في خطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته وضع شرطة واشنطن العاصمة تحت السيطرة الاتحادية، ونشر قوات الحرس الوطني في شوارع العاصمة، بحجة “إرساء القانون والنظام والسلامة العامة”.
وأكد ترامب، في تصريحات أدلى بها للصحفيين بالبيت الأبيض، أن العاصمة “استولت عليها عصابات عنيفة ومجموعات من الشباب الجامحين والمدمنين والمشردين”، واصفاً الوضع فيها بـ”الجحيم الحضري“، وحمّل الديمقراطيين مسؤولية ما وصفه بـ“الفوضى المزعومة”، جراء ما اعتبره “تراخياً في مواجهة الجريمة”.
لكن تقارير لصحف أميركية بارزة، أبرزها نيويورك تايمز وواشنطن بوست، كشفت أن قرار ترامب يستند إلى إحصائيات قديمة ومتحيزة، وتتجاهل واقعاً أمنياً مختلفاً تماماً.
كما أظهرت بيانات وزارة العدل أن اعتقالات القاصرين في واشنطن تراجعت بنسبة 20% خلال 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بينما ارتفعت في مدن أخرى كالبالتيمور ونيويورك، رغم استمرار انخفاض الجريمة العنيفة فيها.
وأشارت واشنطن بوست إلى أن ترامب دمج بين مؤشرات جريمة من مدن مختلفة وأزمنة مختلفة لرسم صورة أكثر سواداً عن العاصمة، مستخدماً قصصاً فردية عن جرائم دموية لـإثارة العواطف وتضخيم التهديد، في خطاب وصفته بـ”التحريضي”.
وأكدت الصحيفة أن القرار لا يقدم حلاً جذرياً، بل يُعدّ “استعراضاً مؤقتاً للقوة”، مشيرة إلى أن مكافحة الجريمة تتطلب زيادة دائمة في عدد أفراد الشرطة، بعد أن تراجع عددهم في واشنطن إلى أدنى مستوى منذ نصف قرن (نحو 3350 ضابطاً عام 2023).
ترامب يستخدم قانون “دي سي هوم رول” لفرض السيطرة
يُعتمد ترامب على قانون “دي سي هوم رول”، الذي أقرّه الكونغرس عام 1973، ويمنح الرئيس صلاحية السيطرة المؤقتة على شرطة العاصمة لمدة 30 يوماً، لكن التفاصيل العملية للتنفيذ تبقى غامضة، خصوصاً في ما يتعلق بتوزيع المهام بين الشرطة المحلية وقوات الحرس.
انقسام إعلامي: دعم من وول ستريت جورنال وتحذيرات من “إنترسبت”
بينما أشادت افتتاحية وول ستريت جورنال بالخطوة، واعتبرتها “ضرورة لتنظيف العاصمة من الفوضى”، وربطتها بسياسات مثل “الملاذ الآمن” وتمكين غير المواطنين من التصويت، حذّرت تقارير أخرى من تداعيات خطيرة.
وأكد مراسلو وول ستريت جورنال أنفسهم، في تقرير منفصل، أن نشر الحرس الوطني يمثل تصعيداً مثيراً للجدل، وتوسعة غير مسبوقة لدور الجيش في الشؤون الداخلية، في تحدٍّ لـقانون بوسي كوميتاتس الذي يحظر استخدام الجيش في تطبيق القانون الداخلي، إلا في حالات استثنائية.
واعتبر الكاتب رادلي بالكو في مجلة إنترسبت أن الخطوة تُعدّ اختباراً لتوسيع صلاحيات الرئيس، وتنذر ببناء دولة بوليسية، حيث تُستخدم القوات المسلحة لقمع الحريات المدنية وفرض السيطرة على المدن التي تحكمها قيادات ديمقراطية.
“هذه ليست استجابة للجريمة، بل محاولة لترهيب المعارضين وقمع الاحتجاجات”، وفق بالكو.
مظاهرات وتحذيرات من تأبيد السيطرة
وأعرب سياسيون ديمقراطيون وجماعات حقوق مدنية، بحسب موقع ذا هيل، عن قلقهم من أن القرار يُستخدم كأداة لـقمع الاحتجاجات، لا كاستجابة أمنية، مشيرين إلى أن ترامب سبق أن نشر أكثر من 5 آلاف من الحرس الوطني في 2020 لقمع متظاهرين سلميين، كما أصدر عفواً شاملاً عن مشاركين في اقتحام الكابيتول عام 2021.
وأثار قرار ترامب تساؤلات حول ما إذا كان سيُنهي الانتشار بعد 30 يوماً كما يقتضي القانون، أم سيبحث عن طرق لتمديده، خاصةً بعد أن وصف في منشور على وسائل التواصل بقاء الجريمة في العاصمة بأنه “فشل”، ووعد بجعلها “خالية تماماً من الوحشية والقذارة والهمجية”، دون تحديد معايير ملموسة للنجاح.
خلاصة: خطوة أمنية أم توسيع للسلطة؟
في الوقت الذي تُبرر فيه الإدارة الفدرالية قرارها بحماية “السلامة العامة”، ترى وسائل إعلام أميركية متطابقة في التحذير: أن استخدام الجيش داخل المدن، استناداً إلى إحصائيات مشوهة، وضد واقع أمني مُثبت، قد يكون مقدمة لدولة بوليسية، حيث تُستغل المؤسسات الأمنية لفرض السيطرة السياسية، لا لخدمة الشعب.