المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خامنئي: سحقنا الكيان الصهيوني ووجهنا صفعة قاسية لأمريكا

    في أول خطاب له منذ انتهاء الحرب الأخيرة مع...

    عدن تشتعل بالأسعار بعد تجاوز الدولار حاجز 3 آلاف ريال

    تشهد مدينة عدن موجة غلاء غير مسبوقة، بعد أن...

    القاعدة والسيادة

    زاحَمَ مصطلحُ السيادة غيرَه من المصطلحات في الفضاء الإعلامي والسياسي العربي والعالمي عقب استهداف الجمهورية الإسلامية لقاعدة العديد الأمريكية في قطر ردًّا على العدوان الأمريكي على مواقع المفاعلات النووية السلمية في إيران، وعلى غير ما هو مستقر في الذهنية العربية عُمُـومًا والخليجية خُصُوصًا استقبل الرأي العام العربي جرعات غير معتادة وغير متدرجة من مصطلح السيادة عبر شبكة الجزيرة الإعلامية وغيرها من الشبكات الناطقة بالعربية، التي ردّدت وبشكل واسع التصريحات والبيانات، والتنديدات والإدانات الصادرة عن الخارجية القطرية، وما تبع ذلك من مواقف صادرة من عدد من الدول الخليجية بصورة منفردة وجماعية من خلال بيان وزراء مجلس التعاون الخليجي.

    وبدأت عقب ذلك التساؤلات عند بعض النخب وعموم الشعوب الخليجية وبعض الشعوب العربية حول مفهوم السيادة؟ وما هي الأفعال والأقوال التي تعد انتهاكًا للسيادة؟ وما هي قيمة تمتع الدول بالسيادة؟ وما هي تبعات فقدان سلطة الدولة لخاصية السيادة؟ وهل تتمتع الدول العربية عُمُـومًا والخليجية خُصُوصًا بخاصية السادة؟ وهل تدرك الأنظمة الحاكمة في هذه الدول حقيقة مفهوم السيادة ومعناها؟

    وهنا يتوجب التوضيح بأن السيادة مرتبطة ارتباطًا غير قابل للانفكاك بسلطة الدولة؛ فإذا ما اكتملت أركان الدولة الثلاثة الشعب والإقليم والسلطة السياسية، وتحدّدت تبعًا لذلك التفاصيل المتعلقة بكل ركن من هذه الأركان، فيتحقّق الانسجام بين أفراد الشعب، لاعتبارات تتعلق بوحدة الدين واللغة والجغرافيا والآمال والمصالح والتاريخ والمصير المشترك، ويتحدّد لركن الإقليم حدوده البرية ومجاله الجوي ونطاقه البحري، ويتحقّق لركن السلطة العامة خاصية السيادة، لتوصف بأن الدولة ذات سيادة، ومقتضى ذلك أن سلطة الدولة عليا لا يسمو عليها شيء، ولا تخضع لأحد، وهي سلطة أصيلة، واحدة موحدة، آمرة غير قابلة للتجزئة، وللسيادة وجهين:-

    – سيادة خارجية وتعني عدم خضوع الدولة في تصرفاتها وعلاقاتها وقراراتها في أوقات السلم والحرب لأية دولة أَو جهة أجنبية.

    – الوجه الثاني سيادة داخلية، وتعني تمتعها بسلطة عليا على جميع الإفراد والهيئات فيها.

    وإذا ما أسقطنا مفهوم السيادة على الدول العربية بدءًا بالدول الخليجية تحديدًا التي تتواجد على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية، واستدعينا بعض التصرفات لهذه الدول وبعض المواقف المعلنة لرؤساء دول أجنبية في مواجهة السلطات الحاكمة في هذه الدول، فـإنَّنا سنجد أن تواجد عشرات القواعد الأمريكية في هذه الدول ليس محدّدًا بفترة زمنية تغادر بعدها هذه القواعد أراضي الدول التي تتواجد فيها، وأن تواجد هذه القواعد لا يخضع لعقد إيجار تدفع الدولة التي تتبعها القاعدة مقابلًا ماليًّا نظير استخدامها لأراضي الدولة المضيفة للقاعدة العسكرية، بل العكس تمامًا فالدول العربية الخليجية هي التي تدفع من موارد شعوبها أموالًا طائلة لبناء القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها وتمويل استمرار تواجدها فيها، وما يتطلبه هذا التواجد من تجهيزات متعددة ومتنوعة، وبناء ملاجئ ومخازن عملاقة لتخزين كميات هائلة من الذخيرة والمعدات العسكرية، وتعد قاعدة العديد الأمريكية في قطر مركزًا للقيادة الوسطى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط تدير منها عملياتها الإجرامية بحق شعوب الأُمَّــة الإسلامية.

