المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خلف العدو في كل مكان

    إزاء جبروت وغطرسة وإسراف كيان العدو في القتل والذبح...

    خبراء فلسطينيون: اليمن يخلط أوراق الصراع.. ميزان القوى ينقلب وإسرائيل تفقد السيطرة

    وسط تعتيم إعلامي إسرائيلي متصاعد، بدأت الحقائق تتسرّب من...

    فضيحةُ ويتكوف

    أعلن مجرم الإدارة الأمريكية، ترامب، بداية الأسبوع الماضي إرسال موفده إلى المنطقة لتوقيع ما أسماه “اتّفاق إدخَال الطعام” لسكان قطاع غزة. وكعادته، يؤشر ترامب باتّجاه اليمين ويضرب باتّجاه اليسار كما يقال، فموفده المجرم ويتكوف، ونيابة عنه، وبدلًا من توقيع اتّفاق إدخَال الطعام المعلن عنه، تم إعلان أمر آخر وهو سحب فريقه التفاوضي من الدوحة للتشاور. فلم يتم توقيع الاتّفاق المزعوم، ولم يتم إدخَال الطعام الموعود، كما سبق للمجرم ترامب التصريح بذلك.

    ويُعد ما صدر عن المجرم ويتكوف، الذي عبّر عنه بالقول إنه “سحب فريقه التفاوضي من الدوحة للتشاور”، دليلَ إدانة قاطِعًا على ضلوع الإدارة الأمريكية في الجريمة، وولوغها في الدم الفلسطيني. فالفريق الأمريكي المتواجد في الدوحة، الممثل للإدارة الأمريكية، هو فريق تفاوض، وليس مُيسِّرًا للتفاوض بين حماس والكيان الصهيوني المجرم. ولو أن الفريق الأمريكي كان مُجَـرّد وسيط محايد ومُيسِّر للتفاوض بين طرفين آخرين، لما وصفه المجرم ويتكوف بـ “فريق التفاوض”.

    وما يؤكّـد أن المجرم ويتكوف قد خانه التعبيرُ وانكشف ما سبق له إخفاؤه، على الأقل في تصريحاته وليس في سلوكه وسلوك إدارته، أنه تحدث أَيْـضًا عما أسماه “بحث خيارات بديلة للإفراج عن المخطوفين”. وهو هنا يتحدث عن المخطوفين وكأن أمرهم يعنيه هو، ولا يعني طرفًا آخر في التفاوض، وهو نتنياهو. ولو كان المجرم ويتكوف مُجَـرّد وسيط محايد ومُيسِّر للتفاوض، لما تحدث مطلقًا عن بحث خيارات بديلة للإفراج عن المخطوفين، ولكان اكتفى بالحديث عن استمرار بذل المساعي وبحث خيارات أُخرى للوصول إلى اتّفاق بين الطرفين، دون أن يحدّد نتيجة للاتّفاق قبل حدوثه، وهي إطلاق سراح المخطوفين؛ إذ إنه معنيٌّ من حَيثُ الأصل بتيسير التفاوض بين الطرفين، وتحقيق الموازنة بين مطالبهما.

    ولم يقف المجرم ويتكوف عند حَــدِّ تقمص شخصية نتنياهو ليتحدث بلسانه عن سحب فريق التفاوض، والتهديد ببحث خيارات بديلة لم يفصح عنها لحد الآن. والأصل، وفقًا للمجرى الطبيعي للأمور في مثل هذه الحالات، أنه لا يوجد إلا فريقان للتفاوض: فريق يمثل المجرم نتنياهو، وآخر يمثل المجاهدين في قطاع غزة، والآخرون وإن تعددوا هم مُجَـرّد وسطاء مُيسِّرين للتفاوض بين الطرفين؛ لكن لأَنَّ الحقيقة الساطعة هي أن الأمريكي المجرم ويتكوف والصهيوني المجرم نتنياهو طرف واحد في مقابل الطرف الآخر، وإن كان لكل منهما فريق يمثله، فذلك فقط لتحقيق مزيد من الاختراق لفريق الطرف الآخر.

    ولأن المجرم ويتكوف كذلك فعلًا، فقد وصف حماس بقوله إنها “لا تتصرف بحسن نية”. ولا يصح مثل هذا الوصف من جانب وسيط يزعم أنه محايد، والأصل أنه مُيسِّر للمفاوضات للتغلب على نقاط الاختلاف بين طرفيها. لكن هذا هو مسلك الإدارة الأمريكية ذاته منذ جولات المجرم بلينكن، وزير خارجية الإدارة الأمريكية خلال فترة ولاية المجرم بايدن. فقد كان يرفع هو وإدارته سقف الأمل بوصول الجولات التفاوضية لنتائج إيجابية، وما إن يتجاوز الكيان الصهيوني المأزق الذي استدعى الدعوة لعقد جولة تفاوضية، حينها وفي نهاية كُـلّ جولة تفاوضية، كان يعلن عن انهيار المفاوضات؛ بسَببِ حماس، وأحيانًا أُخرى؛ بسَببِ تصلب رئيسها الشهيد السنوار – رضوان الله عليه – وفقًا لما كان يعلنه.

