في سابقة لم تشهدها مدينة عدن منذ عقود، خرجت نساؤها في مظاهرة غاضبة، تجوب ساحة العروض، لا مطالب نسوية هذه المرة، بل صرخة جماعية نيابة عن وطن يُنهش أمام أعين الجميع. نساء خرجن لا طلبًا للتمكين أو الإنصاف، بل للماء والكهرباء والكرامة… فهل بقيت دولة تحترم نفسها حين تُضطر حرائرها لقيادة ثورة الخبز والضوء؟
هذه ليست “هبّة نساء”، بل إدانة شعبية مكتملة الأركان لكل من له صلة بالحكم، بالإدارة، بالتحالف، أو حتى بالصمت المطبق. خرجت النساء لأن لا حكومة بقيت لتُسأل، ولا مجلسًا رئاسيًا يتحمّل مسؤولية، ولا تحالفًا يعرف حدود مسؤوليته الأخلاقية والسياسية.
تُركت عدن فريسة للفوضى الإدارية، للفساد، للغياب، وللنهب المنظم باسم التحرير والسيادة. من يحكم عدن؟ من يُحاسب؟ من يضمن للناس أبسط مقومات الحياة؟
أما التحالف العربي، فليُكفّ عن التذاكي. لا نطالبه بالكهرباء ولا الماء ولا الخبز، فقد فشل في ذلك عن جدارة. كل ما نطالبه به الآن: إما أن يفرض سلطته على موظفيه وأدواته الذين يعيثون في عدن فسادًا، أو أن يرفع يده عن هذا الشعب ويتركه يقرر مصيره بيده لا بإملاءات المصالح الخارجية.
وإلى أولئك الذين حاولوا التشويش على المظاهرة وتشويه صورتها، نقول: كنتم الأجدر بالبقاء في حضانة الأطفال أو مطابخكم حتى تعود المتظاهرات إلى بيوتهن، بعد أن يؤدين بالنيابة عنكم واجبًا وطنيًا لم تجرؤوا على حمله. إن ما رفعته نساء عدن من شعارات لم يكن لصالح “حقوق المرأة”، بل لحقوق كل إنسان، في كل بيت، في كل شارع. فلتصمت ألسنة العار، ولتخجل الأصوات المأجورة.
عدن، التي كُتب لها أن تكون ساحة للضوء، باتت اليوم مسرحًا للخذلان. فلا تجعلوا منها ساحة لتصفية حساباتكم السياسية، ولا حلبة صراع لوكلاء الخارج. كلّكم مسؤول: من في الداخل، ومن في الخارج، من يحكم، ومن يصمت، ومن يطبل. عدن ليست لكم… عدن لأهلها، ولن تسكت بعد الآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد الدثني
