المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    “صنعاء” توجّه تحذيراً شديداً للسعودية والإمارات: “أعيننا لا تغفل.. وصواريخنا جاهزة”

    أطلقت صنعاء تحذيراً مباشراً إلى السعودية والإمارات، محذّرة من أي...

    نداء عاجل من “مفتي ليبيا” إلى علماء الأمة

    وجّه مفتي ليبيا، الشيخ الدكتور الصادق الغرياني، نداءً قويًا...

    التكنولوجيا.. سلاح أمريكا في مواجهة العالم

    في ظل تحوُّل التكنولوجيا إلى سلاح ذي حدين، تبرز ضرورة مُلحّة لإعادة النظر في دعم الشركات التي تُسخِّر ابتكاراتها لقمع الشعوب وانتهاك حُرمة الحياة الخاصة. لم تعد هذه الممارسات مجرد شكاوى نظرية، بل تحولت إلى وقائع مُوثَّقة تَظهر في فضائح تجسس متكررة، مثل استخدام برمجيات “بيغاسوس” لاختراق هواتف النشطاء، أو توظيف منصات سحابية كـ “أزور” في توجيه ضربات عسكرية تستهدف المدنيين. هذه الأدوات، التي صُمِّمت لخدمة البشرية، تحوَّلت إلى أذرعٍ لإخضاعها، مما يفرض على الأفراد والمجتمعات تبني موقف أخلاقي حازم ومقاطعة كل شركة تتحوّل منتجاتها إلى أدوات حرب أو مراقبة.

    الخصوصية، التي طالما نُظر إليها كحق أساسي، أصبحت سلعةً تُباع وتُشترى في سوق البيانات المفتوحة. شركات مثل “غوغل” و”فيسبوك” تجمع أدق تفاصيل حياة المستخدمين تحت ذريعة تحسين الخدمات، بينما تُسلِّم هذه البيانات لاحقًا إلى جهات حكومية أو عسكرية دون موافقة المستخدم. في مصر، كشفت التحقيقات عن استخدام برمجيات أمريكية مثل “فينفيشر” لمراقبة المكالمات واختراق حسابات المعارضين، بينما تُوظَّف نفس التقنيات في دول أخرى لملاحقة الصحفيين وقمع الحريات. هنا، تتحول المقاطعة من فعل احتجاجي إلى ضرورة وجودية لحماية الفضاء الرقمي من التغوُّل الذي يهدد كرامة الإنسان وحريته.

    لا تقتصر المخاطر على انتهاك الخصوصية أو دعم الحروب، بل تمتد إلى تعزيز هيمنة جيوسياسية تكرس التبعية للدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا.
    الولايات المتحدة، عبر تفوقها التكنولوجي، تُحكِم قبضتها على الاقتصاد العالمي من خلال سياسات مثل حظر تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين، أو إجبار الشركات على تقييد استثماراتها في مناطق الصراع، هذا التحكُّم يُحوِّل التكنولوجيا إلى أداة ضغط سياسي، تُستخدم لفرض أجندات تتعارض مع مصالح الشعوب، بينما في المقابل، تظهر بدائل مفتوحة المصدر مثل “ليبر أوفيس” أو ” لارك” Lark كبديل لبرمجيات شركة “ميكروسوفت” كما أن هناك منصات للتواصل الاجتماعي يمكن ان تستخدم بديل لتطبيق ” الواتساب” ومن أشهرها ” تليجرام” وجميع هذه البرامج تُقدِّم نماذجًا لاقتصاد رقمي قائم على الشفافية والاستقلالية، بدلًا من الربح المُطلق.

    وفي هذا السياق ينبغي الإشارة الى أن المقاطعة ليست خطوة عقيمة، بل فعل مقاومة يُعيد التوازن إلى العلاقة بين التكنولوجيا والإنسان، فعندما يرفض المستهلكون منتجات هذه الشركات، فإنهم لا يحمون أنفسهم فحسب، بل يخلقون ضغطًا جماعيًّا يُجبر تلك الكيانات على مراجعة سياساتها، والتاريخ يُثبت أن الاحتجاجات العمالية داخل شركات مثل “غوغل” و”أمازون” أدت إلى إلغاء عقود عسكرية مشبوهة، فيما نجحت حملات مثل “لا لتكنولوجيا الفصل العنصري” في كشف تواطؤ الشركات مع أنظمة قمعية. هذا النوع من التضامن العالمي يُظهر أن الرأي العام قادر على فرض معايير أخلاقية في عالم ظنّته الشركات بلا رقابة.

    في النهاية، المقاطعة ليست مجرد رفض، بل خطوة نحو تأسيس عقد اجتماعي رقمي جديد، تُصان فيه حقوق الأفراد فوق مصالح الشركات، كما أنها تؤسس لمرحلة جديدة من الاستقلالية ودعم البدائل المحلية، وهذا بدوره يؤدي لبناء مستقبل لا تُحوَّل فيه التكنولوجيا إلى سجان، بل تظل أداة للتحرير والإبداع، وعلى الجميع أن يدرك بأن كل قرار يسمح بشراء منتج أو استخدام خدمة ينتجها الأمريكان أو الصهاينة فإنما هو تصويت على طبيعة العالم الذي نريده، فهل تريد عالم تُكرَّس فيه التكنولوجيا لخدمة الإنسان، أم تريد عالما تستخدم فيه التكنولوجيا لاستعباد الإنسان وقتله.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     الدكتور عبدالعزيز الحوري

    نائب رئيس الهيئة العامة للعلوم والبحوث والتكنولوجيا والابتكار

    spot_imgspot_img