اتسعت رقعة الضغوط الدولية على الكيان الصهيوني بشكل ملحوظ، اليوم الاثنين، في ظل التصعيد المتسارع لجرائم الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث برزت دول أوروبية كبرى، خصوصًا فرنسا وإسبانيا وألمانيا، كأبرز الأصوات التي بدأت تُعيد رسم المعادلة السياسية والقانونية تجاه القضية الفلسطينية.
في خطوة لافتة، دخلت الحكومة الألمانية في مواجهة غير معلنة مع كيان العدو الإسرائيلي، بعد أن تصاعد دور برلين من مجرد انتقاد إلى وضع شروط مباشرة أمام نتنياهو وحكومته، إذ أكد المستشار الألماني خلال لقاء مع رئيس وزراء الكيان أنه سيبحث معه “عدم المبالغة” في الهجمات على غزة، وهو ما يُعد تحركًا استثنائيًّا من دولة كانت دائمًا تبدي تردداً في مواجهة الكيان علنًا.
وفي تصريح موازٍ، أعلن وزير الخارجية الألماني أن بلاده ترفض أي محاولات لتجريد الفلسطينيين من وجودهم أو تشريدهم تحت ذريعة الحرب، مشيرًا إلى أن الهجمات الإسرائيلية لم تعد قابلة للتفسير بأنها فقط ضد حماس، بل أصبحت موجهة ضد الشعب الفلسطيني ككل .
ولم يكن البرلمان الألماني أقل حدة، فقد سبق له أن أدان منع الاحتلال الإسرائيلي لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، في خطوة تكشف عن انقسام داخلي متزايد داخل الطبقة الحاكمة الألمانية، بين من يريد الاستمرار في الدعم المطلق لإسرائيل، ومن يرى أن هذا الدعم قد يتحول إلى خسارة سياسية وأخلاقية داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه.
في موازاة ذلك، أصبحت فرنسا وإسبانيا محركين أساسيين لحراك الاعتراف بدولة فلسطين، حيث أكد وزير الخارجية الإسباني أن بلاده بالتعاون مع 20 دولة ومنظمة دولية ملتزمة بحل الدولتين لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط ، في تصريح مباشر يعكس تغيرًا جوهريًّا في الخطاب الأوروبي، الذي بدأ ينأى بنفسه عن المواقف الأمريكية الرسمية التي تستمر في الدفاع عن العدوان الإسرائيلي.
كما نقلت القناة 12 العبرية عن مسؤول فرنسي كبير أن باريس تبذل جهودًا كبيرة لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بدولة فلسطين رسميًّا، وهو ما يُعتبر مؤشرًا جديدًا على أن فرنسا، التي كانت حتى وقت قريب تتمسك بموقف وسطي، قد بدأت تتخذ موقفًا أكثر جرأة ووضوحًا في دعم الحقوق الفلسطينية.
بريطانيا وايرلندا تتصدران الجانب العملي للضغط الأوروبي
إلى جانب الحراك السياسي، بدأت بعض الدول الأوروبية بتحويل الكلمات إلى أفعال، حيث أعلنت المملكة المتحدة فرض عقوبات على مستوطنات إسرائيلية جديدة، وأوقفت مفاوضات تجارية مع الكيان، وتهدد باستكمال المشوار إذا استمرت الجرائم في غزة، وهي خطوات تُظهر أن بريطانيا، رغم تاريخها الاستعماري، تدرك أن الوقوف إلى جانب القيم الإنسانية أصبح ضرورة سياسية داخلية قبل أن تكون دولية.
من جهتها، أطلقت أيرلندا تحركًا ملموسًا بإعلان دراسة حظر بيع المنتجات أو التعامل مع الشركات الإسرائيلية العاملة في الأراضي المحتلة ، وهو ما يُعد أول مؤشر حقيقي على أن الاقتصاد الأوروبي قد يكون السلاح الجديد الذي يُستخدم لمواجهة تمادي الكيان الصهيوني.
مع كل هذه التطورات، تكثفت مخاوف الكيان الصهيوني من توسع دائرة العزلة السياسية والأوروبية على وجه الخصوص، وهو ما سبق وأن حذّر منه وزير خارجيته جدعون ساعر، حين تحدث عن انحسار الدعم الغربي بسبب الضغوط الشعبية المتزايدة والانتقادات الدولية المتكررة.
لكن في الوقت الذي حاول فيه العدو استخدام ورقة “معاداة السامية” كذريعة لاحتواء ردود الفعل، يبدو أن هذه الحجة لم تعد تنطلي على أحد، حتى داخل الدول التي كانت تُصنَّف ضمن دائرة الدعم التقليدي للكيان، مما يشير إلى أن الانعطافة الأخلاقية والسياسية قد بدأت فعليًّا داخل أوروبا.