ما التوقيت الذي قد تختاره إيران لتنفيذ هجوم على المنشآت النووية في “الدولة” العبرية؟ وهل تمتلك القدرة الفعلية على القيام بذلك؟ وما التداعيات المحتملة لمثل هذا الهجوم؟
حتى كتابة سطور هذا المقال، يبدو أن القيادة السياسية والعسكرية في إيران لم تتخذ قراراً بتوجيه ضربة صاروخية مباشرة ضد المنشآت النووية الصهيونية، وهي على الرغم من تعرّض بعض منشآتها لهجمات “إسرائيلية ” متعدّدة، كما حدث في نطنز وفوردو وأراك وغيرها، إلّا أنها ما زالت حتى الآن تحتفظ بهدوئها المعتاد، وتُبقي هذا الخيار مطروحاً ولكن في الوقت المناسب.
يُعرف عن المخطّطين الاستراتيجيين في إيران برود أعصابهم، وعدم تأثّرهم بالكثير من الأحداث التي يراها غيرهم بأنها تستدعي رداً مختلفاً أو خارجاً عن المألوف، وهم في هذا شأنهم شأن معظم الإيرانيين، إن لم يكن جميعهم، والذين يمتازون بالكثير من الهدوء، ويتحاشون الانفعالات الزائدة عن الحد، وينظرون إلى الأحداث والتطوّرات من زاويتها الاستراتيجية طويلة الأمد.
قد يقول البعض بأن إيران قد ضربت فعلا أحد المواقع الإسرائيلية المعنية بالسلاح النووي، والمقصود هنا بطبيعة الحال هو معهد وايزمان للعلوم الواقع في “رحوفوت” قرب مدينة الرملة المحتلة، ما تسبّب في دمار كبير في مختبراته الرئيسية، وصفها أحد العاملين فيه بأنها غير مسبوقة، إلا أن هذا المعهد لا يُعتبر منشأة مباشرة لإنتاج السلاح النووي أو مشتقّاته، بل هو معهد بحثي بالدرجة الأولى، يتألف من عدة أقسام، منها قسم الأبحاث النووية والإلكترونات والرياضيات التطبيقية، وقسم الأشعة ما دون الحمراء والكيمياء التصويرية وأبحاث النظائر المشعة والكيمياء العضوية والتجارب البيولوجية، وهو وإن كان يطرح خططاً ويقدّم مقترحات في هذا الجانب، إلا أنه لا يحوي أي قسم عملي لإنتاج أسلحة نووية، ولا تُقام فيه تجارب في هذا المجال، ويبدو أن الهدف من ضربه كان عبارة عن رسالة إيرانية لـ”إسرائيل” حول القدرة على استهداف منشآتها النووية الرئيسية، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى ذلك .
وهنا يأتي السؤال الذي يشغل بال الجميع في “إسرائيل” وربما حول العالم أيضاً، والمتعلّق بالوقت الذي تذهب فيه إيران باتجاه خيار الهجوم على المنشآت النووية في “الدولة” العبرية، وهل هي قادرة فعلاً على القيام بذلك، وما هي التداعيات التي يمكن أن تنشأ عن هذا الهجوم الذي بات يشكّل كابوساً مفزعاً للإسرائيليين.
لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نعرّج على طبيعة المنشآت النووية الإسرائيلية، والتي وعلى الرغم من مضي سنوات طويلة على إنشائها، واستخدامها من قِبل الحكومات العبرية المتعاقبة كفزّاعة ضد أعدائها في المنطقة والعالم، فإن جميع الدول القريبة والبعيدة تلتزم الصمت إزاءها، ولم نسمع سوى دعوات محتشمة من بعض الأطراف للكشف عن مضمونها، وعما يمكن أن تشكّله من خطر على صعيد المنطقة على وجه الخصوص.
المنشآت النووية الإسرائيلية:
على الرغم من مرور عشرات السنين على إقامة “إسرائيل” لأول منشأة نووية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ،إلا أنها لم تُعلن بشكل رسمي عن امتلاكها برنامجاً نووياً سواء كان عسكرياً أم سلمياً، إضافة إلى رفضها التوقيع على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد جاءت المعلومات الأبرز عن قدرات “إسرائيل” النووية على لسان “مردخاي فعنونو”، المهندس الإسرائيلي الذي كان يعمل في مركز النقب للأبحاث النووية، حيث كشف لصحيفة الصانداي تايمز البريطانية في تشرين الأول/ أكتوبر 1986 عن بعض الملفات المصنّفة بأنها بالغة السرية تتعلّق بتلك الأنشطة، وبحسب الكثير من المعلومات فإن “إسرائيل” تملك عدة منشآت نووية نشير فيما يلي إلى أهمها:
1 – مفاعل ديمونا:
تم تشييد هذا المفاعل في حقبة الستينات من القرن الماضي في صحراء النقب بمساعدة فرنسية، ويُطلق عليه في “إسرائيل” لقب ” قدس الأقداس” أو “الهيكل”، ويُعتبر المصدر الرئيسي لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع القنبلة النووية الإسرائيلية.
وبحسب المعلومات التي قدمها موردخاي فعنونو، ينتج المفاعل سنوياً 40 كغم من البلوتونيوم للأغراض العسكرية، وهو ما يشير، بحسب الخبراء العسكريين، إلى أن المفاعل يعمل بطاقة تصل إلى 150 ميغاواط على الأقل.
ويتكوّن المفاعل من تسعة مبان، ويعمل فيه حوالى ثلاثة آلاف فني ومهندس، ويحظى بحماية أمنية من الدرجة الأولى.
بحسب المعلومات، يحوي المبنى الأول مقر المفاعل الرئيسي المعروف بقبّته الفضية، أما الثاني الذي يقع بمعظمه تحت الأرض، فيضم منشأة فصل البلوتونيوم، وقسم تصنيع البلوتونيوم، وقسم تصنيع مكونات القنبلة المؤلفة من ديتورايد الليثيوم والبيرليوم.
المبنى الثالث في ديمونا يضم المنشأة التي يجري فيها إنتاج مادة الليثيوم، ومعالجة اليورانيوم الطبيعي، وتصنيع قضبان المفاعل، ويختص المبنى الرابع بمعالجة النفايات المشعة القادمة من قسم استخراج البلوتونيوم، وعادة ما يتم فيها تحويل النفايات إلى مواد قابلة للاستخدام، إضافة إلى فصل اليورانيوم لإعادة استخدامه مجدداً.
بدوره يُعنى المبنى الخامس بتغليف قضبان اليورانيوم بمادة الألومينيوم، فيما السادس يوفّر الطاقة والخدمات الأخرى للمفاعل.
أما المبنى السابع فيضم مختبراً لإجراء التجارب الخاصة بعملية التطوير، ويتألف من 480 وحدة تدير أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، فيما يُعتبر المبنى الثامن منشأة لتخصيب النظائر المشعة بالليزر وتخصيب اليورانيوم، والمبنى التاسع والأخير ينتج معدن اليورانيوم المنضّب المستخدم في صناعة بعض الذخائر.