    وينطبق ذات القول على القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في كُـلّ من السعوديّة الإمارات والكويت والبحرين؛ فهذه القواعد تم تمويل بنائها واستمرار تواجدها من أموال الشعوب العربية الخليجية، ولا يمكن والحال هذه الحديث عن سيادة تتمتع بها الأنظمة الحاكمة في هذه الدول؛ باعتبَار أن تواجد القواعد الأمريكية بهذه الصورة، دون اتّفاق يتضمن المقابل الذي تدفعه الإدارة الأمريكية للدول الخليجية نظير تواجد قواعدها العسكرية، وكذلك يتضمن الاتّفاق تحديد مدة تواجدها وأيلولة أصولها الثابتة والمنقولة في حال مغادرتها عقب انتهاء المدة المتفق عليها، ومن ثم فـإنَّ انتفاء كُـلّ هذه المعطيات يؤكّـد أن تواجد القواعد الأمريكية في الدول الخليجية هو واقعًا احتلالٌ عسكري لهذه الدول، وأن تم ذلك بعناوين أُخرى، فلا مفر من تقرير حقيقة مؤلمة هي أن الدول العربية الخليجية، التي تتواجد بها قواعدُ عسكرية أمريكية دول واقعة تحت الاحتلال الأمريكي المباشر المغلف بعناوينَ أُخرى تهدف لامتصاص تراكم حالة الامتعاض والغضب الشعبي!

    وما يتعلق بإعلان الحرب العدوانية على اليمن في 26 مارس عام 2015 من العاصمة الأمريكية واشنطن يؤكّـد أنه لا سيادة للدول الخليجية المشاركة في الحرب العدوانية، ولو أن هذه الدول كانت السلطات الحاكمة فيها تتمتع بأدنى قدر من السيادة، لتم إعلان الحرب العدوانية على اليمن من العاصمة القطرية الدوحة أَو من العاصمة السعوديّة الرياض أَو من العاصمة البحرينية المنامة أَو من العاصمة الإماراتية أبو ظبي أَو من العاصمة الكويتية الكويت! لكن أن يتم الإعلان عن بدء العمليات العسكرية العدوانية من العاصمة الأمريكية واشطن؛ فذلك يعني أن الإدارة الأمريكية هي صاحبة السيادة في قرار إعلان الحرب العدوانية، وأن قواعدها العسكرية المتواجدة في قطر والسعوديّة والإمارات والكويت والبحرين هي من نفذ العمليات الحربية العدوانية من الأراضي المحتلّة في السعوديّة وقطر والإمارات والكويت والبحرين! واقتصر دور هذه الدول على تمويل العمليات العسكرية، وإن كانت هناك مشاركة بسيطة لقوات من هذه الدول فـإنَّها لا تتعدى الجانب الرمزي.

    وحتى لا يكون هذا الطرح مُجَـرّد سرد تاريخي لوقائعَ قد تحتمل الصواب وقد تحتمل الخطأ، فـإنَّه يكفي هنا أن نستدعي موقفًا واحدًا موثقًا بالصوت والصورة بعد سنة تقريبًا على بدء الحرب العدوانية؛ فحين أدركت السعوديّة بوصفها الممول الأكبر للحرب العدوانية على اليمن أن ضررًا كَبيرًا قد لحق بخزينتها وصل بها إلى استنفاذ فائضها المالي الكبير من جانب الإدارة الأمريكية ترتب عليه إعلان الحكومة السعوديّة لأول مرة في تاريخها عجزًا في موازنتها العامة دفعها للحديث عن تغطية هذا العجز بالاستدانة من المؤسّسات الدولية وفرض ضرائب ورسوم متنوعة على المواطنين وعلى المقيمين على أراضيها، وذات الأمر ينطبق على مالية بقية الدول الخليجية المشاركة في الحرب العدوانية؛ ففي ذلك الحين وتحديدًا في 16 مارس 2016 خرج وزير خارجية السعوديّة معبرًا عن موقف للدول الخليجية معلنًا (أن الحل في اليمن لا يمكن أن يكون عسكريًّا وأن الحل لن يكون إلَّا سياسيًّا سلميًّا)! وهذا الموقف يعد تعبيراً عن خطورة الاستمرار في تمويل الحرب العدوانية الأمريكية على مالية الدول الخليجية، غير أنه وردًّا على الموقف السعوديّ الخليجي خرج في مساء ذلك اليوم متحدث البيت الأبيض الأمريكي بموقف آخر متعارض مع الموقف السعوديّ الخليجي عبر عنه بقوله: (إن الحل السلمي في اليمن لا يزال بعيد المنال)!

