المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    تكتيكاتٌ أربكت المحتلين.. بعض الملاحظات حول عمليات المقاومة في غزة

    مع مرور ما يقارب 650 يومًا على حرب غزة، والتي لم يتردد خلالها الصهاينة في ارتكاب أي جرائم وحشية ضد المدنيين، وتعرض المقاومة الفلسطينية لضغوط كبيرة جراء فقدانها عددًا كبيرًا من قادتها وقادتها، وخوضها معارك ضارية طوال هذه الفترة، تُطرح تساؤلاتٌ باستمرار حول قدرة مقاتلي المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات ميدانية فعّالة كبدت الجيش الصهيوني خسائر فادحة في الأسابيع الأخيرة؛ بما في ذلك العملية التي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين أمس.

    عمليات المقاومة الفتاكة والاستخدام الصهيوني المجنون لبروتوكول هنيبعل

    وفي هذا الصدد، أفاد موقع “حدشوت بزمان” العبري بأن حماس تمكنت من تنفيذ أربعة كمائن متتالية ضد قوات الاحتلال في أربعة مواقع متفرقة، أولها في منطقة جبل الريس بحي التفاح شرق مدينة غزة، والثاني في خان يونس، والثالث في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، والرابع في حي الشجاعية.

    وفي الكمين الذي نفذه المقاومون الفلسطينيون ضد لواء ناحال التابع لجيش الاحتلال في حي التفاح، استخدم الجيش بروتوكول هنيبعل (قتل جنوده لمنع أسرهم) لإحباط العملية، حيث نفذت طائرات الاحتلال عشرات الغارات، مصحوبة بقصف مدفعي كثيف، يشير اعتراف الجيش الإسرائيلي بمقتل ثلاثة من جنوده، وسط تقارير إخبارية مُحرّفة عن خسائره، إلى أن الحادث تجاوز مجرد إطلاق مقاتلين فلسطينيين صاروخًا مضادًا للدبابات، ما أدى إلى اشتباك مباشر من مسافة قريبة جدًا، كانت قوات المقاومة الفلسطينية أيضًا تأسر جنديًا صهيونيًا، لكن مقاتلات جيش الاحتلال فضّلت قتل الجندي في القصف على تركه يقع في أيدي الفلسطينيين.

    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعيش أحد أسوأ أزماته

    وصفت وسائل الإعلام الصهيونية الكمين بأنه حادث كارثي لـ”إسرائيل”، وكتب موقع “موساكي رايم” العبري في تقرير بهذا المعنى: “تواصل قوات حماس قتل جنودنا يوميًا، وهذا أمرٌ مُخزٍ ويُظهر مدى تأثير الهجمات الفلسطينية على البيئة والمجتمع الإسرائيلي”.

    كما صرّح يوسي يهوشوع، المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: “لقد أصبح الوضع في غزة مختلفًا عن أي وقت مضى، والحرب الشرسة على الأنفاق، التي لا تزال مذهلة في حجمها وعمقها وتعقيدها، قد أرهقت قوات لواء ناحال واستنزفتها لأكثر من 21 شهرًا، ويحاول الجيش باستمرار إيصال رسالة إلى السلطات السياسية مفادها بأن استمرار الحرب في غزة أصبح صعبًا وخطيرًا للغاية”.

    وأكد هذا المحلل الصهيوني: أن حماس تُغيّر تكتيكاتها باستمرار وفقًا للظروف الميدانية، وتُكثر من عنصر المفاجأة؛ بحيث قد تخرج قوة نخبة من حماس من فتحة أحد الأنفاق وتزرع عبوة ناسفة بجانب القوات الإسرائيلية دون أن يلاحظها أحد، وفجأة يُسمع صوت الانفجار، ولا تجد القوات الإسرائيلية مكانًا للاختباء.

    كما أعلن المركز الإسرائيلي لدراسات الأمن الداخلي في هذا الصدد: يواجه الجيش الإسرائيلي واحدة من أخطر أزماته البشرية، وبينما يعاني من نقص حاد في الكوادر، نشهد يوميًا سقوط عدد من الجنود في مناطق متفرقة من غزة.

    سوء تقدير “إسرائيل” والصدمة التي ألحقتها المقاومة بالمحتلين

    صحيح أن حجم الضربات التي تلقاها الفلسطينيون وعدد الشهداء في غزة لا يُقارن بحجم الخسائر والأضرار التي لحقت بجيش الاحتلال في هذه الحرب، لكن تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم، من جهة، أحدث الأسلحة والتقنيات وأكثرها فتكًا وتطورًا التي زودته بها الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى في حربه ضد الفلسطينيين المحاصرين في منطقة صغيرة محاصرة، وأسلحتهم بدائية محلية الصنع، ويتعرضون لضغوط من جميع الجهات.

