لم يغفل القرآن الكريم جانب الحرب الإعلامية على الحق وأهله عبر التاريخ، وبيّن بالتفاصيل كيف أن أهل الباطل يوظفون دعايات مختلفة للصد عن دين الله، وأن الحرب على الإسلام لا تقتصر فقط على الجانب العسكري، فهناك جوانب أخرى وميادين متنوعة للحرب، أهمها الجانب الإعلامي، أو ما يُطلق عليه اليوم اسم “الحرب الناعمة”.
ومن أهم وسائل التضليل التركيز على الجانب الاقتصادي، واتهام الثوار بأنهم سبب الفقر للأمة وأن بدون مطالباتهم بإحقاق الحق ونصرة المظلومين في العالم، على غرار ما حدث في قصة أصحاب القرية المذكورة بسورة “يس” فقد وسموا رسلهم الثلاثة بالشؤم وجلب الفقر، وهذه الدعاية هي التي يُفعلها الأعداء اليوم ضد أنصار الحق في اليمن، رغم أن وضعية اليمن الاقتصادية كارثية منذ عقود، خاصة ما حدث في حرب الخليج وحرب 94 وكيف أثر ذلك على الاقتصاد الوطني.
ومن الطبيعي اليوم، ونحن في موقع الحق المطلق ضد أعداء الله وأعداء الإنسانية من الصهاينة اليهود، أن نتعرض لحرب إعلامية مصحوبة بعقوبات اقتصادية مختلفة، والمفروض أن نعمل على مواجهتها فإن ذلك من عزم الأمور، كما ذكر الله عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنها مصحوبة دوماً بالصعوبات.
وبهذا يتبيّن أن الحرب الإعلامية والاقتصادية التي تُشن اليوم على أنصار الله في اليمن ليست معزولة عن السياق التاريخي لسنة الصراع بين الحق والباطل، بل هي امتداد لتلك الحملات التي وُوجه بها الأنبياء والمصلحون على مر العصور، حين صدحوا بكلمة الحق في وجه الطغيان. واليوم، يتكرر المشهد بوضوح، لأن أنصار الله لم يسايروا حالة الصمت الإقليمي المطبق، ولم ينشغلوا بحسابات السياسة الضيقة، بل انحازوا بصدق إلى قضية الأمة المركزية: فلسطين، وغزة خصوصًا، ورفعوا راية الرفض في وجه المشروع الصهيوني ومن يدعمه.
ومن الطبيعي أن يُواجَه هذا الموقف الشريف بمحاولات كسر وتطويق: حرب إعلامية تُشيطن موقفهم، وتتهمهم بالمغامرة والعبث، وتُحمّلهم مسؤولية الفقر، تمامًا كما قيل للرسل: “إنا تطيرنا بكم”، وحرب اقتصادية تُطبق على شعب اليمن، بالحصار، وقطع الموارد، والضغط بكل وسيلة ممكنة. لكن القرآن يرسم لنا الحقيقة جلية:
“أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين” [آل عمران: 142].
إن ما يواجهه اليمن اليوم هو ثمن للموقف، وثمن للشرف، وليس نتيجة “التطيّر” كما يزعم دعاة الباطل. فالمعاناة جزء من ضريبة الانتماء الحقيقي لقضايا الأمة، لا سيما حين يُتخذ فيها موقف عملي، لا شعارات جوفاء. وقد قال الله تعالى:
“أم حسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون” [العنكبوت: 2].
لذا، فإن هذه الحملة المزدوجة، الإعلامية والاقتصادية، التي تستهدف أنصار الله، ليست إلا دليلًا على صحة الاتجاه، وأنهم قد أصابوا موضع الوجع في جسد المشروع الصهيوني وأعوانه، ولهذا اشتدت الهجمة. والمطلوب اليوم هو الصبر والثبات، وتحصين الوعي الشعبي، وتعزيز الخطاب المقاوم، وتذكير الأمة كلها بأن معركة غزة هي مرآة الصراع الكلي بين مشروع الهيمنة والاستكبار، ومشروع التحرر والاستقلال.
“ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز” [الحج: 40].