مقالات مشابهة

عندما يصبح مضيق باب المندب قناة السويس والشريان الأبهر للعالم.. وتتمنى قناة السويس أن تهرب الى اليمن

الدور الذي تختاره في الحياة هو الذي يحدد مكانك في الأرض والسماء.. فاذا اخترت أن تعيش عظيما فانك لاتحتاج أن ترث اللقب ولاأن تكون من سلالات النبلاء.. فكل العظماء في العالم لاينحدرون من سلالات النبلاء.. وربما انحدر الوضيعون والمجرمون في العالم من سلالات النبلاء..

وأنت لاتحتاج لكي تحوز على احترام الناس أن تقبل أقدامهم بل أن ترفع اعناقهم.. وان ترفع أقدام الطغاة عن أعناق الناس.. وعنقك.. وماأكثر من ضيع ثروة أبيه واسم أبيه.. وضيع مجد أبيه.. ولكن ماأكثر من صنع مجدا لأبيه.. وصار أبوه معروفا لأنه اب لابنه..

هذا هو حال قناة السويس ومضيق باب المندب.. القناة التي تملكها أم الدنيا.. والمضيق الذي يسكن بجانب أفقر أهل الدنيا .. ولكن المضيق صنع له جيرانه مجدا لايضاهى.. فيما ضيعت أم الدنيا مجد قناتها ومجدها ..

في قناة السويس مجد ضاع.. وشعب ضيع مجدا.. صنعه لهم أبوهم جمال عبد الناصر الذي هو أبو المصريين .. وليس (ابو الهول)..

وفي مضيق باب المندب شعب يمني له سيرة الأنبياء الذين يرعون الأغنام .. وينتهون ليصبحوا قادة الامة وأنبياء الامم .. وسادة الامم ..

الفرق بين قناة السويس وبين مضيق باب المندب هو ان قناة السويس صنعها البشر لتكون نظيرا لما صنعه الله في الطرف الاخر الجنوبي من البحر الاحمر.. اي لتكون مضيق باب المندب الشمالي بالنسخة المصرية .. ولكن باب المندب هو قناة سويس الهية في الجنوب.. أو قناة السويس اليمنية التي صنعها الله وكانت تبحث عمن يملكها ويحرسها ويعطيها مكانتها التي تليق بها.

مايحدث اليوم هو ان قناة السويس المصرية التي كانت وريد العالم.. فقدت أهميتها وقيمتها لأنها بلا سيادة وبلا وظيفة وبلا موقف.. عمياء صماء خرساء.. لاترى ولاتسمع ولاتتكلم.. ولاتغضب ولاتعاقب ولاتنصر المظلومين.. وهي صارت مجرد حفرة ملأها الاطفال بالماء.. أما باب المندب فان اليمنيين حولوه الى شريان ابهر للعالم.. يخفق قلبه ويبنض بالخوف او الحب.. واليمني يقف على حافته كما وقف سيف الدولة الحمداني يستعرض الأسرى البيزنطيين ورآه المتنبي في تلك الوقفة فقال:

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة.. ووجهك وضاح وثغرك باسم ..

اليمني الفقير الذي كان في نظر العالم راعيا للغنم صار مثل الأنبياء الذين يصنعون الرسالات .. له رسالة وله يقين .. ولن يترك يقينه ولو وضع العالم الشمس في يمينه والقمر في يساره .. ولذلك تراه يقف على حافة باب المندب بخنجره المعقوف كأنه سيف الدولة الذي:

تمر به السفين كلمى هزيمة .. ووجهه وضاح وثغره باسم ..

خنجره المعقوف الذي كان رمزا للتخلف في نظر المتحضرين في العالم صار أهم وثيقة لحقوق الانسان .. قبضته أهم من كل وثائق وثرثرات منظمات العالم المهتمة بحقوق الانسان وثرثرات الحضارة الغربية عن الطفولة والامومة والانسان والعدالة .. وفي رأسه ذروة الحرية وليس في يد تمثال الحرية الاميركي ..

أما المسكينة قناة السويس فانها تبدو مثل متسولة تبحث عن ملاميم لتأكل الفول والطعمية .. ولايهمها من يمر في القناة .. ان مر مجرم او بغي او نبي .. ولايهمها ان ملأها الدم القادم من غزة وصارت حمراء كما نهر دجلة الذي صار ازرق من اثر الحبر الذي سال من الكتب التي رماها هولاكو …

قناة السويس صارت قناة حمراء لأن نتنياهو يرمي فيها كتب الشرق العظيم.. فكل جسد في غزة كتاب وحكاية ورواية وملحمة وقصيدة.. دم الاجساد حبر أحمر يلون القناة التي كانت يوما مضيق العالم كله.. واليوم صارت بلا هوية.. وبلا معنى.. وبلا أهمية.. فنتنياهو يقتلها علنا ويعلن انه سيذبحها من الوريد الى الوريد بسكين بن غوريون.. وهي لاتقوى حتى على ان تعترض.. أو أن تصرخ.. او أن تئن.. تمر على ظهرها السفن.. كما تمر على ظهر العبد سياط السادة.. لاتكترث بآلامه الصامتة ..

لو تقدر قناة السويس اليوم لهربت من مصر حافية وركضت مثل المسيح على ماء البحر الاحمر ونامت في سرير باب المندب .. وذهبت لتصبح يمنية .. وتهب نفسها لليمنيين .. وتحس بكرامتها وأهميتها .. ويصبح ماؤها عذبا وحبرها أورق ..

كم تحسد قناة السويس اليوم مضيق باب المندب.. وكم هو يحس بالفخر والزهو.. ويحس بأنه يجاور اليمنيين.. وأنه ينتمي الى تلك المنطقة من العالم.. حيث الجبال العالية.. والرجال الذين يعرفون كيف يكرمون من يكون بجوارهم.. وينجدون الملهوف..

أكاد أرى قناة السويس تحس بضآلتها وبعارها وبخجلها من نفسها وهي التي كانت يوما سيدة العالم وكادت تن تخنق البحر المتوسط وتقطع شرايين العالم.. فاذا بها اليوم جدول صغير مسكين لارأي له.. فيما ان باب المندب صار كالمحيط بسبب مجموعة من الرجال المؤمنين الاشداء..

نعم انه الدور الذي تختاره الامم.. واليمنيون هم الذين أعطوا لباب المندب قيمته وليس الله.. لأن الله خلق المضيق .. وترك للناس ان يقرروا أهميته.. فيما قناة السويس المصرية صنع مجدها عبد الناصر وجيله من المصريين .. أبوها الذي استعادها من خاطفيها الانكليز والفرنسيين.. فيما ضيع أبناؤه تركته.. وضيعوا مجد السويس وحولوها الى حصالة للملاميم وخادمة لسادة العالم ..

السويس ضاع مجدها.. والنيل الذي كان يخيف البحر المتوسط ويغرقه عندما يغضب ويفيض ضاع مجده وجف حلقه وصار يشرب من سد النهضة بالقطارة وبعد استئذان اثيبوية.. وبقي لورثة عبد الناصر آخر شيء يملكونه هو اسم (أم الدنيا).. ولكن اذا سارت الامور هلى هذه الشاكلة فان أم الدنيا ستضيع.. وتصبح ملكا للدنيا ومتاعا لأهل الدنيا.. فليس ماترثه هو مايحدد ملكك بل ان الدور الذي تختاره في الحياة هو الذي يحدد مجدك.. ويحدد ان كنت من الناجين في الدنيا والآخرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
نارام سرجون