    من جهة أخرى، ظنّ الصهاينة أنهم بتوسيع نطاق جرائمهم وضغطهم العسكري على غزة، سيجبرون الشعب والمقاومة الفلسطينية على الاستسلام والتراجع؛ وكما قال بتسلئيل سموتريش، وزير المالية الفاشي في الكيان الصهيوني: “يجب استخدام الضغط العسكري على غزة ليس فقط لدفع حماس إلى الركوع ورفع راية الاستسلام، بل أيضًا إلى التوسل بأي حل لإنهاء الحرب دون طلب أي تنازلات”.

    إلا أن المقاومة الباهرة التي أظهرها الفلسطينيون في ظل هذه الضغوط الشديدة والشاملة، ورفضهم الاستسلام لشروط العدو، دفعت الإسرائيليين أنفسهم وداعميهم الأمريكيين إلى العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.

    تكتيكات المقاومة التي تركت الصهاينة عاجزين

    بينما تبذل استوديوهات أخبار الكيان الصهيوني جهودًا حثيثة للترويج لنصر وفعالية هجماته على غزة، يتأثر الواقع الراهن بعدة عوامل، أهمها:

    – دخول حرب غزة مرحلة صفرية، حيث وضع الكيان الصهيوني هدفًا له وهو القضاء على المقاومة، في ظل هذه الظروف، تمتلك قوى المقاومة الفلسطينية دافعًا كبيرًا للتضحية، بينما يتوخى الجيش الإسرائيلي أقصى درجات الحذر ويخشى بشدة الخسائر البشرية.

    – كسرت عملية “عاصفة الأقصى” في الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 جميع الحواجز النفسية بين المقاتلين الفلسطينيين وقوات العدو ومعداتها، ودخل الفلسطينيون في مواجهة مباشرة مع الجيش الصهيوني، واليوم، أصبح الاشتباك بالأيدي بين المقاتلين الفلسطينيين وقوات الاحتلال أمرًا شائعًا، لم يعد يتطلب قوات النخبة؛ بل هو عمل تقوم به حتى القوات الفلسطينية العادية دون خوف من قدرات العدو.

    خلال أكثر من عشرين شهرًا من الحرب، اكتسب المقاومون فهمًا دقيقًا لسلوك الجيش الصهيوني، وخطط جيش الكيان، وبروتوكولات التقدم والانسحاب، واستراتيجيات الجيش الإسرائيلي، كما حصل المقاتلون الفلسطينيون على وثائق وتعليمات تركها الجيش الصهيوني على محاور مختلفة من الحرب، ما ساعدهم على فهم شامل لساحة المعركة، ومكّنهم من التقدم ضد العدو.

    شبكة الأنفاق المعقدة والمتشابكة في غزة، إلى جانب الصيانة المستمرة لبعض الخطوط المدمرة، منحت المقاومين ميزةً معينةً في مسرح العمليات، ووفقًا للتقييمات الميدانية للكيان الصهيوني، فإن المقاتل الفلسطيني، الذي يخرج من فوهة نفق على بُعد أمتار قليلة فقط من مواقع الجيش الإسرائيلي، ينفذ مهمته في منطقة يصعب استهدافها جوًا، ثم ينسحب في غضون دقائق ويعود إلى النفق.

    تستخدم القوات الفلسطينية حتى الموارد المحدودة التي تمتلكها بطريقة مدروسة، وتُلحق أكبر قدر ممكن من الخسائر بجنود العدو الذين يمتلكون أقل الموارد، تُنفَّذ معظم عمليات المقاومة في مختلف مناطق غزة باستخدام قنابل محلية الصنع، ويمكن للمقاتلين الفلسطينيين تدمير دبابة للجيش الإسرائيلي بأقل من 10 كيلوغرامات من المتفجرات، على سبيل المثال، في كمين قاتل وقع مؤخرًا في خان يونس، تمكن المقاتلون الفلسطينيون من قتل سبعة جنود صهاينة بقنبلة محلية الصنع تُسمى “شواظ”، وكان وزن العبوة، بما فيها المتفجرات، 25 كيلوغرامًا فقط.

    وأخيرًا، أدى فشل عملية “جدعون شاريوتس” التي شنها الجيش الصهيوني في غزة إلى تغيير الجنود الصهاينة مهمتهم من الهجوم إلى التراجع والدفاع؛ وخصوصًا أن التدمير الواسع الذي لحق بالمناطق الحضرية من قبل الجيش الصهيوني في غزة سمح للمقاتلين بمراقبة حركة ومواقع دبابات العدو عن كثب، وتنفيذ عملياتهم المدروسة في الوقت المناسب.

    ولهذا السبب أصبحت سيطرة الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة ضربًا من الخيال، فحتى أقوى جيوش العالم لا تستطيع تشغيل أنظمة المراقبة والحماية والتحكم على مدار الساعة، ولذلك، في حالة غزة، كلما دخل الجيش الإسرائيلي أحد محاور هذا القطاع وظن أنه احتله، يتبين فجأة أن المقاومين ما زالوا متمركزين هناك، وهذا السيناريو يتكرر منذ 21 شهراً.

    المصـــــــــــدرالوقت التحليلي
    spot_imgspot_img