المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الرؤية القرآنية لمشاعر الكراهية والأحقاد

    السخطُ بجميع أشكاله حالةٌ شعوريةٌ فطريةٌ في كل إنسان، وليس المطلوب منا أن نتخلى عنها، فذلك من المستحيلات، ولكن ينبغي توجيهها إلى موضعها الطبيعي، وِفق التوجيهات الإلهية المُلزِمة لنا. وكما فهمنا من الدرس الأول من دروس معرفة الله (معنى “لا إله إلا الله”)، فإن المشاعر الفطرية كلها يجب أن تكون في طاعة الله. فالحب مثلاً، يجب أن يكون لله وفي الله، وكذلك سائر الحالات العاطفية كالطمع والخوف وسائر المشاعر التي تُصنَّف في “علم النفس” ضمن ما يُسمى بالمشاعر السلبية. والحقيقة أنها ليست كذلك إذا وُجِّهت وِفق الأوامر الإلهية التي خُلِقت من أجلها.

    وبالنظر إلى موقف الثقافة القرآنية من العداء نجد الواقعية بكل ثقلها، ما عكس حكمة الله وعدله، فليس من المنطقي ولا من الفطرة أن يتسامح الإنسان مع من يعتدي عليه، بل أن يرد العدوان بالعدوان: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]. ولم يكتفِ النص القرآني بذلك، بل كشف لنا هوية أعدائنا وطبيعة مشاعرهم وما يجب علينا فعله لردع شرورهم، فالآية الكريمة في سورة النساء التي تقول: {والله أعلم بأعدائكم} [النساء: 45] جاءت بعد الحديث عن أهل الكتاب وخطورة الدور التضليلي (الإعلامي) الذي يقومون به: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل} [النساء: 44].

    فأهل الكتاب بشقيهم اليهودي والنصراني، هم الأعداء التاريخيون والحقيقيون للأمة الإسلامية، وأي انحراف عن هذه العداوة يعكس – في حد ذاته – واقعية هذه الآية التي تكشف خطورتهم في قلب المفاهيم وتوجيه بوصلة العداء إلى غير مكانها الطبيعي، وهو ما نشهده اليوم من إعادة تعريف الأعداء للقادة العرب، ونجحوا إلى حدٍّ كبير في إقناع الفئات الضالة بأن العدو للأمة هي إيران وليس الكيان وحلفاؤه.

    ولخطورة الأمر وخطورة العداوة، فإن مجرد التصديق بروايتهم الإعلامية من شأنه أن يُخرج الأمة من حالة الإيمان إلى حالة الكفر، فالله قد كشف حقيقة مشاعرهم وطبيعة تحركاتهم، ومن الجهل والغباء أن نركن إليهم عقب كل ذلك الشرح الإلهي المصاحب لتوصيف دقيق لخداعهم وتضليلهم: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} [آل عمران: 100]. كما اعتبر المودة لهم من الموبقات للدين: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة: 51].

    وبالنسبة للسلام مع أهل الكتاب، فلن يتحقق على الإطلاق، فمفردة “سلام” ليست في قاموسهم على الإطلاق، وسيستمرون في قتال الأمة الإسلامية وذبح أبنائها حتى يصلوا إلى غايتهم المنشودة: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة: 217]. وبالتالي فإن كل حديث عن السلام معهم والتعايش بيننا وبينهم مجرد إجراءات تكتيكية ضمن استراتيجية العداء الشامل في ثقافتهم.

    أما عن الرؤية القرآنية للحل، فهي مقسومة على مرحلتين تبدأ بإظهار العداء لهم ونشر مشاعر السخط تجاههم، فذلك من الاستجابة لتوجيهات الله، ولها تأثيرها الكبير على مجريات الواقع، فهم لا يتحركون لقتال الأمة إلا بعد تحييدها عن مشاعر الغضب والسخط تجاههم: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله} [المجادلة: 22]، {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة: 51]، {لا يتخذِ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تُقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} [آل عمران: 28]، ﴿ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلَوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور﴾ [آل عمران: 119].

    والشواهد القرآنية كثيرة، وكلها تؤكد وجوب العداء وإظهار مشاعر السخط تجاههم، بما في ذلك الهتاف بالموت لهم، ومن هنا أعلن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين رضوان الله عليه شعار البراءة ضدهم، فهو سلاح وموقف، وله تأثيره الكبير في نفوسهم ونفوس كل الموالين لهم، كما أنه يفضح كل العقائد والتوجهات التي من صنعهم، فكل موقف معارض للصرخة منبعه ثقافات مغلوطة دخيلة على واقعنا، إذ ليس من الإسلام ولا من العقل والحكمة أن نغضب ممن يصرخ بالموت لهم، بينما لا يتورعون في قتل المسلمين ليل نهار في غزة وغيرها من البلاد الإسلامية.

    أما المرحلة الأخرى من التوجيهات القرآنية، فهي في إعلان الحرب عليهم حتى يتوقفوا صاغرين عن كل أنشطتهم العدائية تجاه المسلمين وسائر البشر: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14]، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]، {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29].

    ولكن لا يمكن لهذه المرحلة أن تتحقق قبل المرحلة الأولى، فمشاعر السخط ضرورية قبل التحرك لقتالهم، فالحرب تبدأ في النفوس والمشاعر قبل ميادين القتال، وهم يدركون هذه الخطوة تمامًا، ولذا يعملون على إزالة أي مشاعر سخط موجهة ضدهم، ومن هنا تتحرك كل الجماعات الضالة لمعاداة الصرخة، فهم مجرد أدوات تتحرك لخدمة المخططات اليهودية، وتحول دون العداء معهم، فهم أشبه بالجُدُر التي يتحصنون خلفها، كما أوضح الله: {لا يقاتلونكم إلا من وراء جُدُر} [الحشر: 14].

    يتضح من الرؤية القرآنية أن مشاعر الكراهية والسخط ليست مذمومة في ذاتها، بل تُعد ضرورية إذا وُجهت توجيهًا صحيحًا وفق التوجيهات الإلهية، خاصة تجاه أعداء الأمة من أهل الكتاب. فالقرآن لا يدعو إلى التسامح المطلق، بل إلى الوعي والعداء الواجب لمن يحاربون الدين ويضلّلون الأمة، مؤكدًا أن المعركة تبدأ من الوجدان والموقف قبل أن تصل إلى ميدان القتال، وأن البراءة من أعداء الله من اليهود والنصارى جزء لا يتجزأ من الإيمان الصادق.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img