    ومثلما حمّل المجرم ويتكوف حماس المسؤولية بقوله: “حماس لا ترغب في وقف إطلاق النار”، فقد كان سلفه المجرم بلينكن يعلن، كما ذكرنا آنفًا، فشل الجولات التفاوضية بتحميل حماس المسؤولية عن عدم الوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار. غير أن بجاحة المجرم ويتكوف، التي هي جزء من بجاحة رئيس إدارته المجرم ترامب، قد تجاوزت بمراحل سلفه المجرم بلينكن. فلم يكتفِ في تصريحاته بالقول زيفًا وكذبًا وزورًا وبهتانًا إن حماس لا ترغب في وقف إطلاق النار، بل زاد على ذلك بالقول: “من العار على حماس أن تتصرف بأنانية”.

    وهذا المجرم الوقح لا يدرك أن العار كُـلّ العار في تصرفه وتصرف إدارته الإجرامية، الذي ترتب عليه إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء من سكان قطاع غزة، أطفالًا ونساءً وشيوخًا. فلم تكتفِ إدارته بتزويد الكيان الصهيوني بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ وغيرها من المعدات العسكرية، وكذلك توفير الحماية والتغطية على جريمة الإبادة الجماعية في مختلف المحافل الدولية، ورفد خزينة الكيان المجرم بمئات المليارات من الدولارات. وفي ذلك ما يلبسه وإدارته عار الجريمة. ولأنه يتصف وإدارته بالتوحش وانعدام الإنسانية، لم يجد حرجًا في أن يتلبس بمزيد من عار الإبادة الجماعية بالقتل جوعًا، إلى جانب عار الإبادة بالقتل بالطائرات والقنابل التي جادت بها إدارته المجرمة على الكيان الصهيوني المجرم.

    ولم يجد المجرم ويتكوف حرجًا في الإصرار على تحميل حماس المسؤولية، مستشهدًا بما قال إنها “جهود كبيرة بذلها الوسطاء”. وبعد الانكشاف، حاول هذا المجرم هنا العودة إلى حالة التضليل التي سبق له ولإدارته الترويج لها، بزعم أن إدارته وسيط إلى جانب وسيطين إقليميين. والملاحظ منذ وساطة سلفه المجرم بلينكن أنه لا دور للوسيطين العربيين، مصر وقطر، فقد كان الإعلان بفشل المفاوضات يتم من جانب الوسيط الأمريكي، أما الوسيطان العربيان فلم يكن لهما أي تعقيب، رغم أنهما وسيطان في مقابل وسيط مزعوم واحد.

    ومع ذلك، لم يبادر أيٌّ منهما بالقول إن حماس وفصائل المقاومة الإسلامية في قطاع غزة أوفت بالتزاماتها وأن الكيان الصهيوني هو المماطل والمتنصل، وهو ما يؤكّـد أن وجود هذين الوسيطين العربيين مُجَـرّد استيفاء لشكلية معينة. وإلا، فالحقيقة أنهما مُجَـرّد أداتين يستخدمهما الأمريكي فيما يحقّق أجنداته وشريكه الصهيوني، المنفذ المباشر لأفعال جريمة الإبادة الجماعية، ليلبسا عارها معهما.

    ويبدو أن انكشاف المجرم ويتكوف لا يخرج عن أحد احتمالين؛ الأول: امتعاضه وشدة غيظه من تلك العمليات المنكلة بجيش الكيان الصهيوني في مختلف مناطق قطاع غزة، والتي دفعته إلى تجسيد ذلك الغيظ والامتعاض في تصريحاته التي مثّلت فضيحة مدوية له ولإدارته، التي حاولت أن تستر عار اشتراكها في الجريمة بصفة الوساطة، التي روجت لها وكرستها في ذهنية الرأي العام الماكينة الإعلامية المغطية للجريمة.

    والأمر الآخر، أن المجرم ويتكوف حين أطلق التصريحات السابقة لم يكن في حالة طبيعية، ويبدو أنه كان في حالة اللاوعي؛ بسَببِ الإفراط في تناول المسكرات، ظنًا منه أنها يمكن أن تخفف عنه صدمته ووطأتها مما تعرض له جيش الكيان الصهيوني من كمائن على أيدي المجاهدين في قطاع غزة. فلم يجد سبيلًا لإرواء غليله إلا بإطلاق تلك التصريحات المهينة لدوره ودور إدارته المجرمة، والتي كشفت بالفعل أن الوساطة المزعومة لإدارته لا تخرج عن كونها صورة من صور جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، هدفها تحقيق مكاسب عجز الكيان المجرم وجميع شركائه عن تحقيقها في الميدان.

    وبالمقابل، فقد عبرت حماس عن استغرابها ودهشتها من تصريحات الموفد الأمريكي المجرم ويتكوف، مؤكّـدة أن ردها نال إعجاب واستحسان الوسطاء. وحماس تقصد بطبيعة الحال مصر وقطر، إلا أن أيًّا منهما لم يجرؤ على التعليق والتعقيب على تصريحات المجرم ويتكوف، ولو بكلمة واحدة. وهو ما يؤكّـد أن هذين الوسيطَين هما مُجَـرّد أدوات مساعدة يستخدمها الأمريكي لجلب حماس إلى الطاولة والضغط عليها لتحقيق مكاسب من خلال وسيلة التفاوض، عجز الكيان الصهيوني المجرم والإدارة الأمريكية عن تحقيقها على أرض الواقع.

    والواجب على حماس، إقامة للحُجّـة، أن تطلب من مصر وقطر تقييم موقفها بشكل علني وواضح ردًّا على موقف المجرم ويتكوف وإدارته.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الدكتور عبدالرحمن المختار

    spot_imgspot_img