المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    حصارٌ وقمعٌ نسائي في عدن.. الانتقالي يُجهض احتجاج النساء المطالبات بالحياة والكهرباء

    فرضت مليشيا "الانتقالي الجنوبي"، الذراع الإماراتي في الجنوب اليمني،...

    كارثة صحية في المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف

    تواجه المناطق الواقعة تحت الاحتلال وضعيا مزريا نتيجة انعدام...

    بين يقظة أوروبية وصمت عربي: غزة تحت القصف وكرامة العرب في سُبات

    في تطورٍ لافت، بدأت مواقف عدد من الدول الأوروبية، لا سيما بريطانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وسلوفينيا والسويد، تتخذ منحًى أكثر حدة ووضوحًا في إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في حين يخيّم على العواصم العربية صمت ثقيل ومُخجل، وكأن الدم الفلسطيني لم يعد يعني شيئًا في دفاتر الحسابات السياسية.

    التصريحات التي خرجت في الأيام الأخيرة، خاصة من وزراء خارجية بريطانيا وهولندا وفرنسا وإسبانيا، تؤكد بوضوح أن هناك تحولًا حقيقيًا – وإن كان متأخرًا – في الخطاب الأوروبي حيال المجازر الجارية في قطاع غزة. وزير الخارجية البريطاني، الذي اتهم إسرائيل بشكل مباشر بأنها تستهدف المستشفيات وتقتل عمال الإغاثة، لم يكتف بالإدانة، بل أعلن تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع تل أبيب، واستدعاء السفيرة الإسرائيلية. بل ذهب أبعد من ذلك حين وصف تصريحات سموتريتش حول “تطهير غزة” بأنها “تطرف وحشي وخطير”.

    أما وزير الخارجية الفرنسي، فقد رسم صورة قاتمة للواقع الإنساني، مؤكدًا أن غزة تحوّلت إلى “مكان للاحتضار”، مشيرًا إلى أن “سكانها وأطفالها يتضورون جوعًا وعطشًا منذ 3 أشهر”، وحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن عرقلة المساعدات. هذا الموقف تطابق إلى حد كبير مع تصريحات وزير الخارجية الهولندي، الذي أشار إلى “قلق متزايد داخل الاتحاد الأوروبي”، ودعا لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، في موقف يتجاوز لغة الدبلوماسية المعتادة.

    في سلوفينيا، أكدت وزيرة الخارجية أن “غزة تنزف دما” وأنه “علينا حماية الشعب الفلسطيني وضمان إدخال المساعدات”، فيما أعلن وزير الخارجية الإسباني أن الوضع في غزة “كارثي وغير مقبول”، بالتوازي مع تصويت منتظر في البرلمان الإسباني للنظر في حظر بيع الأسلحة لإسرائيل.

    بينما ترتفع الأصوات الأوروبية، يتوارى الموقف العربي خلف بيانات باهتة – إن وجدت أصلاً الأنظمة العربية، في غالبيتها، تكتفي بالمراقبة من بعيد، دون حتى الحد الأدنى من الإدانة الصريحة أو الضغط السياسي والدبلوماسي. لا استدعاء لسفراء، لا قرارات بمقاطعة، لا تعليق اتفاقيات، ولا حتى تلميح بإجراءات حقيقية. بل إن بعض الدول تواصل تطبيعها العلني وتوسيع علاقاتها مع الاحتلال، بينما ينزف الفلسطينيون في غزة ويُدفنون تحت أنقاض منازلهم.

    إنّ الصمت العربي ليس فقط تخليًا عن الواجب القومي والديني والإنساني، بل هو أيضًا خيانة لحقيقة ما يحدث، وللحق الفلسطيني الذي بات اليوم يجد صداه – ولو جزئيًا – في برلمانات أوروبا، بينما يغيب تمامًا عن قمم العرب ومنابرهم.

    التحرك الأوروبي ليس نقيًا بالكامل، ولا يمكن اعتباره تحوّلًا جذريًا في دعم القضية الفلسطينية، لكنه خطوة مهمة تكشف حجم الفجوة الأخلاقية والسياسية بين مواقف الغرب ومواقف الأنظمة العربية. ما يجري في غزة هو محرقة موثقة، ومع ذلك يبدو أن الضمير العربي الرسمي قد تمّت مصادرته، أو بات مشغولًا بمصالح وصفقات وتوازنات لا تترك مجالًا للحديث عن أطفال يموتون جوعًا، أو مرضى يُذبحون في أسرة المستشفيات.

    في اللحظة التي تتخذ فيها أوروبا – ولو ببطء – مواقف متقدمة ضد العدوان، يصبح الصمت العربي عارًا سياسيًا وأخلاقيًا. ومن المحزن أن تصبح عبارات مثل “غزة تحتضر” أو “التطهير الوحشي” صادرة من وزراء خارجية أوروبيين، فيما تغيب عن البيانات العربية الرسمية حتى كلمة “احتلال”.
    إذا استمر هذا الصمت، فإن التاريخ لن يغفر، ولن يرحم من فرّط في دمه وعروبته وإنسانيته.
    غزة تنادي، وأوروبا بدأت تسمع… فمتى يستيقظ العرب؟
    ـــــ
    رامي أبو زبيدة – كاتب وباحث فلسطيني

    spot_imgspot_img