بحسب استطلاع الرأي الذي أجرته مديرية الإحصاء واستطلاعات الرأي في المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، بين 27 تموز الماضي و4 آب الجاري، ونشر مؤخراً أن أكثر من 60% من اللبنانيين يرفضون سحب سلاح المقاومة، وهو رقم لافت في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي يعيشه لبنان. هذا الموقف لا يستند فقط إلى اعتبارات أيديولوجية أو حزبية، بل يعكس قراءة واقعية للمعطيات الأمنية والتجارب التاريخية التي مر بها البلد.
ضعف الدبلوماسية أمام التهديدات الفعلية
ترى الأغلبية اللبنانية أن الدبلوماسية وحدها غير قادرة على مواجهة التهديدات، خصوصاً مع كيان الاحتلال، وذلك استناداً إلى سجل التجارب السابقة التي أثبتت أن الاتفاقات والضمانات الدولية لم تمنع الاعتداءات أو الهجمات المتكررة.
وفي ظل غياب قوة ردع فعلية على الأرض، تبقى المفاوضات والرسائل الدبلوماسية محدودة التأثير، بينما يشكل سلاح المقاومة الأداة العملية الوحيدة لردع أي اعتداء محتمل. كما أن التعقيدات الإقليمية وتضارب مصالح الدول الكبرى تزيد من احتمالية تجاهل التحذيرات الدبلوماسية، ما يجعل وجود قوة حقيقية ملموسة على الأرض ضرورة تكمل الجهود السياسية وتمنح لبنان ثقلاً يضمن حماية حدوده واستقراره الداخلي.
دروس التجربة السورية
الفئة الثانية الرافضة استحضرت ما جرى في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع (الجولاني)، حيث تعرضت الأقليات لاستهداف مباشر بمجرد فقدانها أدوات الدفاع الذاتي كما جرى في الساحل السوري حيث تعرض العلويون للقتل والتهجير.
من وجهة نظرهم، فإن أي نزع لسلاح المقاومة في لبنان سيخلق فراغاً أمنياً مشابهاً، خاصة في ظل استمرار وجود السلطة الحالية في دمشق التي تُعتبر، بالنسبة لهم، عامل تهديد محتمل إذا تراجعت قدرات الردع اللبنانية.
لذا يخشى اللبنانيون من التطورات في سوريا بقيادة الجولاني ومن القوى المتحالفة معه باعتبارها مصدر تهديد وجودي وفقدان الضمانات الدفاعية للأقليات أدى إلى تعرضها للتهديد والاعتداء، وأن الفوضى والتحولات السياسية يمكن أن تنتقل سريعاً عبر الحدود لتؤثر على الاستقرار اللبناني.
كما أن أي فراغ أمني قد يُستغل لإعادة فرض سياسات أو واقع مشابه لما حدث في سوريا، ما يجعل البقاء على سلاح المقاومة عامل حماية أساسي لضمان الاستقرار الوطني والحفاظ على التنوع الطائفي والمجتمعي هذه القراءة تربط الأمن الداخلي بالتحولات الإقليمية وتعتبر أن موقع لبنان الجغرافي والسياسي يجعله عرضة لتداعياتها.
محدودية قدرة الجيش اللبناني على الردع
السبب الثالث لرفض غالبية المستطلَعين نزع سلاح المقاومة هو إدراكهم لمحدودية قدرات الجيش اللبناني في مواجهة أي عدوان إسرائيلي منفرداً. فالجيش، رغم دوره الوطني وحضوره على الساحة الداخلية، لم يخض في تاريخه مواجهة مباشرة وشاملة مع الاحتلال الإسرائيلي بغياب المقاومة. كما أن الفارق في الإمكانات العسكرية، من حيث التسليح والتجهيز والخبرة الميدانية، يجعل من الصعب الاعتماد عليه وحده لصد أي هجوم واسع النطاق.
يمثل سحب سلاح المقاومة خطراً استراتيجياً على لبنان لأنه يخلّ بميزان القوى القائم مع العدو الإسرائيلي، ويجعله بلا قدرة ردع فعلية أمام أي عدوان محتمل.
التجربة التاريخية مع الاحتلال تثبت أن غياب الردع يشجع العدو على التمادي في الاعتداءات وفرض شروطه، سواء في الملفات الأمنية أو الاقتصادية كالمياه والغاز وترسيم الحدود. إضافة إلى ذلك، فإن تفكيك هذه القوة يفتح الباب أمام فراغ أمني داخلي قد تستغله قوى إقليمية أو جماعات مسلحة لزعزعة الاستقرار، كما حصل في دول أخرى فقدت قدراتها الدفاعية، ما أدى إلى انهيارات أمنية وسياسية واقتصادية متتالية.
قرار استراتيجي لا يحتمل التجاذب
المؤشرات المستخلصة من هذا الاستطلاع توحي بأن نزع سلاح المقاومة سيكون، في نظر غالبية اللبنانيين، أكبر خطأ استراتيجي يمكن أن يُرتكب بحق البلد. هذا الموقف، المدعوم بالتجربة التاريخية مع “إسرائيل” وبالواقع الإقليمي، يفرض التعامل مع ملف السلاح كجزء من منظومة الدفاع الوطني، لا كمجرد بند خلافي في السجال السياسي الداخلي.
فالاعتبارات الأمنية والرادعة التي تبرر الإبقاء عليه تتجاوز الانقسامات الآنية، وتشير إلى ضرورة التوافق على هذا الملف كقرار جامع يحمي لبنان من التهديدات المستمرة.