المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    ما أصدق اليمني إن عشقَا..

    "خاص" أبعد من كلمة مسيرة أو تضامن، نحن أمام واحدة...

    الرئيس المشاط: خروجكم المليوني صفعة للمخذّلين ورسالة نصر للمستضعفين

    وجّه فخامة الرئيس مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى،...

    السيد الحوثي: صواريخنا تمهد الطريق والزحف نحو فلسطين ينتظر فتح المنافذ

    في رسالة نارية حملت أبعادًا عسكرية واستراتيجية، أعلن قائد...

    السوري لا يقتل إلا سوريًا

    منذ اندلاع الأزمة في سورية، تحوّل السلاح من أداة تحرر إلى أداة تصفية داخلية، وتحوّل الغضب المشروع من الاحتلال إلى حروب داخلية لا تنتهي. فالدم السوري، بكل أسف، لم يُسفك على جبهة الجولان، بل على جبهات المدن والبلدات والقرى السورية. لم تُطلق فصائل ما يُسمى بالثورة رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني، رغم أنه يحتل الجولان منذ عام 1967، ويقصف دمشق متى شاء دون ردٍّ أو حتى وعيد. بل رأينا بعضهم يستنجد بالعدو ذاته، كما فعلت فصائل الجنوب عند معركة درعا، حين طلبت الدعم من “إسرائيل” ضد الجيش السوري.

    في المقابل، كانت بعض الفصائل تجهز حملات عسكرية كاملة لاجتياح قرى الأقليات، وتبني خطابها الإعلامي على “تطهير طائفي”، كما ظهر في تصريحات قادة فصائل كـ”جبهة النصرة” و”أحرار الشام”، حيث تحوّل الخلاف المذهبي إلى أداة استقطاب، والعدو الصهيوني إلى شريك صامت أو حتى حامٍ في بعض الأحيان.

    ولكي يتفادوا العار الذي يلاحقهم بسبب عجزهم الكامل عن مواجهة الكيان الصهيوني، عمدت كثير من الفصائل السورية إلى اختراع عدو بديل، يستطيعون النفخ فيه إعلاميًا وعقائديًا دون أن يكلفهم عناء الدخول في معركة حقيقية. فكانت إيران هي الخيار الأنسب: عدوٌ “آمن” من حيث النتائج، “مربح” من حيث التعبئة الطائفية، و”مقبول” لدى رعاة المشروع الإقليمي الذين طالما حرّضوا على ما سموه “المد الفارسي” بينما كانوا يفتحون عواصمهم لسفراء الكيان الإسرائيلي.

    لقد أدركت تلك الفصائل أنها غير قادرة، لا عسكريًا ولا نفسيًا، على مواجهة العدو الذي يحتل الجولان منذ عقود، ويقصف دمشق متى شاء، ويغتال من شاء، دون أن يتعرض حتى لشجب لفظي. فكان الحل في التوجه إلى معركة بديلة، تنفيسية، تضمن استمرار القتال دون المساس بالمحرّم الإسرائيلي. ومن هنا أصبح الحديث عن “العدو الإيراني” هو التيمة الموحدة في خطاب معظم الفصائل، رغم أن طائرات العدو الصهيوني كانت تدك مواقع سورية دون أن تُسمع طلقة واحدة في الرد، لا من النظام ولا من معارضيه.

    ولم يكن هذا التهرب من قتال “إسرائيل” مجرد تقصير أو انشغال، بل كان سياسة معلنة وموقفًا مبدئيًا لدى كثير من القيادات الميدانية، أبرزهم قادة “جبهة النصرة”، حيث قال أحدهم بصراحة مذهلة: (لسنا بمستوى إسرائيل). لم تكن هذه العبارة مجرد اعتراف بالضعف، بل كانت إعلانًا مفضوحًا بأن “إسرائيل” قد رُفعت من لائحة الأعداء، وأن الفصائل تقاتل فقط من تقدر عليهم من بني جلدتها. ومن هنا تحولت الجبهات إلى ميادين تصفية داخلية، لا تمت للتحرير بصلة، بل تُدار وكأنها حروب انتقامية تاريخية، مع شحنٍ طائفيٍّ كثيف يخدم خطاب المحاور الإقليمية التي تسعى لتفكيك ما تبقى من النسيج السوري.

    والأدهى أن هذه الفصائل كثيرًا ما اتخذت من معاداة إيران غطاء لتبرير التنسيق غير المعلن مع الاحتلال الصهيوني، بل ظهرت مؤشرات عديدة على وجود خطوط اتصال غير مباشرة، وخاصة في الجنوب السوري، حيث سُجلت حالات متكررة من الانسحاب الفصائلي المشبوه تزامنًا مع ضربات إسرائيلية. فهل يعقل أن من يُفترض به أن يقاتل “النظام الموالي لإيران” يسمح للعدو الإسرائيلي بقصف دمشق بينما يكتفي بالتصفيق؟

    هذا كله يضعنا أمام مشهد عبثي، تبدو فيه “إسرائيل” خارج ساحة الصراع، بل شبه محمية بغطاء فصائليٍّ ضمني، بينما تُشنّ الحروب على أساس مذهبي، ويُستثمر العداء المفتعل لإيران كأداة لإدامة القتال الداخلي، لا كخطوة نحو تحرير الأرض أو استعادة السيادة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img