المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    صنعاء تؤكد جهوزيتها الكاملة لمواجهة “تحركات العدو” وتعزيز صمود الشعب

    عقدت قيادة المنطقة العسكرية السادسة اجتماعاً موسعاً برئاسة قائد...

    لماذا تخشى إسرائيل “الحوثيين” وما إمكانية خوض مواجهات ميدانية ؟

    بالتوازي مع ترتيبه لتصعيد جديد بغزة  سعر  الاحتلال الإسرائيلي...

    معهد البحرية الأمريكية: هزيمة مدوية للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر

    نشر معهد البحرية الأمريكية تقريراً مطولاً يسلط الضوء على...

    أردوغان… بطل الخطابات وصديق الصهاينة

    تُعد القضية الفلسطينية إحدى أكثر القضايا حساسية في الوعي العربي والإسلامي، وهي تمثل معيارًا لاختبار صدقية المواقف السياسية للدول والأحزاب والزعماء في المنطقة. وفي هذا السياق، برز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلاعب سياسي يوظف هذه القضية في خطابه العام، محاولًا تقديم نفسه بوصفه نصيرًا للشعب الفلسطيني، ومناهضًا لسياسات الكيان الصهيوني. غير أن تحليلًا معمقًا للممارسات الفعلية لسياساته الخارجية والاقتصادية يكشف تناقضًا جوهريًا بين الشعارات المعلنة والمواقف العملية على أرض الواقع.

    منذ توليه السلطة، اعتمد أردوغان على استراتيجية سياسية وإعلامية تقوم على إبراز موقف داعم لفلسطين ومعادٍ للكيان الصهيوني. ويتجلى ذلك في خطبه الحماسية التي يلقيها في المحافل الدولية والمهرجانات الشعبية، حيث يوظف لغة مشحونة بالعاطفة الدينية والقومية، ويقدم نفسه بوصفه مدافعًا عن المسجد الأقصى وحقوق الفلسطينيين.

    إلا أن هذه الاستراتيجية، وفق منطق تحليل الخطاب، تندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ”السياسات الرمزية”؛ أي إنتاج مواقف لفظية تهدف إلى التأثير على الرأي العام دون الالتزام بخطوات سياسية عملية تدعم تلك المواقف.

    البيانات الإحصائية الصادرة عن هيئات التجارة في تركيا والكيان الصهيوني تكشف عن استمرار وتنامي، التبادل التجاري بين الجانبين حتى في مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023، فقطاعات حيوية مثل الطاقة، والمواد الخام، والسلع الاستهلاكية، ظلت تتدفق بين الموانئ التركية والإسرائيلية.

    هذا الواقع يطرح سؤالًا جوهريًا حول مدى جدية الموقف التركي، إذا كان أهم أداة ضغط اقتصادية ـ وهي وقف التبادل التجاري ـ لم تُستخدم إطلاقًا.
    دبلوماسياً، فإن تركيا لم تتخذ خطوات جادة، مثل خفض مستوى التمثيل، أو تعليق الاتفاقيات الثنائية، أو الانسحاب من مشاريع التعاون الإقليمي التي تشمل الكيان. بل على العكس، شهدت المرحلة الحالية تقاربًا دبلوماسيًا وتبادلًا للزيارات الرسمية، وهو ما يقوض صدقية الادعاءات بالعداء السياسي.

    تشير تحليلات سلوك أردوغان السياسي إلى أن تصعيد خطابه ضد الكيان غالبًا ما يرتبط بمواسم انتخابية أو بأزمات داخلية، حيث يسعى إلى استثمار القضية الفلسطينية كرمز تعبوي قادر على تحفيز القاعدة الشعبية المحافظة والإسلامية داخل تركيا. وبمجرد زوال الظرف الانتخابي، يتراجع منسوب التصعيد، وتعود العلاقات مع الكيان إلى نسقها الطبيعي، وفي أحيان أخرى تتوسع في بعض المجالات.

    يُمكن تفسير هذا التناقض من خلال إطار “البراغماتية السياسية”، حيث تُغلَّب المصالح الاقتصادية والاستراتيجية على المبادئ المعلنة. وفي حالة أردوغان، يبدو أن الحفاظ على الروابط التجارية والاعتبارات الجيوسياسية في شرق المتوسط أولوية تفوق الالتزام بأي موقف مبدئي داعم لفلسطين. وبهذا، يصبح خطاب الدعم للفلسطينيين أداة سياسية ذات وظيفة داخلية وخارجية، أكثر منه التزامًا استراتيجيًا أو تحركًا عمليًا.

    تؤكد قراءة المعطيات الاقتصادية والدبلوماسية أن الدعم التركي لغزة، كما يقدمه أردوغان، يظل محصورًا في المستوى الرمزي والخطابي، دون أن يترجم إلى إجراءات عملية يمكن أن تشكل ضغطًا حقيقيًا على الكيان الصهيوني. ومن منظور تحليل السياسات، فإن هذا النمط يعكس توظيفًا انتقائيًا للقضية الفلسطينية بما يخدم أجندات سياسية داخلية وخارجية، دون أن يترتب عليه أي أثر ملموس على مسار الصراع العربي ـ الصهيوني.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img