المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    إدانات واسعة لجريمة اغتيال خمسة صحفيين في غزة

    أثارت جريمة الاغتيال التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق مجموعة...

    الشهيد أنس الشريف: هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة “نص الوصية”

    هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة. إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن...

    ردود فعل متفاوتة للمستخدمين بعد إطلاق “شات GPT5”

    أطلقت شركة "أوبن إيه آي" نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد...

    بعد معركة طوفان الأقصى.. الانتحار والاضطرابات النفسية تهدد صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي

    يشهد جيش الاحتلال الإسرائيلي تصاعدًا ملحوظًا في حالات الانتحار والأزمات النفسية بين صفوف جنوده، منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023. هذه الظاهرة باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الداخلي للجيش، حتى أن الانتحار أصبح السبب الثاني للوفاة بعد القتال المباشر في ميدان المعركة.

    تشير دراسات حديثة صادرة عن جهات داخل الاحتلال الإسرائيلي إلى أن الانتحار بين الجنود بات ظاهرة متفشية، ويعود ذلك بشكل مباشر إلى الأثر النفسي العميق الذي خلفته المواجهات العنيفة مع المقاومة الفلسطينية، والتي ترافقت مع كمائن وعبوات ناسفة وقنص متواصل على أرض قطاع غزة.

    في محاولة للتصدي لهذا الخطر المتنامي، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتوفير مراكز متخصصة للصحة النفسية وزيادة أعداد الأطباء النفسيين العاملين في وحداته المختلفة، لكنّ هذا الجهد لم يكن كافيًا لاحتواء الأزمة.

    وقد أظهرت دراسة أجريت في 2024 شملت 695 جنديًا سابقًا تلقوا علاجًا نفسيًا، أن هذه الفئة تعاني من أعراض مركبة تشمل الإدراك السلبي والحالة المزاجية المتدهورة، مما ساهم في توليد أفكار انتحارية لديهم. كما أظهرت دراسة أخرى متابعة لـ374 جنديًا على مدى خمس سنوات، وجود شعور متنام بالذنب تجاه ما مرّ به الجنود أثناء العمليات القتالية، مما رفع من خطر الانتحار.

    وبحسب بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد سجلت حوادث الانتحار ارتفاعًا مستمرًا منذ عام 2005، إذ توفي 202 جنديًا نتيجة الانتحار حتى نهاية 2013، ثم استمرت الأرقام بشكل متفاوت سنويًا بين 9 و21 حالة حتى عام 2024. وفي عام 2025 وحده، وصل عدد المنتحرين إلى 18 جنديًا حتى يوليو.

    الدراسات الصادرة عن برنامج الوقاية من الانتحار بوزارة الصحة الاحتلال الإسرائيلي أوضحت أن الهجوم المفاجئ الذي شنه المقاومون الفلسطينيون على مستوطنات غلاف غزة أدى إلى تآكل الثقة داخل صفوف الجيش، وولد شعورًا بالفشل والإحباط والذنب بين الجنود، مما دفعهم نحو اضطرابات نفسية خطيرة، وأدى إلى تصاعد حالات الانتحار. بالإضافة إلى ذلك، أدى طول أمد الحرب في غزة إلى تراكم الضغوط النفسية، ما زاد من تفاقم الأزمة.

    في يناير 2025، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي توقف آلاف الجنود عن أداء مهامهم القتالية بسبب الضغوط النفسية، مؤكدًا أن الانتحار أصبح ثاني أكثر أسباب الوفاة شيوعًا بين الجنود بعد القتال المباشر منذ أكتوبر 2023. كما استقبل جناح إعادة التأهيل آلاف الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية حادة تشمل اضطراب ما بعد الصدمة، والكآبة، والقلق، واضطرابات النوم.

    وأكد تقرير من شبكة “إران” النفسية أن خط المساعدة النفسية تلقى في يونيو 2025 أكثر من 6 آلاف مكالمة من جنود، 28% منها لحالات ضائقة نفسية حادة، و20% بسبب القلق والصدمات، بينما عانى 10% من مشاكل اجتماعية خطيرة.

    وتشير التقييمات إلى أن أسباب هذه الظاهرة تكمن في عدة عوامل رئيسية، منها الفشل في التصدي لهجمات المقاومة الفلسطينية، والخوف المستمر من الكمائن، وعدم استجابة القيادة العسكرية لمخاوف الجنود من العودة للقتال، وتأنيب الضمير تجاه ما يحدث في غزة، إلى جانب البيروقراطية العسكرية والإهمال الواضح للجنود في الميدان.

    ردًا على ذلك، اتخذ جيش الاحتلال الإسرائيلي خطوات عدة لتعزيز الدعم النفسي، شملت توفير خطوط مساعدة على مدار الساعة، وزيادة أعداد ضباط الصحة النفسية، ونشر فرق الدعم في مناطق القتال، فضلاً عن إقامة عيادات متخصصة في المدن، وتشكيل فرق علاج متنقلة توفر الرعاية في المنازل.

    ومع ذلك، أقر الجيش بصعوبة احتواء هذه الأزمة النفسية المتفاقمة، مشيرًا إلى أنه منذ بداية الحرب وحتى منتصف 2025 تم تجنيد حوالي 800 اختصاصي نفسي مدني بموجب “الأمر 8” لتقديم الدعم لجميع الجنود المتضررين نفسيًا.

    كما يفرض الجيش قيودًا صارمة على تلقي الجنود للعلاج النفسي خارج وحداتهم العسكرية، حيث لا يُسمح لهم بمراجعة مراكز علاج مدنية دون إذن مسبق، وعند مخالفة ذلك قد يتعرضون للمساءلة.

    وتتوزع خدمات الصحة النفسية في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر عدة مؤسسات، أبرزها وحدة الصحة النفسية التي تأسست عام 1967 وتضم حوالي 250 ضابطًا متخصصًا في تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية للجنود. كما تشمل الخدمات عيادة الصدمة القتالية، ومركز “ناتال” لرعاية الجنود والجرحى وعائلاتهم، ودار المحارب لدعم المسرحين، وقسم إعادة التأهيل، والمعهد الإسرائيلي لإعادة التأهيل العصبي والنفسي.

    هذا الواقع يكشف عن جانب مظلم من الحرب المستمرة في غزة، حيث تتحول المعارك الميدانية إلى صراع نفسي داخلي يصعب على جيش الاحتلال الإسرائيلي السيطرة عليه، مع ما يحمله ذلك من تداعيات أمنية وسياسية قد تؤثر على استقرار المؤسسة العسكرية مستقبلاً.

    المصـــــــــــدرالصحافة العبرية
    spot_imgspot_img