء من دعم فلسطين

يظهر أن مفهوم التطبيع لم يعد يُعتبر أمرًا مخجلاً لبعض الأطراف حتى في ظل أوضاع منطقية متوترة، هل ستستغل “إسرائيل” الفرصة المتاحة مع المجلس الانتقالي الجنوبي لمحاولة التأثير على قرار الحوثيين الداعم لفلسطين؟ هل ستتعاون “إسرائيل” في تحقيق أهداف المجلس، وهي إعلان دولة جنوب اليمن، أم ستتجاهل هذا الطلب، ما قد يضعه في موقف محرج أمام جماهيره؟

وفي سياق الهجمات الحوثية على السفن التابعة للكيان في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، استشعر المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتلقى دعماً إماراتياً، فرصة قد تكون استثنائية، وبادر بسرعة إلى التعبير عن استعداده للتنسيق مع “إسرائيل” لمواجهة تلك الهجمات الداعمة لفلسطين وتحقيق مصالح أبو ظبي، ويبدو أن هذا التعاون المحتمل يأتي بثمن، حيث يُقدم المجلس نفسه كحلفاء لـ”إسرائيل”، بمساعدتها في مواجهة التحديات الأمنية، في مقابل دعمها لجهودهم في تحقيق الاستقلال عن اليمن والاعتراف الدولي بدولتهم.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية “كان” في تقريرها بتاريخ 11 ديسمبر 2023، نقلاً عن مصادر خاصة، بأن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، عيدروس الزبيدي، يظهر اهتماماً بتنسيق الجهود مع “إسرائيل”، حيث يسعى إلى الحصول على الدعم الإسرائيلي والدعم الدولي لتقليل الهجمات الحوثية بطلب إماراتي، وخاصة في ظل سيطرتهم العسكرية والأمنية على المناطق الجنوبية لليمن، ودعمهم لغزة المحاصرة ويقتل شعبها بصمت دولي.

وتأتي هذه التطورات في سياق اجتماع الزبيدي مؤخراً مع مسؤولين محليين، بمن في ذلك قادة عسكريون، ومع مسؤولين إماراتيين وأمريكيين، بهدف مناقشة كيفية التعامل مع التصاعد في الأوضاع الناجمة عن تقدم الحوثيين في توجيه الصفعات للكيان الاسرائيلي، وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي أعلن فيه الحوثيون عن نيتهم منع مرور السفن إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، ما لم يتم إدخال إمدادات الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، في محاولة للضغط على الكيان.

ووفقًا للصحفي الإسرائيلي في الهيئة، روعي كايس، قال الزبيدي قبل أيام خلال إحدى اجتماعاته، إن القوات في جنوب اليمن تستعد لأداء دور مركزي في تأمين طريق الشحن في البحر الأحمر بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وأشار مصدر في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى أنه “إذا اعترفت إسرائيل بحقنا في تقرير المصير في جنوب اليمن، فسنكون حلفاء في الميدان لدعم الصهاينة”، وفي بداية الشهر الجاري، كشفت وسائل إعلام روسية عن جهود منسقة بين الإمارات والولايات المتحدة لتسليح الفصائل المدعومة من أبوظبي في اليمن، بهدف مواجهة عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، وخاصة فيما يتعلق بالتهديد المتزايد ضد السفن الإسرائيلية.

وتتيح الفرصة الفريدة للولايات المتحدة وـ”إسرائيل” استخدام جماعات مسلحة وفصائل جاهزة لتحقيق أهدافها، مع التركيز على تقليل التكلفة البشرية في مواجهة الأطراف التي تشكل تهديدًا، قد تجد هذه الفرصة في “الانتقالي”، الذي يحظى بدعم من الإمارات، فرصة لتحقيق هدفه بوقف هجمات صنعاء على السفن الصهيونية في البحر، وتُظهر التسريبات التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، إشارات تؤكد الرسائل التي بثها “الانتقالي” سابقًا، في 26 نوفمبر، أعلن الانتقالي أن الحوثيين قد يواجهون “إجراءات انتقامية”، معبرًا عن قلقه إزاء ما أسماه “سلوك الحوثيين الذي أصبح يشكل تهديدًا للأمن والسلم في المنطقة”، متناسيا أنه مجرد رد على الجرائم الإبادية بحق أبرياء غزة.

فرصة خيانة للمجلس الانتقالي

يزعم المجلس الانتقالي الجنوبي أن النشاط المسلح لصنعاء يشكل تهديدًا لسلامة الملاحة قرب شبه الجزيرة العربية، وفي سياق مستقل، أشار إلى أن هذا الوضع يؤثر على الأمن الغذائي ويمكن أن يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث تتعرض طرق التجارة للتهديد في الوقت الحالي، وأكد المجلس جاهزيته المستمرة للعمل على تأمين مسار الملاحة الدولية وردع السلوك “الإرهابي” لصنعاء -أي مساعدة فلسطين تخيلوا- وذلك من خلال رفع جاهزية القوات البحرية الجنوبية وتطويرها، بالتعاون مع دول التحالف العربي والشركاء الإقليميين والدوليين، يعتبر هذا التأكيد إشارة إلى جاهزيته لاتخاذ أي إجراء قد يساعده في تحقيق هدف الانفصال الذي فشل في تحقيقه على مر السنوات.

