من الواضح جدًا أن التفجير الإرهابي الذي ضرب ميناء بندر عباس الإيراني، وأدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والمصالح الاقتصادية الإيرانية، يمثل رسالة تهديد إضافية موجهة إلى إيران من قبل محور الشر في واشنطن وتل أبيب. فهذه الهجمات الإرهابية ليست أحداثًا عشوائية، بل هي جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى تدمير الاستقرار الإقليمي، وهي جزء من حرب طويلة الأمد تدار ضد كل دولة تُظهر موقفًا مقاومًا ضد الهيمنة الغربية والإسرائيلية.
وما يجعل الصورة أكثر وضوحًا هو التشابه مع الهجوم الذي طال ميناء رأس عيسى في اليمن، الذي استهدفه القصف الهمجي الأمريكي بذرائع واهية. هذه الهجمات على المنشآت الحيوية، سواء في إيران أو اليمن، لا تعكس سوى سياسة العقاب الجماعي التي تفرضها القوى الكبرى على الشعوب التي ترفض الرضوخ لمصالحها الاستعمارية، وتناهض الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. إنّ تدمير البنى التحتية الأساسية في هذين البلدين ليس سوى رسالة من تلك القوى مفادها أن أي مقاومة للمخططات الغربية ستكون محط عقاب، وأن الضغوطات الاقتصادية والسياسية ستكون سلاحًا دائمًا لتقويض استقرار هذه الدول.
كما أن من المهم النظر في خلفية هذه الهجمات التي تأتي في وقت حساس بالنسبة لمنطقة الخليج، حيث مصالح الغرب الاقتصادية متشابكة مع السيطرة على الموارد، لا سيما النفط. إذا ما نظرنا إلى الخسائر الاقتصادية التي تتعرض لها إيران نتيجة لهذه الهجمات، نجد أن التأثير يمتد ليشمل قطاعات واسعة، منها صناعة النفط والتجارة البحرية، مما يعكس عمق المأساة الاقتصادية التي تعيشها البلاد في ظل هذه الهجمات المتواصلة.
في سياق مشابه، يأتي الضغط المستمر على اليمن بسبب موقفها الصامد في مواجهة العدوان الأمريكي. وهذا الضغط يشمل قصف المصالح الاقتصادية وشن عقوبات اقتصادية وحروبًا بالوكالة، والهدف منه هو محاولة كسر إرادة الشعب اليمني في استمرار مقاومته. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن الهجوم على ميناء رأس عيسى كان ضمن الحملة المستمرة لتقويض قدرة اليمن على الحفاظ على استقلاله الاقتصادي، في ظل ما تعيشه البلاد من ظروف صعبة للغاية نتيجة الحصار.
إن هذه الهجمات على المنشآت الاقتصادية الحيوية ليست مجرد اعتداءات على البنى التحتية، بل هي جزء من معركة أكبر في إطار حرب المعلومات والسيطرة الاقتصادية. وإذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تستخدمان “الإرهاب” كوسيلة لتدمير مقاومة الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، فإن الرد يجب أن يكون من خلال معركة متكاملة، تشمل الرد بالمثل على المصالح الاقتصادية التي تشكل عصب النظام الإمبريالي الغربي.
وفي هذا السياق، فإن مصالح أمريكا و”إسرائيل” تصبح أهدافًا مشروعة، إذ يحق لمحور المقاومة الرد عليها في إطار دفاعه عن نفسه. فالإرهاب لا يرتدع إلا بالإرهاب، وهذا ما أثبتته تجارب تاريخية عدة، بدءًا من محاولات الاستعمار الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وصولًا إلى تدخلات الولايات المتحدة العسكرية في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة. وما يخشاه الغرب أكثر من أي شيء آخر هو تضرر مصالحه الاقتصادية، وهو ما يدفعه إلى اتخاذ إجراءات عدوانية ضد الدول التي تقف في وجه مشروعه. في عالمنا العربي، خاصة في منطقة الخليج، حيث تشكل المصادر النفطية قلب الاقتصاد العالمي، نجد أن هذه المصالح الغربية هي الهدف الرئيسي للمقاومة.
وقد شهدنا أمثلة عديدة على هذا النوع من المواجهات في السنوات الأخيرة، بدءًا من الهجمات على ناقلات النفط في مضيق هرمز، وصولًا إلى الهجمات التي استهدفت منشآت نفطية في السعودية، مثل الهجوم على منشآت “أرامكو” في عام 2019، والذي استهدف أكبر منشأة لتكرير النفط في العالم. الهجوم كان بمثابة تحذير مباشر للغرب، مفاده أن استهداف المصالح الاقتصادية في المنطقة سيكون ردًا على العدوان المستمر.
إذن، من الضروري أن ندرك أن المقاومة لا تتوقف عند حدود التصريحات السياسية أو الهجمات العسكرية التقليدية، بل تمتد لتشمل ضرب قلب النظام الاقتصادي الذي يقوم عليه النظام الإمبريالي. فكلما استمرت الهيمنة الغربية على موارد المنطقة، ستكون الأهداف الإستراتيجية للمقاومة محكومة بتحدي هذه الهيمنة. وبالتالي، فإن الهجمات على الموانئ والمنشآت الاقتصادية في الدول الداعمة لفلسطين مثل إيران واليمن لا يجب أن تُفهم فقط على أنها أعمال عدوانية، بل هي جزء من إستراتيجية دفاعية شاملة ضد التوسع الاستعماري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد محسن الجوهري