    وهذين الموقفين المتعارضين موثقين بالصوت والصورة، ويمكن للقارئ والمتابع أن يقيم بكل بساطة ما الذي حدث عقب هذين الموقفين المتعارضين الصادرين بعد ما يقرب من عام كامل على الحرب العدوانية على اليمن؟ هل توقفت هذه الحرب وفقًا للرغبة السعوديّة الخليجية الناتجة عن إفراغ خزائنها مما تحتويه من أموال طائلة فائضة ومستخدمة؟ أم أن ما حدث هو استمرار الحرب وفقًا للإرادَة الأمريكية؟

    وبكل بساطة ودون حاجة إلى تحليل وفلسفة واستنتاجات، فتوقف الحرب وفقًا للموقف الخليجي، الذي عبر عنه في حينه وزير الخارجية السعوديّ عادل الجبير، يعد تجسيدًا لخاصية السيادة التي تتمتع بها الأنظمة الحاكمة في الدول الخليجية! ويعد استمرار الحرب وفقًا للإرادَة الأمريكية، التي عبر عنها في حينه متحدث البيت الأبيض انتفاء خاصية السيادة للسلطات الحاكمة في الدول الخليجية، والجميع لا يزال يتذكر بكل تأكيد أن الحرب استمرت بوحشية وعدوانية مفرطة عقب الموقفين المتعارضين الخليجي والأمريكي سنة 2016!

    وللتدليل بشكل أوثق على أن الأنظمة الحاكمة صورية في الدول الخليجية لا تتمتع بحد أدنى من السيادة في قراراتها وعلاقاتها في مواجهة الدول الأُخرى، يكفي هنا أن نستدعي ذلك الموقف المخزي للرئيس الأمريكي ترامب وهو يصف قبل سنوات الأنظمة الخليجية بالبقرة الحلوب، وإن كان الوصف تحديدًا للسعوديّة، لكنه ينطبق على كُـلّ دول الخليج! وأنها أنظمة غير قادرة على حماية نفسها من دون الحماية الأمريكية لمدة أسبوع!

    وما يؤكّـد أن الدول الخليجية مسلوبة الإرادَة والسيادة أنها لم تتداع في حينه وتعقد اجتماعاً لمجلس التعاون الخليجي يندّد فيه الحكام أَو حتى وزراء الخارجية بتصريحات ترامب؛ باعتبَار أنها تعد مساسًا بسيادة السعوديّة، كما تداعت اليوم دول مجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية لاجتماع عاجل ندّد، شجب، وأدان الاستهداف الإيراني لقاعدة العديد الأمريكية في قطر، بوصفه انتهاك للسيادة، وأعلنت الدول الخليجية وعلى رأسها السعوديّة استعدادها الكامل لدعم قطر في ردها لما تم وصفه على ما تم بالعدوان الإيراني على سيادة دولة قطر!

    وينطبق على تواجد قواعد وقوات أمريكية في دول عربية غير خليجية كما هو الحال بالنسبة للأردن والعراق وسوريا ذات الوصف السابق، وهو أن أراضي هذه الدول تقع تحت الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر بغض النظر عن العناوين المعلنة لهذا التواجد، وأن سيادة هذه الدول مصادرة من جانب الإدارة الأمريكية، كما هو الحال تمامًا بالنسبة للدول الخليجية، التي تعد بوضعها الحالي محميات حالها لا يختلف عن حال إمارات ومشيخات وسلطنات الجنوب اليمني في عهد الاستعمار البريطاني لعدن خلال القرن الماضي.

    ويمكن هنا أن نضع اختبارا عمليًّا لدول الخليج لتثبت أنها دول ذات سيادة لا نطالبها في هذا الاختبار بطرد القواعد العسكرية الأمريكية من أراضيها، فذلك مستحيل في الوقت الراهن ويحتاج صحوة شعبيّة وثورة عارمة تقتلع أولًا تلك الأنظمة من جذورها، وتقذف بالقواعد الأمريكية خارج حدودها، لكن الاختبار العملي للأنظمة الخليجية بسيط وسهل ويتناسب مع قدرات حكامها العضلية والذهنية والعقلية، وشجاعتهم الأدبية، ويبدأ هذا الاختبار بالمبادرة أولًا: بالاعتذار للشعب اليمني عن جريمة العدوان بحقه التي مولتها الدول الخليجية، ونتج عنها دمار واسع وعشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء من أبناء الشعب ومئات الآلاف من الجرحى، وتبادر هذه الأنظمة ثانيًا: إلى التعويض المباشر عن كُـلّ الأضرار التي تسببت بها الحرب العدوانية الممولة من جانبها، وَثالثًا: أن تعلن هذه الأنظمة بكل وضوح مدّ جسور التواصل بين شعوبهم وأبناء الشعب اليمني، وَإذَا ما نجحوا في هذا الاختبار العملي البسيط جِـدًّا، فيمكننا حينها أن نقرّر أن الأنظمة الحاكمة للشعوب الخليجية تتمتع بسيادة كاملة وأنها تملك أمرها وقرارها، وإن لم يفعلوا فليعلنوا بكل وضوح أنهم عبارة عن أنظمة وظيفية محمية من جانب الإدارة الأمريكية ولا سلطة لهم حقيقية ولا قرار!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    د/ عبدالرحمن المختار

    spot_imgspot_img