يقدّم الإعلام المتصهين الحرب في غزة على أنها صراع بين الكيان الصهيوني وأطراف سياسية محلية، في محاولة ماكرة لتفكيك وحدة المعركة وتجزئة صفوف المناهضين له. وهذه سياسة لطالما انتهجتها الأنظمة العميلة منذ أن دنّس الاحتلال أرض فلسطين وحتى يومنا هذا.
لكن الحقيقة الساطعة التي لا يُمكن لعاقل إنكارها، أن هذه حرب أمّة بأكملها ضد عدوّ يتربّص بها، حرب بين الإسلام وأعدائه، بين أمة محمد وأحفاد قتلة الأنبياء. وغزة اليوم لا تؤدي دورًا محليًا، بل تؤدي واجبها التاريخي في الصراع الأزلي بين حزب الله وحزب الشيطان.
وإنّ انتصار غزة، حين يأتي، وزوال الكيان، حين يتحقق، سيكونان انتصارًا للأمة الإسلامية كلها، لا لحدود جغرافية ضيقة ولا لفصيل بعينه. وعندها، كما هو دأب التاريخ، قد تُطمس تضحيات الغزاويين، ويصعد على المنابر من لم يقدّم قطرة دم ولا موقف صدق، ليقتات على المجد الزائف، ويجعل من نفسه بطلًا وهميًا، كما سيفعل بن سلمان والسيسي وغيرهما. هؤلاء سيُجنّدون الإعلام ويشترون الأقلام لتسطير انتصاراتهم المزعومة، كما فعل أمثالهم عبر القرون، ومَن أراد الأمثلة فليقرأ التاريخ، وإن نطقنا ببعضها اتُّهمنا بالإساءة إلى من يُلقبونهم بـ”السلف الصالح”.
الحرب اليوم ليست حرب غزة وحدها، بل هي حرب الأمة كلها، وغزة ليست إلا رأس الحربة في مواجهة العدو. لن يتحقق النصر إلا إذا سارت بقية الأقطار على دربها، وقدّمت من التضحيات ما يوازي ما قدّمه أهلها من دماء وصبر وثبات. وكلما عظُمت المأساة في غزة، كانت مقدمة لخسائر أكبر تصيب الأمة جمعاء، حتى يكون الجميع شركاء في نصرٍ إسلاميٍّ جامع.
أما إذا بقي الآخرون على هامش المعركة، فإن المصيبة أعظم، وقد يُفضي هذا التقاعس إلى انتكاسة روحية وارتداد جماعي عن الإسلام، لأن سنّة الله في خلقه أن يبتلي عباده، ليَميز الصادق من الكاذب، والثابت من المتلوّن. وليس هناك في أيامنا هذه ابتلاءٌ أصدق من مشاهد غزة، فهي آيةٌ من آيات الله تُعرَض على الناس صباح مساء. ومن خذلها، فقد اختار الباطل عن وعي، وسلك طريق الضلال برغبته، ويبدو أن أغلب العرب ماضون إلى هذا المصير، وصدق الله العظيم حين قال: “ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ”.
ومن المؤسف أن كثيرًا من العرب اليوم ينظرون إلى الحياة بعيون المنافقين، ويختزلون الصراع في مصالح ومكاسب سياسية، كأنه خلاف على سلطة أو نفوذ، لا صراع وجودي بين حق وباطل. وهذا بحد ذاته مؤشّر خطير، لأنه إنكار لوعد الله، وكفر بسننه التي وردت في كتابه الكريم. لقد أصبحوا كالأنعام، بل أضل سبيلًا، فإذا جاءهم من يدعوهم لنصرة الحق، اتّهموه بالعمالة والخيانة، لا لشيء إلا لأنه فضح نفاقهم. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنه يدل على أنهم يسيرون إلى هاوية عقوبة إلهية كبرى، كتلك التي أصابت قوم لوط وعاد وثمود.
وسيكون النصر، لا محالة، لأولئك الرجال المخلصين الذين ثبتوا في غزة، وفي أكناف غزة، يوم انشغل غيرهم بتزيين هزائمهم وتبرير خذلانهم.