ضم الضفة الغربية لم يعد هدفاً تسعى “إسرائيل” لتحقيقه، بل أضحى “واقعاً” يفرض نفسه ولا يجد قوة تكبحه.
بهدوء، وتحت أعين الجميع، تواصل الحكومة الإسرائيلية الدفع بقوة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية عبر سلسلة من مشاريع القوانين “الصغيرة” التي من المتوقع أن تُحدث تغييرات جوهرية في واقع الأراضي الفلسطينية في الضفة.
هذه القوانين هي ثمرة سياسة وزير المالية سموتيريتش القائمة على “إزالة خطر الدولة الفلسطينية الإرهابية”، وهي مهمة أخذ على عاتقه تنفيذها في إطار مسعاه لإرساء حقائق على الأرض تمنع أي إمكانية لاتفاق سياسي مستقبلي يشمل حل الدولتين، أو تقديم تنازلات إسرائيلية في هذه الأراضي، وتُعدّ عملياً نوعاً من “الضم غير الرسمي” الذي تقوم به “إسرائيل”.
بالتوازي مع ما تقوم به قوات الاحتلال ومشاريع الاستيطان من سحق ممنهج للوجود الفلسطيني على الأرض في الضفة الغربية، يُروج أعضاء الائتلاف اليميني الحاكم في “إسرائيل” لسلسلة من مشاريع القوانين التي تبدو “صغيرة”، لكنها تسعى مجتمعةً إلى إحداث تغييرات جذرية في الواقع الأمني والسياسي والديموغرافي في الضفة الغربية.
بعدما قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي السماح بتحويل أراضي الضفة الغربية إلى أراضي دولة، ناقشت لجنة الشؤون الخارجية والأمن في كنيست الاحتلال اقتراحاً يمنح المستوطنين حق شراء الأراضي حتى داخل التجمعات الفلسطينية تحت مسمى قانون “إلغاء التمييز في شراء الأراضي في يهودا والسامرة”، الذي يمنح المستوطنين الحق في شراء الأراضي خارج “الخط الأخضر”، بما في ذلك داخل التجمعات الفلسطينية وإقامة تجمعات استيطانية لا تخضع لرقابة الدولة.
وناقشت “لجنة الإشراف على صندوق المواطنين الإسرائيليين”، برئاسة عضو الكنيست نيسيم فاتوري من حزب الليكود، بمشاركة وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين، ربط مستوطنات الضفة الغربية بالغاز الطبيعي. إضافةً إلى ذلك، وافق عضو الكنيست سيمحا روتمان من حزب الصهيونية الدينية الأسبوع الماضي على مشروع قانونه للقراءة الأولى في لجنة الدستور، والذي يُرسّخ قانونياً مصطلح “يهودا والسامرة” (الاسم التوراتي لأراضي الضفة الغربية) كاسم رسمي في جميع التشريعات الإسرائيلية المرتبطة بالضفة الغربية، والتي تواصل ترسيخ الاستيطان في الأراضي الفلسطينية خارج الخط الأخضر.
ويدفع بعض أعضاء الائتلاف بتشريع “قانون سلطة الآثار”، الذي سينقل صلاحية العمل في المواقع الأثرية والحفريات في الضفة الغربية من جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى سلطة الآثار الإسرائيلية، وهي سلطة حكومية مدنية. وهناك أيضاً مقترح لتعديل قانون لتجميد الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية في ما يتعلق بالإرهاب من الأموال المحولة إليها من الحكومة الإسرائيلية. وبموجب هذا التعديل، ستُعوّض “إسرائيل” ذاتها عن السيارات الإسرائيلية المسروقة من أموال السلطة الفلسطينية المحجوزة لديها.
يُضاف إلى كل ما ذُكر القرار الذي صادق عليه المجلس السياسي والأمني الإسرائيلي المُصغّر في وقت سابق من هذا الأسبوع، والذي ستبدأ بموجبه مديرية الاستيطان التابعة لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الأسابيع المقبلة بإجراء مسوحات للأراضي في مناطق الضفة الغربية، ما سيؤدي إلى ضم أراضٍ فلسطينية إضافية باعتبارها أراضي دولة.
يهدف هذا القرار إلى استئناف تنفيذ عملية التسوية الرسمية للأراضي من قبل “دولة إسرائيل” في الضفة الغربية، ووقف محاولات السلطة الفلسطينية تنفيذ إجراءات تسوية الأراضي في المنطقة المصنفة (ج) بحسب اتفاق أوسلو، ما يعني إلغاء كل إجراءات التسوية التي قامت بها السلطة الفلسطينية في تلك الأراضي واعتبارها بلا قيمة قانونية في “دولة إسرائيل”.
