المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    المشهد اليمني الذي يشبهُ غزة

    ساعات طويلة والحزن معلَّقٌ في الهواء، أُمٌّ يمنية بين...

    الرواية اليمنية لحادثة “سقوط طائرة f18”

    ماهي الثغرات في الرواية الأميركية تجاه حادثة سقوط طائرة...

    ظاهرة الارتزاق ودهاليز العمالة .. قراءة لحالة المرتزِقة في اليمن

    منذ بداية العدوان على اليمن، شهدنا ظهورَ قوى وأفراد...

    صنعاء.. عنوان النصر القادم

    في مشهد يُجسّد فشل رهانٍ دام عقدًا كاملًا، يتداول ناشطون صورتين تختصران عقدًا من الغطرسة والدم، وتلخّصان سقوط المشروع الأمريكي–السعودي–الإماراتي في اليمن.

    الصورة الأولى من واشنطن، قبل أسابيع من بدء العدوان الترامبي على اليمن، حيث يظهر السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، برفقة خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي والرجل الثاني في السعودية، في لقاء رسمي مع إدارة دونالد ترامب، ليقدّما على طبق من ذهب إمكانياتهما لشنّ عدوان على اليمن، تماهيًا مع الرغبة الترامب–صهيونية بسبب موقف اليمن المساند لأهل غزة. أمّا الصورة الثانية، فهي من طهران، في زيارة نادرة تعبّر عن الاعتراف الضمني بفشل العدوان العسكري على اليمن الذي تزعمته الرعاع ضد اليمن منذ عشر سنوات.

    فمنذ انطلاق ما سُمِّي بـ”عاصفة الحزم”، لم يكن الهدف إعادة شرعية، ولا حماية حدود، ولا محاربة المد المجوسي الإيراني الرافضي، بل كسر إرادة شعب حرٍّ أراد أن يقرّر مصيره. فحُشدت أموال النفط، وجُنّدت الجيوش بالمال والفتاوى، وأُنشئت معسكرات المرتزقة، وأُغرقت اليمن بالصواريخ والقنابل الأمريكية الصنع. ومع ذلك، ظلّ اليمنيون صامدين، ثابتين، يقارعون الاحتلال أيًّا كان لونه أو لغته.

    ذهبوا إلى واشنطن يحملون الخرائط والخطط والوعود، فخرجوا بعد أن نفض ترامب جيوبهم، وقال لهم: الخرائط والخطط ليست من شأنكم، أنتم تعرفون المهمة التي جئتم لأجلها.

    محمد آل جابر، الذي رافق الوفد السعودي إلى أمريكا، ذهب اليوم إلى طهران، لا بصفقة نصر، بل بحصيلة هزيمة، بعد أن أثبتت صنعاء أنها عصيّة على السقوط، وأن من استهانوا بها في البداية، باتوا اليوم يبحثون عن وسطاء.

    ولأن التاريخ لا يرحم ولا يُزيّف، فإن مشهد اليمن اليوم يعيد إلى الأذهان ما جرى في حرب فيتنام، حين واجهت الولايات المتحدة — كأعظم قوة عسكرية في العصر الحديث — شعبًا صغيرًا لا يملك إلا الإرادة. فخاض الفيتناميون حربًا مريرة ضد الاحتلال الأمريكي، سقط فيها أكثر من 58,000 جندي أمريكي قتيل، وأُصيب مئات الآلاف، فيما واجهت واشنطن ضغطًا شعبيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا أجبرها على الانسحاب في مشهد مذل، وصفه كبار القادة الأمريكيين بأنه أقسى لحظة في تاريخ الجيش الأمريكي.

    ورغم محاولات بعض الإعلام الأمريكي والمتأمركين تقليل الهزيمة بالقول إن أمريكا انسحبت فقط ولم تُهزم، فإن الحقائق والدماء والأرقام تقول غير ذلك. انسحاب قسري بعد عقدين من الفشل هو هزيمة كاملة الأركان، وإن رفض البعض تسميتها بذلك.

    بالتزامن مع زيارة الوفد السعودي إلى طهران، صدرت توجيهات مباشرة من الرياض إلى مرتزقتها وذبابها الإلكتروني بعدم التعرّض لإيران أو ذكرها بسوء حتى تنتهي الزيارة.

    يا لها من مفارقة..! لسنوات، كانت طهران تُقدَّم كـ”شيطان رجيم” في خطابات التحريض الإعلامي والسياسي في السعودية والإمارات، وكانت تُستعمل كفزّاعة لتبرير كل جريمة تُرتكب بحق اليمن. أما اليوم، فالصمت هو السياسة، والإذلال هو الأمر الواقع، والتعليمات واضحة: “توقّفوا عن مهاجمة إيران… لأننا الآن في ضيافتها!”

    هذا التناقض يُسقط كل أقنعة الشعارات الزائفة التي طالما تغنّى بها تحالف العدوان وأبواقه. فهل كانت المشكلة حقًّا “إيران”، أم أن المسألة كلها كانت مجرد غطاء لعدوان غاشم على شعب اليمن الحر؟ الشعب الذي يقول بعلو صوته: “هنا صنعاء، القرار من هنا، والسيادة هنا.”

    بين صورة الوفد في واشنطن، وصورته في طهران، كتبت صنعاء الرواية: اليمن انتصر، ليس لأنه امتلك الطائرات، بل لأنه امتلك المبدأ. ليس لأنه صنع الفرط صوتي، بل لأنه لم يُجبَل على الخضوع.
    وكما خرجت أمريكا من فيتنام، ستخرج من اليمن، ومن خلفها كل الأدوات والبيادق، أيًّا كانت أسماؤهم ولهجاتهم.

    ما صنعه اليمنيون خلال هذه السنوات هو أكثر من مجرد صمود، بل هو تحرير وطني مستمر، سيُدرَّس يومًا ما، لا كحرب تقليدية، بل كملحمة أخلاقية، وقضية إنسانية، وانتصار للكرامة على سلاح البترودولار.

    ختامًا، من “هانوي” إلى “صنعاء”، ومن “سايغون” إلى “الحديدة”، تُثبت الشعوب الحرة أن لا سلاح أقوى من إرادة التحرر، ولا صفقة أغلى من الكرامة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    بديع الزمان اليماني

    spot_imgspot_img