في أواخر سبتمبر الماضي 2024، وبعد استشهاد السيد حسن، رضوان الله عليه، نشرتُ مقالاً بعنوان: “لبنان قد يختفي من الخارطة بعد السيد حسن”، ذكّرتُ فيه بواقع الدولة اللبنانية وشعبها دون حزب الله، فهي قبله كانت مستباحة من العدو الإسرائيلي، الذي اعتاد جنوده على غزو البلاد كما لو كانت نزهة، على غرار ما نراه اليوم في سورية الشقيقة.
وبالحديث عن سورية، فقد ذكرتُ أيضًا أن رحيل السيد قد يجعل لبنان عرضة لهجمات التكفيريين القادمين منها، وكان ذلك قبل سقوط دمشق في ديسمبر من العام نفسه، ما يعني أن الخطر على لبنان قد تضاعف، وأن شعبه بانتظار مصير يشبه مصير الأقليات في الساحل والسويداء، فمشروع التكفيريين عابر للحدود ويحظى بدعم أمريكي، وقد جاهر مسؤولون أمريكيون بذلك، كما جاء على لسان المدعو “توم براك”، الذي لمّح إلى عودة لبنان إلى بلاد الشام، في تهديدٍ علني لدعاة الاستقلال من الفرقاء اللبنانيين.
العجيب أن واشنطن تطالب بنزع سلاح حزب الله في الوقت الذي تعلن فيه أنها لا تضمن التحركات الإسرائيلية! فهي تريد بلدًا أعزل، لا رجال فيه إلا على بعضهم البعض، كحال سورية. وعندها ستقتحم القوات الصهيونية البلاد وترتكب من الجرائم ما هو أبشع مما نراه في غزة، فثأرها مع حزب الله كبير، وسيدفع ثمنه الجميع، فهي في غزة تقتل بالجملة دونما تفريق بين مؤيد ومعارض لحماس والمقاومة، وهذا حال الشعب اللبناني عما قريب إن تخلّى الحزب عن سلاحه.
أما في الحالة الأخرى، فستُسلِّط واشنطن العناصر التكفيرية على البلاد، ولن يعترض طريقهم إلا رجال الحزب. ومع ذلك، قد تقع جرائم شنيعة إذا تمكنت عصابات الجولاني من السيطرة على أي جزء من لبنان، وهذا وارد في ظل التفوّق العددي للتكفيريين. والكارثة أن خصوم الحزب سيطالبون بنزع سلاحه ويحملونه مسؤولية التصعيد! وهذه لغة تكفيرية أخرى تخدم العدو الصهيوني، فالوهابية المسيحية في لبنان لا تقلّ عداءً للمسلمين والأقليات عن الوهابية السنية، فمصدر التثقيف واحد، والتمويل أيضًا واحد.
خلاصة القول إن الوضع كارثي في كل بلاد الشام، والمستقبل هناك لا يقلّ قتامةً عن حال العراق بعد استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام. فسنة الله في خلقه واحدة: كما فرّط العراقيون في ذلك العصر ودفعوا ثمن تفريطهم قرونًا، فإن البلاد الشامية موعودة بالمصير نفسه، لتفريطها في السيد حسن، رضوان الله عليه. وكان الأعدل والأصوب لأهل الشام أن يساندوه في مواجهة العدو الصهيوني ويقاتلوا إلى جانبه، لكنهم جاهروا بعداوته والولاء لأعدائه، ولهذا النوع من الإجرام عواقب كارثية تمتدّ لأجيال.
لقد كان السيد حسن رمزًا من رموز الحق في مواجهة الباطل، وقد مثّل خروجه من لبنان آيةً من آيات الله، لأن نصرته للحق والمستضعفين لا تكون إلا على يد أوليائه. والقضية هنا لا تخصّ الشيعة وحدهم، فهو ناصرٌ للأمة كلها، والتفريط فيه تفريطٌ في الدين والحق، وسيدفع الثمن أجيال وأجيال من أبناء الشام. وما سقوط دمشق، وانتصار التكفيريين هناك، والمجازر التي يرتكبونها، إلا من العواقب التي تلت رحيل السيد حسن.
وللأسف، فإن هذا حال العرب مع آل بيت نبيهم منذ اليوم الأول لرحيله عنهم، فليس هناك إمام أو قائم حقّ من آل البيت إلا مات مقتولًا مغدورًا به. ولهذا، لم ولن يسود العرب ما عاشوا، والمفارقة أن الأعاجم من الفرس عرفوا قيمة أولياء الله من آل البيت أكثر من العرب. فالإمام الخميني، وهو قائم حقّ من آل البيت، مات على فراشه، لأن الفرس افتدوا وليهم بالأرواح، وحمَوه كما يحمون أنفسهم وأهلهم. ولذلك، لن تسقط الأمة الإيرانية، ولن يلقى أبناؤها شيئًا من المصير العربي المأساوي، إذ إنهم بذلك قد حموا دينهم ودنياهم وأجيالهم القادمة من الهلاك.