المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الحوثي يهاجم المطالب العربية بنزع سلاح المقاومة: “مطلب صهيوني أمريكي وغباء سياسي”

    هاجم قائد حركة أنصار الله عبدالملك الحوثي “الأطروحات العربية...

    مخاوف صهيونية من استهداف منصات الغاز وخنق شريان الطاقة

    كشفت دراسة صادرة عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي عن...

    درس من التاريخ… لماذا تخلى الكيان عن سيناء لمصر؟

    سيناء المصرية وقعت تحت الاحتلال الصهيوني في نكسة يونيو 1967، في أقوى انتصارٍ ساحق للكيان على الجيوش العربية مجتمعة، لكن تخلّي “إسرائيل” عنها لصالح مصر يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة الموقف الصهيوني.

    فالمعروف عن “إسرائيل” أنها تأخذ ولا تعطي، كما أنها لا تفي بأي اتفاقيات تلتزم بها، كما في اتفاقية أوسلو، ولا تنسحب – غالباً – إلا وهي مدحورة، كما حدث في جنوب لبنان عام 2000، ولم نرَ بعضاً من ذلك في سيناء المصرية، سوى ما كان من عبور لخط “بارليف” عام 1973، وهو انتصار مؤقت لا يمثّل هزيمة لجيش الكيان، وكان بإمكانه تدارك الأمر واستعادة كل ما خسره في تلك المعركة، فالحرب بالنسبة للجيش المصري كانت مجرد فزعة مؤقتة، ومن المستحيل أن تصمد أمام سياسة النفس العسكري الطويل لجيش الاحتلال.

    وإذا افترضنا أن الانسحاب كان بدافع السلام، فهذا هو الوهم بذاته، فمتى كانت “إسرائيل” تؤمن بالسلام أو ترى فيه وسيلة للتعايش مع الآخرين؟
    والأدهى أن سيناء أرض مقدسة لدى اليهود، وهي جزء من مخطط “إسرائيل الكبرى” الذي لا يزال العمل عليه جارياً حتى اليوم، وبالتالي فإن ذلك التخلي ودوافعه لا تزال غامضة وغير معلنة من جانب الصهاينة.

    ولعل السبب الأبرز هو مساحة سيناء التي تبلغ ثمانين ألف كم²، وعدم قدرة جيش الاحتلال على تغطيتها بالكامل، خاصة أن اتفاقية كامب ديفيد تزامنت مع غزو “إسرائيل” لجنوب لبنان عام 1978، وكان على الكيان أن يقدّم بعض التنازلات حتى يتسنّى له تنفيذ الغزو الكبير للبنان عام 1982، والذي انتهى باحتلال العاصمة بيروت، فجيش الاحتلال لا يقوى على مجابهة حربين في آنٍ واحد، سيّما وجبهة لبنان لم تسقط بالضربة القاضية كما حدث لمصر وسوريا والأردن سنة 1967، وظلّت المقاومة مستمرة هناك على مدار الساعة، ما أجبر العدو على الانسحاب من سيناء، وكذلك من بيروت، فقوته العددية لا تكفي لمجابهة كل ذلك الضغط.

    السؤال يتجدّد اليوم في سورية، فجيش الكيان قادر على غزو البلاد دونما مقاومة، ولكنه يعجز حتى اللحظة عن فعل ذلك، والسبب أن جنوده مرهقون بسبب عدوانهم على قطاع غزة، فالمساحة الصغيرة هناك شكّلت أنسب ساحة لاستنزاف العدو على الإطلاق، ولم يعد مجدياً أن يُقدِم على أي عنتريات في ظل الحرج الراهن، وقد ينتهي الأمر بكارثة كبرى لجيش الاحتلال، طبعاً ليس في سورية وإنما في غزة نفسها، فالمجاهدون هناك أثبتوا صموداً عجيباً وقدرة فائقة على التكيّف مع معطيات العدوان رغم قسوتها، ومن المخيف للعدو أن ينشغل جيشه بجبهة أخرى ذات مساحة واسعة، فقد يؤدّي ذلك إلى اختلالٍ غير محسوب العواقب في جبهة غزة.

    ولذا، يلجأ العدو إلى التفاهمات السياسية للتغطية على عجزه العسكري في الميدان، ففي عام 1978، اضطر العدو لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد والانسحاب من سيناء، بعد أن ضمن تحييد الجيش المصري من الصراع من جهة، وإلزامه بمهام الدفاع عن الحدود الغربية والجنوبية للكيان من جهةٍ أخرى، أي أن العدو حقق بالمفاوضات ما لم يكن ليحققه بالقوة، وبالتالي تفرّغ لحرب لبنان التي ظلّت مفتوحة لأكثر من عقدين.

    الأمر ذاته ينطبق على الجبهة السورية، فتل أبيب تريد من خلال السياسة أن تضمن حياد الحكومة الجديدة، وأن تتحول قواتها إلى حرس حدود للكيان، وأن تحقّق نصراً معنوياً هناك للتغطية على فشل عدوانها الذريع على إيران واليمن، وليس سوى سورية تصلح لتحقيق هكذا انتصارات، ومن المتوقّع أن يستمر التقدّم والقصف لخلق نوعٍ من الإرهاب في نفوس السوريين.

    ولكن الوضع قد يتغير بين ليلةٍ وضحاها، وأيّ تغيير سيكون له نتائج كارثية للعدو الصهيوني، فأيّ اختلال في الموازين الحالية في سورية من شأنه أن يقلب الطاولة على تل أبيب، سيّما إذا ظهرت مقاومة شعبية ضد الاحتلال في الجنوب السوري قبل حسم المعركة في قطاع غزة، عندها لن يتمكن العدو من حسم الجبهتين على الإطلاق، وسيدخل في حرب استنزاف طويلة الأمد من شأنها أن تخلق خطراً وجودياً على الكيان برمّته.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img