رغم الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، فإن ما يدور خلف الكواليس يؤكد أن التهدئة الراهنة ليست سوى مرحلة انتقالية في صراع مفتوح على احتمالات الانفجار. فقد أجمعت التقييمات الصادرة عن الأوساط السياسية والأمنية للاحتلال الإسرائيلي على أن المعركة لم تنتهِ بعد، بل دخلت طورًا أكثر خطورة وتعقيدًا، وسط غياب أي ضمانات ملزمة للطرفين، لا سيما بشأن البرنامج النووي الإيراني.
صحيفة “معاريف” العبرية أفادت، نقلاً عن مصادر سياسية وعسكرية، أن السؤال لم يعد متعلقًا بإمكانية استئناف القتال، بل أصبح يتمحور حول موعد الجولة التالية وساحتها. وتقول المراسلة السياسية للصحيفة إن التهدئة ليست نتيجة لتفاهمات استراتيجية، بل تعبّر عن توازن مصالح هشّ بين تل أبيب وطهران، وسط حسابات دقيقة لتفادي التصعيد مع واشنطن، دون إسقاط خيار الرد العسكري المستقبلي من الحسبان.
وترى المؤسسة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي أن الجولة السابقة، التي شهدت ضربات إسرائيلية استهدفت منشآت في فوردو ونطنز وأصفهان، لم تحقق نتائج حاسمة، وهو ما يعزز المخاوف من نمط صراع جديد يتمثل في جولات قصيرة ومركزة تتكرر على فترات متقاربة، وتشمل عدة جبهات من اليمن ولبنان إلى سوريا والخليج، ما يهدد بانفجار إقليمي يصعب احتواؤه.
وفي الجانب الإيراني، جاءت التصريحات الرسمية لتعكس قناعة مشابهة بأن “الهدنة مؤقتة”. فقد أكد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة اللواء عبد الرحيم موسوي أن إيران مستعدة لـ”ردّ قوي” في حال تكرار العدوان الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن بلاده تشكك في التزام تل أبيب بأي اتفاقات أو تفاهمات، واصفًا إسرائيل والولايات المتحدة بـ”الطرفين غير الموثوقين دوليًا”.
وحمّل موسوي الاحتلال والولايات المتحدة مسؤولية اندلاع جولة القتال الأخيرة، مؤكدًا أن إيران كانت تتصرف بضبط نفس رغم التصعيد الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن الرد الإيراني لم يكن إلا دفاعًا مشروعًا. كما أشاد بدور المملكة العربية السعودية في بذل جهود دبلوماسية لإنهاء التوتر، مؤكدًا تقدير طهران لأي دور عربي يسعى لمنع اتساع رقعة الصراع.
في الأثناء، تشير تقديرات استخباراتية غربية – بحسب تقارير إعلامية – إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير لم يُلحق أضرارًا دائمة بالبرنامج النووي الإيراني، بل أخّر بعض الجوانب التقنية لبضعة أشهر فقط. هذا التقدير يقوّض رواية البيت الأبيض الذي أعلن تحقيق “نجاح كامل”، ما يعكس حالة من التناقض بين التصريحات السياسية والواقع الميداني.
ويثير المشهد السياسي الأمريكي المزيد من الشكوك حول مستقبل الصراع، لا سيما مع إدارة الرئيس ترامب، الذي أعلن نهاية العمليات العسكرية ثم عاد وصرّح باستعداده لاستئناف الضربات، وسط تردد الكونغرس والمجتمع الأميركي بشأن أي تورط جديد في حروب الشرق الأوسط.
في خلاصة المشهد، لا يبدو أن الهدوء الحالي قابل للاستمرار طويلًا. فالتصريحات النارية، وغياب الثقة المتبادلة، وتضارب المصالح، وتعدد الأطراف المنخرطة في الصراع، جميعها تُبقي المنطقة في حالة ترقب لجولة جديدة قد تكون أكثر دموية وأوسع نطاقًا، ما لم تتدخّل القوى الدولية لضبط الإيقاع، وتقديم حلول جذرية تعالج جوهر الخلاف حول مستقبل الملف النووي الإيراني وترتيبات الأمن الإقليمي.