المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الخامنئي يحذر واشنطن: “ردنا سيكون قاسياً.. ولن نستسلم للإملاءات الأمريكية”

    أكد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، علي الخامنئي، أن...

    المشاط: اليمن لن يتوقف عن دعم غزة رغم العدوان

    أكد فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي...

    أزمة غاز خانقة وانقطاع كهرباء يدفعان المواطنين إلى حافة الهاوية

    تسود مدينة عدن أجواء من اليأس والإحباط مع تفاقم...

    عطوان: إيران تكسب الجولة الأولى حتمًا.. كيف أوقع الدّهاء الإيراني “إسرائيل” في المِصيَدة؟ وهل نحن أمام معادلة “العمارة بالعمارة.. والصّاروخ بالصّاروخ والقادم أعظم”

    بعد يومين من العُدوان الإسرائيلي والرّد الإيراني الفوريّ بالصّواريخ والمُسيّرات، يُمكن القول إنّ الكفّة الإيرانيّة هي الأرجح، فهذه هي المرّة الأولى في تاريخ الصّراع العربي الإسلامي الإسرائيلي، تصل الصّواريخ إلى كُلّ فِلسطين المُحتلّة، وتُحدث أضرارًا وحرائق ضخمة جدًّا، وتوقع عشرات القتلى والجرحى.

    إذا أراد المرء التأكّد من هذه الحقيقة، ما عليه إلّا أن ينظر إلى تقاطيع وجه نتنياهو، فالرّجل الذي كانَ يزأر مِثل الأسد بعد انتِصاراته على أطفال قطاع غزة، ها هو مُكتئبُ الوجه، يهذي بتعبيراتٍ جوفاء عن انتصاراتٍ وهميّة لم تتحقّق، ولعلّ لُجوء ما يقرب من خمسة ملايين مُستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ المُضادّة للقنابل، وأنفاق الميترو والقطارات وللمرّة الأولى مُنذ 76 عامًا، يُعطي صُورةً واضحة لنتائج اليومين الأوّليين من الحرب، وسيناريوهات الهزيمة المُتوقّعة.
    ***
    إذا كانت نتائج الحُروب تُقاس بحجم الدّمار وأعداد القتلى، فإنّ مقتل إسرائيلي واحد يُوازي مئة في الجانب الإيراني أو أكثر بالقياس إلى عدد سكّان إيران الذي يقترب من مئة مليون نسمة، فالمسألة مسألة نسبة وتناسب، و”إسرائيل” دولة صغيرة “مُفبركة” من المُهاجرين، وقد يهربون إلى أوطانهم الأصليّة بإعدادٍ ضخمة إذا طال أمَدُ الحرب، وتواصل سُقوط الصّواريخ، وتكرّر دمار جنوب تل أبيب في مناطقٍ أُخرى.

    الدّمار الذي ألحقته الصّواريخ الإيرانيّة في مدينة بات يام في اللّيلة الأُولى من القصف لم نشهد له مثيلًا إلّا في غزة والحرب العالميّة الثانية، فعشرات العمارات السكنيّة تدمّرت بالكامل وللمرّة الأولى في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يُؤكّد عدّة حقائق:

    الأولى: أن الصّواريخ الإيرانيّة وصلت إلى أهدافها بدقّةٍ كبيرة، ولم تنجح الدّفاعات الإسرائيليّة في اعتراضها.

    الثانية: أنّ هذه الجولة الأولى من الصّواريخ الإيرانيّة الأقل تطوّرًا كانت دقيقة وفاعلة، فكيف سيكون الحال عندما يتم استخدام صواريخ الفاتح الأضخم برُؤوسها المُتفجّرة.

    الثالثة: أنّ دولة الاحتلال لم تعد قادرة على حماية مُستوطنيها وتوفير الأمن لهم، وحسم الحُروب من الجولةِ الأُولى مثلما سادَ الاعتِقاد.

    الرابعة: إنّ تصنيع إيران أسلحة نوويّة ربّما قد بدأ فِعليًّا، فاليورانيوم المُخصّب بنسبٍ عالية مُتوفّر (400 كيلوغرام) والعُقول النوويّة جاهزة للتّركيب، والشرعيّة القانونيّة مُتوفّرة.

    كان لافتًا أن اليومين الأوّليين من الحرب أثبتا أنّ إيران استعدّت جيّدًا، ووصلت قوّاتها إلى جاهزيّة عالية جدًّا، وحدّدت بنكًا من الأهداف في العُمُق الإسرائيلي.

    صانع القرار الإيراني ومُساعدوه أثبتوا دهاءً سياسيًّا وعسكريًّا غير مسبوق عندما استدرجوا إسرائيل للإقدام على الضّربة الأولى، لتكون هي البادئة بالحرب، ويأتي الرّد الإيراني في إطار الدفاع عن النفس والرد على العدوان، أي أن المؤسسة الإيرانية لم تؤخذ على حين غرة، بل تؤكد أنها كانت مستعدة له على كل الأصعدة، وقبل أن يحقق أي من أهدافه وأبرزها تدمير المنشآت النوويّة، باستثناء أضرارٍ بسيطة في مفاعل “ناطنز” فوق الأرض.

    أن يلهث ترامب السّمسار المُتهور من أجل وقف هذه الحرب بأسرعِ وقتٍ مُمكن طلبًا للنّجاة، مِثل مُهاتفته السّلطان العُماني والأمير القطري والرئيس الروسي للتوسّط لدى إيران لقبول هدنة والعودة إلى المُفاوضات النوويّة، فهذا يعني أنّ إيران كسبت الحرب، أو الجولة الأولى منها على الأقل، وأن الرئيس الأمريكي الذي أعطى الضّوء الأخضر لنتنياهو، أدرك أنّ إسرائيل ذاهبة إلى الدّمار، وربّما الزّوال، إذا استمرّت الحرب ويُريد إنقاذها.
    ***
    إطالة زمن الحرب لن يُرهب صانع القرار الإيراني الذي لا يخشاها، وربّما يُراهن عليها، إيران قارة، وقوّة إقليميّة عُظمى، وتملك نفسًا طويلًا، وهي التي خاضت حُروبًا عدّة استمرّت لثماني سنوات، ولم تستسلم مُطلقًا.

    إعلان باكستان، وهي الدّولة النوويّة، الوقوف في الخندق الإيراني، ومُطالبتها العالم الإسلامي بفِعل الشّيء نفسه، وقطع العلاقات مع الكيان الصّهيوني فورًا، وتوحيد العالم الإسلامي خلف طِهران خطوة على درجةٍ كبيرة من الأهميّة، ودعم معنوي وربّما عسكري سيُعزّز الموقف الإيراني، وقد يُحوّل الحرب إلى حربٍ دينيّة إذا أرادها كذلك الجانب الآخر.

    أي وقف للحرب في إطار هدنة يتم التوصّل إليها بتدخّلٍ أمريكيّ ربّما يعني انتصارًا لإيران، وهزيمة للاحتلال الإسرائيلي، وعودة قويّة للعالم الإسلامي، ومُقدّمة مُهمّة جدًّا لقيام الدولة الفِلسطينيّة، وتعليق نتنياهو ورهطه على أعمدة المشانق كمُجرمي حرب.. والأيّام بيننا.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    عبد الباري عطوان

    spot_imgspot_img