يبدو أن العقدة التي استعصت على الوسطاء في مسعى الوصول إلى صفقة تبادل أسرى بين رجال المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي هي إصرار المفاوض الفلسطيني على الوقف الشامل للحرب على غزة، وبشكل نهائي، وهذا الذي يشيب له شعر نتانياهو، وهو يردد في كل مناسبة: إن وقف الحرب على غزة يعني انتصاراً لحركة حماس، وهزيمة استراتيجية لإسرائيل، لها تداعياتها على الوجود الإسرائيلي نفسه.
والثابت أن التوصل إلى قرار وقف الحرب على غزة بشكل نهائي قد يخدم السياسة الإسرائيلية على المدى البعيد، وهي التي تحتل الأرض، وتسيطر على المعابر، وتتحكم بكل شاردة وواردة من حياة الفلسطينيين واقتصادهم، والمطالبة بوقف الحرب ضمن هذه المعادلة يعني بقاء الاحتلال على حاله، وهذا ما لا ينسجم مع الرؤية الفلسطينية العامة، الرافضة للاحتلال، والتي تدعو إلى مقاومة الاحتلال بكل ما وقعت عليه يد الشعب الفلسطيني من مقدرات للمقاومة، وهذا الذي يفرض على قيادة حركة حماس ألا تشترط الوقف النهائي للحرب على غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى في قطاع غزة.
وضمن منطق الشرعية الدولية التي تقر بحق الشعوب المحتلة في مقاومة الاحتلال، فعلى قيادة حركة حماس أن تشترط بند حق الشعب العربي الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، لا وقف الحرب، وعلى المفاوض الفلسطيني أن يتعامل مع واقع غزة المأساوي كأولية تستوجب الاستفادة القصوى من وجود الجنود والضباط الإسرائيليين الأسرى لديهم، دون اشتراط ذلك بالوقف النهائي للحرب على غزة، وذلك لعدة اعتبارات، منها:
أولاً: العدو الإسرائيلي لن يلتزم بوقف عدوانه ضد أهل غزة، وهو الذي لم يوقف عدوانه ضد أهل الضفة الغربية، وضد لبنان، وضد سوريا، وضد اليمن! رغم الاتفاقيات الموقعة، والداعية لوقف إطلاق النار، بما في ذلك اتفاقية أوسلو، التي لم يلتزم العدو الإسرائيلي بأي بند من بنودها، ليواصل اعتدائه على المواطنين في الضفة الغربية، رغم التنسيق والتعاون الأمني.
ثانياً: العدو الإسرائيلي يحتل أرضنا نحن العرب الفلسطينيين، ويغتصب تاريخنا وحاضرنا، فكيف نلوم الدول العربية على توقيع اتفاقيات سلام ووقف الحرب مع العدو الإسرائيلي، ليكون وقف الحرب شرطاً لوقف العدوان على غزة؟ ثم كيف نلوم من وقع على اتفاقية أوسلو، والتي اشترطت وقف الحرب بشكل دائم بين الطرفين.
إن وقف الحرب مع هذ العدو بمثابة رسائل اطمئنان للمجتمع الإسرائيلي الذي يحتل الأرض، ويغتصب حياة الفلسطينيين، في الوقت الذي يقضي الواجب الوطني والديني والأخلاقي على الكل الفلسطيني أن يظل قوس الحرب مشدودا، وأن تظل السهام جاهزة للانطلاق، طالما ظل الاحتلال قائماً.
ضمن هذه المعادلة فإنني أزعم:
أولاً: إن تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ولاسيما أولئك المحكومين بعشرات المؤبدات، يعتبر نصراً بحد ذاته، ويراه العدو الإسرائيلي هزيمة نكراء، فمجرد فتح بوابات السجون، وتحطيم إرادة السجان، وشطب قرارات المحاكم العسكرية الإسرائيلية، يعتبر رسائل قوة فلسطينية، يخشى تداعياتها العدو الإسرائيلي.
ثانياً: إذا نجح المفاوض الفلسطيني في الدوحة أن يضمن فتح المعابر، ودخول المساعدات، ودخول البضائع للتجار، مع عدم إغلاق المعابر ثانية، وبضامنة دولية، فذلك نصر كبير، سيضمن بقاء واستقرار أهل غزة، وثباتهم فوق أرضهم
ثالثاً: إذا تم التعهد الدولي والعربي بإعادة إعمار غزة، والتأكيد على ثبات أهلها فوق أرضهم، فهذا بحد ذاته بمثابة صفعة كبيرة على وجه السياسة الإسرائيلية، وضربة صاعقة لمخطط التهجير التي تحصنت فيه الحكومة الإسرائيلية.
على قيادة حركة حماس، وقادة التنظيمات المشاركة في المفاوضات، ألا يتحصنوا خلف شرط إنهاء الحرب على غزة، وليكن مطلب انهاء الحرب على غزة نقطة تفاض اعتراضية، اقتنصوا من خلالها الكثير من الإنجازات في قضايا أخرى.
وتأكدوا أن الحرب بيننا وبينهم لن تتوقف، مهما تعهدوا، ومهما وقعوا على اتفاقيات، ولن تنتهي الحرب بيننا وبينهم لا بعد شهر ولا بعد سنة، وراجعوا تاريخ المنطقة،
فهل توقف عدونا عن الحرب بعد إعلانه قيام الدولة، ونكبتا سنة 1948؟
وهل توقفت الحروب بيننا وبينهم طول السنوات الممتدة من العمل الفدائي حتى عدوان 1956؟
وهل توقفت الحرب بعد احتلالهم الأراضي العربية سنة 1967؟
وهل توقف الحروب بيننا وبينهم بعد معركة الكرامة في الأردن، أو بعد معارك لبنان؟ هل توقف الحروب بعد معركة أكتوبر 1973؟
وهل توقف الحروب بعد عدوان 1982 على بيروت؟ والقائمة طويلة من المواجهات بدءاً بانتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وليس انتهاءً بمعركة طوفان الأقصى 2023.
على رجال المقاومة أن يتركوا الجرح الفلسطيني مفتوحاً على كل الاحتمالات، ولا داعي لوضع ضمادة على الحرج الفلسطيني، شرط ألا تتركوا عدوكم يهنأ بالأمن الذي غاب عن سماء غزة والضفة الغربية، بادلوه حرباً بحرب، وقصفا للمدنيين بقصف لتجمعات جنوده وضباطه، بادلوه العنف ضد المدنيين في غزة بما يليق بالمجتمع الإسرائيلي، اتركوا عدوكم يفتش عن هدنة، ويطلب هو وقف إطلاق النار، ليكون وقف الحرب مشروطاً بإنهاء الاحتلال، والتخلص من السيطرة الإسرائيلية على كل مناحي حياة الفلسطينيين، وما دون ذلك من هدوء، سيخدم الأطماع الإسرائيلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. فايز أبو شمالة