هذه في الواقع خطوة أخرى ضمن سلسلة خطوات دراماتيكية متسارعة شهدتها الضفة الغربية خلال العامين الماضيين، وخصوصاً بعد إلغاء صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية بشكل شبه كامل، وإنشاء مديرية تسوية الأراضي، وتحويل تصاريح البناء في المستوطنات إلى تصاريح تصدر أسبوعياً، وتوسيع نطاق إنشاء المزارع الاستيطانية، وإعلان مناطق فلسطينية مختلفة كأراضي دولة. كما أنها من المفترض أن تحل واحدة من العقبات التي يواجهها المستوطنون في طريقهم لتوسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وهي قضية “الأراضي الفلسطينية الخاصة”، التي أثبت أصحابها ملكيتهم لها منذ عهد الحكم الأردني في المحاكم الإسرائيلية ومَنَعوا مشاريع التوسع الاستيطاني عليها.
ومع إقرار هذا القانون من مجلس الوزراء الإسرائيلي، ستخضع العديد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لمسح جديد من إدارة الاستيطان التابعة لسموتيرتش، وإن لم يتمكن أصحابها الفلسطينيون من إثبات ملكيتها، سيتم إعلانها أراضي دولة، ما يسهل تسريع حركة الاستيطان فيها. والواقع أن هذا القرار لا يسهل التوسع الاستيطاني فحسب، بل يُنظر إليه في إطار فرض السيادة الفعلية التي يقودها سموتيرتش في الضفة الغربية لإزالة ما يسميه “خطر قيام دولة إرهابية فلسطينية”.
وإذا لم يكن كلّ ما سبق كافياً، إليكم القشة التي ستقصم ظهر بعير الفلسطينيين في ما يتجاوز 65% من مساحة الضفة الغربية، إذ سيصوت كنيست الاحتلال هذا الأسبوع، وقبل الخروج إلى العطلة البرلمانية الصيفية، على دعمه لقرار “فرض السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة” (الضفة الغربية)، ويدعو الحكومة إلى الدفع بذلك قُدماً.
مقترح مشروع القرار هذا، كان قد أودع في كنيست الاحتلال في شهر آذار الفائت وتمت المصادقة عليه من قبل هيئة رئاسة الكنيست. ورغم أن الحديث يدور عن إعلان “رمزي فقط” (اقتراح على جدول الأعمال دون قوة قانونية)، فإنه يأتي في توقيت حساس سياسياً وأمنياً، ويهدف إلى الدفع قُدماً بفرض نقاش ضم الضفة الغربية في الأطر التشريعية والسياسية الإسرائيلية.
ولا شك في أنه حدث مهم ذو دلالات سياسية كبيرة، وخصوصاً بعد قرار الكنيست قبل عدة أشهر بالتصويت بأغلبية ساحقة ضد إقامة دولة فلسطينية، فالتصويت على قرار رسمي لدعم السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية يعني وأد فكرة الدولة الفلسطينية نهائياً.
ربما أراد أعضاء الكنيست الذين يقفون خلف هذا المقترح أيضاً إيصال إشارة إلى الرئيس ترامب بأن هناك أغلبية في الكنيست تؤيد فكرة السيادة على أراضي الضفة الغربية بما يرفع الحرج عن الإدارة الأميركية ويدفعها إلى التبني العلني لهذه الفكرة، وكأنها استجابة لإرادة شعبية عامة في “إسرائيل”. وعلى الأرجح، فإن نتنياهو، وإن كان شخصياً لا يعارض فكرة الضم، إلا أنه لن يعلن عن ذلك صراحة الآن، وسيترك لهذه الكرة أن تتدحرج، على الأرجح إلى ما بعد انتهاء الحرب، وربما يكون في مقدوره حينها أن يتبناها وأن يدفع باتجاه تشريعها.
في كل الأحوال، فإن ضم الضفة الغربية لم يعد هدفاً تسعى “إسرائيل” لتحقيقه، بل أضحى “واقعاً” يفرض نفسه ولا يجد قوة تكبحه، وسيستمر الدفع به قُدماً وبكل قوة من قوى اليمين الصهيوني في “إسرائيل” إلى حيث أقرب نقطة تسمح بفرضه قانوناً. ولا شك في أن دعم الولايات المتحدة والرئيس ترامب شخصياً لهذه الخطوة سيجعلها أمراً واقعاً بعدما كانت حُلماً راود الكثيرين في “إسرائيل”.