المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    هكذا بدأت وانتهت فتنة حنتوس ريمة!!

    بينما صنعاء تواصل إسناد غزة عسكرياً كواجب ديني وأخوي...

    حروب العصر: مواجهةٌ فكرية واستراتيجياتٌ مقاوِمة

    في عالم القرن الحادي والعشرين، شهدت الحروبُ تحولاتٍ جذرية...

    حروب العصر: مواجهةٌ فكرية واستراتيجياتٌ مقاوِمة

    في عالم القرن الحادي والعشرين، شهدت الحروبُ تحولاتٍ جذرية تجاوزت أشكالَها التقليدية من دبابات وصواريخ وجنود على الأرض إلى فضاءات أكبرَ تعقيدًا وأكثر تأثيرًا: إنها الحروبُ الفكرية.

    حروبٌ ليست مُجَـرّد ظاهرة عابرة، بل أصبحت أدَاة فعالة ضمن أسلحة الدول العظمى للتأثير والسيطرة، حَيثُ تستهدفُ العقول بدلًا عن الأجساد، والثقافات بدلًا عن الأراضي.

    تبرز الولايات المتحدة و(إسرائيل) كأبرز اللاعبين في تطوير وتنفيذ استراتيجيات الحروب الفكرية، وهو ما يشكّل تحديًا كَبيرًا للدول العربية والإسلامية التي تجد نفسَها مضطرةً إلى الإسراع في تبنِّي أساليبَ دفاعية تضمنُ بقاءَ هُويتها واستقلالها الفكري والثقافي.

    تستخدم هذه الدول وسائلَ الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي كمِنصاتٍ رئيسية لتوجيه رسائلها والتأثير على الرأي العام العالمي. علاوة على ذلك، تلعبُ المناهج التعليمية والمِنَح الدراسية في الجامعات الكبرى دورًا بارزًا في نشر الأفكار الداعمة لسياساتها.

    تستند هذه الاستراتيجياتُ إلى قوةِ السرد والقدرة على التحكم في تدفق المعلومات؛ مما يسمحُ بالترويج لقيم وأفكار معيَّنة تؤثر بشكل مباشر على السلوكيات الفردية والمجتمعية. والهدفُ هنا ليس فقط التأثير على الحاضر، بل أَيْـضًا إعادة تشكيلِ المستقبل بما يتماشى مع الأجندات السياسية لتلك الدول.

    أحد التأثيرات الخطيرة لهذه الحملات هو زعزعة الاستقرار المجتمعي في الدول المستهدفة، من خلال إثارة النزاعات الداخلية كما حدث ويحدث في كثير من الأحيان والتي كان آخرها فتنة المدعو صالح حنتوس الذي لم يتعظ من مصير مَن سبقوه في إثارة الفتن؛ خدمةً لإعادة الأُمَّــة الذين وظَّفوا هذه الفتنة إعلاميًّا لإيجاد حالة من الانطباع الزائف تجاه حماة الشعب من رجال الأمن.

    إن خطط الأعداء تهدف لخلق فجوات بين الشعب والحكومة. تُظهر هذه الاستراتيجيات قوة الإعلام في تشكيل الرأي العام وتعزيز صورة إيجابية للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، حَيثُ تُقدَّم كعوامل استقرار وسلام، بينما تهدف في الوقت ذاته إلى تهميش قضايا حقوق الشعوب العربية والإسلامية، مثل قضية فلسطين المركَزية، ورغم ذلك، تواجه الدول العربية والإسلامية صعوبات جَمّة في التعامل مع هذه الحروب الفكرية.

    الأزماتُ الاقتصادية والسياسية التي تضرب العديد من هذه الدول تعرقل من قدرتها على بناء حِصن فكري وثقافي قوي.

    كما أن العولمة الحديثة والتغيرات الاجتماعية السريعة تُعد تربةً خِصبةً لاختراق الفكر الدخيل وانتشاره. الجماهير، في ظل غياب الوعي المجتمعي الكافي، تصبحُ عُرضةً للتأثر بالرسائل المغلوطة والمعلومات المضللة التي تُضَخُّ عبر مختلف الوسائط الإعلامية، مفضيةً إلى حالة من الفوضى الفكرية والارتباك؛ مما يتطلب جُهدًا مجتمعيًّا ومؤسّسيًّا لتعزيز المناعة الفكرية.

    للتصدي بفعالية للحروب الفكرية، ينبغي على الدول العربية والإسلامية اتِّخاذ خطوات استراتيجية ملموسة تعزز من صمودها الفكري والثقافي. يمكن تحقيق ذلك عبر الاستثمار في التعليم وتطوير المناهج الدراسية التي تركِّز على تنمية العقل النقدي وغرس الوعي الثقافي والوطني في الأجيال الناشئة، إلى جانب ذلك، يجب دعمُ الإعلام المحلي؛ ليتمكَّنَ من المنافسة في الفضاء المعلوماتي العالمي، من خلال تحسين المحتوى الإعلامي ليكون متنوعًا وموثوقًا ويعبِّرُ عن القيم الثقافية المهمة.

    ولعل من أبرز محاور هذه الاستراتيجية إنشاء مِنصات رقمية قادرة على مواجهة الأكاذيب والشائعات عبر تقديم الحقائق والمعلومات الدقيقة.

    تلعب المؤسّسات الدينية والثقافية دورًا محوريًّا في هذه المعركة، حَيثُ يمكن لها -من خلال التعاون المشترك- تعزيزُ الوعي الديني والثقافي بصورة تتماشى مع متغيرات العصر، مع الحفاظ على الأصالة واحترام الخصوصية الثقافية للمجتمعات المختلفة. التعاون بين هذه المؤسّسات يمكن أن يوفر مادةً معرفيةً قوية تساعدُ المجتمع على التمسك بهُويته.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    د.شعفل علي عمير

    spot_imgspot_img