وفي بداية الشهر الحالي، كشفت وسائل إعلام روسية عن مساعٍ منسقة بين الإمارات والولايات المتحدة لتسليح الفصائل المدعومة من أبوظبي في اليمن، بهدف مواجهة عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وحماية السفن من التهديدات، ويرى محللون أن ما تم تسريبه لم يكن صادمًا لليمنيين، وخاصة أن الانتقالي يُعَدُ أحد أدوات الإمارات وينفذ ما تريده، وأن المحادثات تجري عبر أبوظبي مباشرة في هذا السياق، ويشار إلى أن الانتقالي يسعى لتسويق نفسه لدى “إسرائيل” من خلال نقاط قوة تشمل سيطرته على العاصمة المؤقتة عدن وجزيرة سقطرى، وتواجده غير المباشر في باب المندب وجزيرة ميون عبر قوات عسكرية جنوبية تتبع له، ويُظهر الانتقالي أيضًا قوته من خلال محاربته لحركات الإسلام السياسي، لكنه منخرط في معسكر العداء لفلسطين وشعبها.

ومع ذلك، يؤكد البعض أن ذلك “لا يعني أن إسرائيل لا تسعى لأن يكون لديها طرف قوي في اليمن”، مُشيرين إلى أنها لا تهمها ما إذا كان هذا الطرف ميليشيا أو جهازاً أمنياً أو دولة”، وخاصة أن “إسرائيل”، على الرغم من عدم رغبتها حاليًا في فتح خيارات المواجهة الواسعة، قد تستغل الميليشيا الموالية للإمارات لتنفيذ مهام لصالحها بالهجوم على الحوثيين، لأن المجلس الانتقالي، الذي يتلقى دعمًا إماراتيًا، يمكن أن يكون الشريك المناسب لتحقيق هذه المهمة، نظرًا للقوة العسكرية التي يمتلكها واستعداده لاتخاذ أي إجراء يخدم هدفه بالانفصال.

وعلى الرغم من ذلك، يُؤكد الانتقالي أن هذا السيناريو قد لا يخدم المصالح الأمريكية والمنطقة بأكملها، ويشير إلى أن الحوثيين قد يتخذون موقفًا عدائيًا، متخلين عن أي اتفاقيات قادمة للسلام ويدخلون في حرب بتهمة مقاتلة الموالين الكيان في جنوب اليمن، ما قد يؤدي إلى نشوب حرب جديدة في اليمن، و”إسرائيل” تسعى فقط لتأمين وجود لها في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، ولا تهتم في العمق كثيرا بالخلافات الداخلية في اليمن، ومع ذلك، قد تحقق الانتقالي ما يرغب فيه لإرضاء أبوظبي وللمحافظة على مصالحها الرئيسية مع الإمارات.

والتسريبات الأخيرة لم تكن مفاجئة بالنسبة للانتقالي، حيث سبق له أن رحب بإعلان التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل” في أغسطس 2020، وأعرب الانتقالي حينها عن ترحيبه بهذا القرار ووصفه بأنه “شجاع”، مؤكدًا دعمه له وللقائد الإماراتي محمد بن زايد، وقد اعتبر نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، عبر صفحته الموثقة في موقع “إكس”، أن اتفاق التطبيع مع الكيان وضع خريطة طريق نحو تعاون مشترك وعلاقات ثنائية، وأكد بن بريك أن هذا الاتفاق يخدم خيار العرب في حل الدولتين وإنهاء المتاجرة بالقضية، معربًا عن رغبته في زيارة تل أبيب.

وتظل وسائل الإعلام الإسرائيلية مهتمة بالأحداث في جنوب اليمن، حيث نشرت إحدى الصحف الإسرائيلية تقريرًا في يونيو 2020 يشير إلى إعلان قيام دولة جديدة في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن قيادتها تظهر تجاه الكيان بمشاعر ودية وموقف إيجابي، وتأكدت هذه المعلومات من قبل موقع “إنتليجنس أونلاين” في تقرير نشر في 22 يوليو 2020، حيث أفاد بأن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يجري محادثات سرية مع الاحتلال، وفي هذه المحادثات، يطالب المجلس الانتقالي بانفصال جنوب اليمن والعودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب عام 1990، وقد مكنت الإمارات المجلس الانتقالي من السيطرة على مدن جنوبية، وعلى الرغم من وجوده ضمن السلطات الحاكمة المعترف بها دوليًا، إلا أنه ينفذ مخططاته الخاصة ويتجاوز التوجيهات الصادرة عن الحكومة الشرعية.