في لحظة وُصفت بالتاريخية والمفعمة بالدلالات الوطنية، شهدت اليمن، اليوم الخميس، حدثًا نادرًا تمثل في لقاء مباشر بين مقاتلي صنعاء ومقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي على طريق صنعاء–الضالع–عدن، بعد إعادة فتحه لأول مرة منذ سنوات من الإغلاق الناتج عن المواجهات المسلحة بين الجانبين. مشهد العناق الذي التُقطت له صور ومقاطع مصورة انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار موجة من التفاؤل الحذر، والآمال بانفراج سياسي قادم طال انتظاره.
إعادة فتح هذا الطريق الحيوي، الذي كان بمثابة شريان اقتصادي وإنساني رئيسي يربط العاصمة صنعاء بمدينة عدن، تم بجهود محلية خالصة، بعيدًا عن التدخلات الدولية والإقليمية، وهو ما اعتبره كثيرون تجسيدًا حقيقيًا لإرادة يمنية تتحدى محاولات التفكيك الخارجي. وبحسب السكان المحليين، فإن إعادة فتح الطريق قلّصت زمن الرحلة بين صنعاء وعدن من أكثر من 20 ساعة عبر طرق بديلة محفوفة بالمخاطر، إلى أقل من خمس ساعات، ووضعت حدًا لمعاناة الآلاف ممن كانوا يتنقلون عبر ما يُعرف بخطوط الموت.
ظهور قوات من “العمالقة” التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى جانب مقاتلي صنعاء في مقابلات إعلامية، لا سيما على شاشة قناة “المسيرة” التابعة لأنصار الله، شكّل مشهداً غير مألوف، لكنه بالغ الرمزية، ويعكس تغيراً في المزاج العام لدى القواعد الميدانية، بعيداً عن الخطابات التصادمية التي غذّت النزاع طوال السنوات الماضية.
هذا الحدث الذي جاء في وقت تشهد فيه البلاد تعثراً سياسياً على مستوى المفاوضات الشاملة، واحتقاناً مستمراً بسبب التدخلات الخارجية، اعتُبر من قبل العديد من النشطاء والمراقبين بأنه مؤشر على أن الحلول اليمنية ممكنة، وأن نقاط الالتقاء لا تزال قائمة متى ما غاب النفوذ الأجنبي وسادت الإرادة الوطنية.
وقد عبّر المواطنون، الذين لطالما تحملوا تكاليف النزاع، عن ارتياح كبير لفتح هذا الطريق، آملين أن يكون ذلك خطوة أولى في طريق إعادة وصل ما انقطع من الجغرافيا والعلاقات الإنسانية بين أبناء اليمن الواحد. وتعكس تعليقات الناشطين والمواطنين، الذين تابعوا الحدث لحظة بلحظة، أن الطريق لم يكن مجرد إسفلت مغلق، بل رمزًا لحصار نفسي ومادي وسياسي طال أمده.
وفي وقت تتباين فيه الحسابات الإقليمية والدولية بشأن مستقبل اليمن، يأتي هذا الحدث كتذكير صارخ بأن أبناء البلد يمتلكون القدرة على تجاوز خلافاتهم متى ما اختاروا التقدم بخطى وطنية خالصة نحو السلام والاستقرار، بعيداً عن أدوات الاستقطاب التي مزّقت النسيج الوطني لسنوات.