مقالات مشابهة

حرب المعلومات.. جهد إسرائيلي ممنهج للفوز بمعركة السرديّة

منذ 7 أكتوبر عام 2023 شنّت إسرائيل حرباً موازية لتلك العسكرية التي قتلت خلالها أكثر من 30 ألف مدنيّاً فلسطينياً، وهي حرب السرديّة بهدف انتزاع شرعية ما من الرأي العام العالمي. ولأجل هذا الهدف عمدت إلى اعتماد استراتيجية مدروسة وممنهجة للتحكم بوسائل التواصل الاجتماعي والمنظومة الإعلامية لخلق سردية تبرر المجازر التي ترتكبها والتي لم تعد قادرة على ابقائها خارج الأضواء مع تزايد الأزمة الإنسانية.

مع انتقال القضية الفلسطينية إلى العالمية وباتت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة محط الأنظار، وساهمت الدعوى المقدّمة من جنوب افريقيا أمام محكمة العدل الدولية في ذلك، كان لا بد ان يختار كيان الاحتلال وسائل أخرى “للدفاع” بشكل غير مباشر. ولأجل ذلك، كانت وسائل التواصل الاجتماعي، والتي طورها وأعدها لمثل هذا اليوم منذ عام 2008.

ويشير أليساندرو أكورسي، وهو أحد كبار محللي التكنولوجيا والصراع في مجموعة الأزمات الدول، أن إسرائيل والجماعات المناصرة لها نشرت صوراً زعمت أنها من 7 أكتوبر “على الجماهير الغربية، من خلال مقاطع فيديو إعلانية مدفوعة الثمن على موقع يوتيوب وإكس (المعروف سابقًا باسم تويتر)، وفي ألعاب الفيديو الموجهة، وفي عروض 45 فيلمًا مدته دقيقة من اللقطات لجماهير مختارة، بما في ذلك في واشنطن العاصمة وهوليوود. لم يكن الهدف فقط رفع مستوى الوعي بالأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر. وبدلاً من ذلك، ادعت الحكومة، من خلال الإعلانات، الحق في الدفاع عن شعبها وألمحت ضمناً إلى أن الهجمات تمنح تفويضاً مطلقاً للانتقام”.

منذ ما يقرب من عقد من الزمن، “بدأت وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية في الإشراف على شبكة من المؤثرين والمنظمات المؤيدة لإسرائيل ضد حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي يقودها الفلسطينيون وغيرهم من منتقدي الاحتلال”. وأضافت مجلة فورين بوليسي في تقريرها، أن ذلك جرى من خلال وسائل خادعة ومضللة، وحملات منسقة مصممة لتظهر وكأنها موجهة على مستوى القاعدة الشعبية وعفوية.

خلال حرب عام 2021، شن الجيش الإسرائيلي حملة سرية على وسائل التواصل الاجتماعي تشيد بقصفها لغزة لتحسين تصور أدائها بين الجمهور الإسرائيلي. وزادت إسرائيل من تواصل دبلوماسيتها الرقمية مع شركات التكنولوجيا الغربية الكبرى. ووجدت شركة Meta للتدقيق الداخلي أن الشركة قامت في عام 2021 بمراقبة المحتوى العربي بمعدل أعلى من المحتوى العبري، وذلك على ما يبدو استجابة لطلبات الحكومة الإسرائيلية.

وارتكزت الاستراتيجية على عدة مسارات. الأول، اعتبار أي انتقاد لإسرائيل، ان كان على مستوى الأداء العسكري وارتفاع عدد الضحايا المتزايد، او على المستوى السياسي مع غياب استراتيجية واضحة “لليوم التالي”، هو معادة للسامية. وبالتالي اقفال صفحات المعارضين أي كانت جنسيتهم ومن أي ثقافة كانوا. إضافة لشن حملة ممنهجة ضدهم وهو ما يؤدي في غالب الأحيان إلى فقدان وظائفهم. تماماً كما جرى مع المذيعة البريطانية بيل دوناتي بعد أكثر من شهر من مقابلتها مع سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون على قناة “سكاي نيوز”، والتي أثار اختفاؤها عن الشاشة وحساباتها الشخصية جدلاً واسعاً. وخلال النقاش قال دانون: “أعتقد أن أي شخص في العالم يريد الانتقال طوعا إلى بلد آخر يجب أن يكون مؤهلا للقيام بذلك”. حيث ردت دوناتي بأن “هذا هو نوع النقل الطوعي للعديد من اليهود خلال المحرقة، كما أتخيل.. إنها ليست عملية نقل طوعية”. ليصفها دانون بأنها “معادلة مخزية ومعادية للسامية” وتضطر القناة ان تصدر بيان اعتذار.

الثاني، ضخ عدد هائل من المعلومات المضللة والمغلوطة والزائفة عما جرى في 7 أكتوبر عن مزاعم ما ارتكبه الفلسطينيون الذين دخلوا المستوطنات، وهو ما تبناه الرئيس الأميركي جو بايدن رسمياً في عدد من تصريحاته دون وجود لجان تحقيق. وعلى الرغم من الحقائق التي ظهرت لاحقاً وأثبتت عدم صحة ما رود، إلا ان الهدف الإسرائيلي كان بنشر أكبر من عدد الشائعات لضمان السيطرة على الوعي الجمعي، اذ ان دحضها لاحقاً يصبح أمراً صعباً.

ضغطت إسرائيل بقوة على مالكي منصات التواصل الاجتماعي لإزالة المحتوى الذي ينشره الفلسطينيون ومؤيدوهم، واصفة إياه في كثير من الأحيان بأنه يروج للإرهاب. ووثقت هيومن رايتس ووتش 1050 عملية إزالة لمحتوى مؤيد للفلسطينيين بواسطة ميتا في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. واعتمد ميتا بشكل متزايد على أنظمة التحكم بالذكاء الاصطناعي التي أدت إلى الحد بشكل كبير من ظهور المنشورات المؤيدة للفلسطينيين، وترجمة “الفلسطيني” إلى “إرهابي”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم السبلاني