المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    احتجاجات حضرموت تُعطّل الطريق الدولي وتُصعد المطالب الخدمية

    شهدت مدينة الحامي بمحافظة حضرموت موجة احتجاجية جديدة، اليوم...

    استهزاء نتنياهو بالمطبّعين.. مشروع لابتلاع الأراضي العربية لتحقيق “إسرائيل الكبرى”

    منذ أن وطئت أقدام الغزاة الصهاينة أرض فلسطين وأقاموا كيانهم المزعوم، ما فتئ قادة هذا الكيان الصهيوني ومؤازروه يتشدّقون بمشروع “إسرائيل الكبرى”، متذرّعين بأساطير يسوِّغون بها احتلالهم لأرض فلسطين، وفي ليلة الثلاثاء من الأسبوع المنصرم، عاود بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان المحتل، طرح مشروع “إسرائيل الكبرى” متبجّحاً علناً باحتلال أراضي دول عربية أخرى.

    من أين انبثقت جذور مشروع الاحتلال الصهيوني؟

    قد يتوهّم من لا دراية له بتاريخ المنطقة ومنعطفاتها، وخاصةً فلسطين، أن التحركات العدوانية والاستيطانية التي يضطلع بها الكيان الصهيوني اليوم في الأراضي العربية، هي وليدة تداعيات عملية طوفان الأقصى. بيد أن الحقيقة الناصعة تشهد بأن قِدَم هذه المخططات الاستعمارية الخبيثة يضارع قِدَم المشروع الصهيوني ذاته، وقد تجلت في وثائق هيئة أركان جيش الكيان الصهيوني حتى قبل أن تطأ أقدام الغزاة الصهاينة أرض فلسطين عام 1948.

    تفصح وثائق هيئة أركان جيش الكيان الصهيوني أن “على إسرائيل أن تتأهّب لسلسلة من الحروب المتعاقبة، لتستكمل تحرير ‘الوطن’ وتوسيع تخومه في شتى الاتجاهات”.

    ولبلوغ هذه الغاية، وضع الكيان الصهيوني مخططات عديدة، لعل أبرزها ما اشتُهر بخطة “نوفو”، وهي دراسة مستفيضة أنجزها جيش الكيان الصهيوني عام 1953 بغية ترسيخ أيديولوجية عسكرية، تقضي بتحوير حدود “إسرائيل” وتوسيع رقعتها في جميع الجهات.

    فعلى سبيل المثال، وفقاً لهذه الخطة، يتعين في الجبهة الجنوبية لـ “إسرائيل” (فلسطين المحتلة) ضمّ شبه جزيرة سيناء وكامل الضفة الغربية وشرق الأردن، كما تطالب الخطة بإلحاق مناطق حوران والجولان وقمة جبل حرمون في سوريا وجنوب لبنان من الشمال، وتشدّد على ضرورة ضمّ الصحراء السورية من الشرق.

    وبما أن قاطني المناطق المذكورة جميعهم من العرب، فقد أكدت خطة نوفو على حتمية طرد سكان هذه المناطق للحفاظ على “الهوية اليهودية لإسرائيل”.

    تاريخ مشروع “إسرائيل الكبرى” وتفاصيله

    يرى المراقبون أن تصريحات نتنياهو الراهنة حول مشروع “إسرائيل الكبرى”، تمثّل ناقوس خطر يقرع آذان جميع الدول العربية، بما فيها تلك التي وقّعت اتفاقيات التطبيع المشينة مع هذا الكيان، وخاصةً أن نتنياهو كان قد تبجّح قبل سنوات، رداً على مخاوف الصهاينة من أن أي حكومة يهودية لم تدم أكثر من ثمانين عاماً، بأنه “سيوصل إسرائيل إلى مشارف قرنها الأول”.

    يحظى مشروع “إسرائيل الكبرى” راهناً بتأييدٍ جارف من حزب اليمين المتطرف الإسرائيلي برئاسة نتنياهو، وقد طُرحت فكرة إحيائه عام 2016 على لسان بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الفاشي في الكيان الصهيوني الذي كان آنذاك عضواً في الكنيست.

    في ذلك الحين، صرّح سموتريتش في مقابلة تلفزيونية بأن حدود “إسرائيل” ينبغي أن تشمل أراضي ست دول عربية هي سوريا ولبنان والأردن والعراق وأجزاء من مصر والمملكة العربية السعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني الممتد من النيل إلى الفرات.

    وأعاد هذا الوزير الفاشي ترديد تصريحاته في مارس 2023 خلال خطابٍ ألقاه في باريس، مستعرضاً خريطةً تجسّد مشروع “إسرائيل الكبرى” تضمّ في جنباتها أراضي الدول العربية.

    لقد دأب حزب الليكود، الذي يتربع نتنياهو على عرشه حالياً، منذ عام 1977 على الترويج لمشروع “إسرائيل الكبرى”، وحوّله إلى عقيدة سياسية مستنداً إلى أساطير التلمود، ويتعصب أنصار اليمين المتطرف الصهيوني بشدة وبعمى بصيرة لهذه الأوهام، معتقدين أن “الأرض الموعودة” لـ “إسرائيل” تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق.

    وتزعم مؤسسة “الكتاب المقدس وأرض إسرائيل” أن إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقاً إلى نهر النيل جنوباً. وهذه المقولة هي ما أعلنه ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، عند تدشين مشروعه التوسعي عام 1904، وقد روّج قادة الحركة الصهيونية لهذه المعتقدات الوهمية منذ نشأتها قبل ما ينيف على مائة وعشرين عاماً.

    وكانت عصابة “إرغون” الصهيونية المتطرفة، التي برزت إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين من عام 1922 إلى 1948 ثم اندمجت لاحقاً في جيش الاحتلال، تطالب بأن يستولي الصهاينة على الأردن بالتزامن مع احتلال فلسطين.

    ويحذّر المراقبون من أن تحويل مشروع “إسرائيل الكبرى” إلى برنامج سياسي يُنفّذ على أرض الواقع، هو أخطر ما يتفيّأ نتنياهو ظلاله حالياً، خاصةً في خضمّ الحرب المدمرة المستعرة في غزة منذ أكتوبر 2023، والهجمات والاحتلال الإسرائيلي الواسع النطاق في سوريا، والاعتداءات المتكررة على لبنان.

    تشمل خريطة “إسرائيل الكبرى” التي يحملها نتنياهو في جعبته: كامل فلسطين التاريخية بمساحة 27,027 كيلومتراً مربعاً؛ ولبنان بمساحة 10,452 كيلومتراً مربعاً؛ والأردن بمساحة 89,213 كيلومتراً مربعاً؛ وأكثر من سبعين بالمئة من سوريا بمساحة 185,180 كيلومتراً مربعاً؛ ونصف العراق بمساحة 438,317 كيلومتراً مربعاً؛ وحوالي ثلث المملكة العربية السعودية بمساحة 2,149,690 كيلومتراً مربعاً؛ وربع مصر بمساحة تقريبية مليون كيلومتر مربع؛ وجزء من الكويت بمساحة 17,818 كيلومتراً مربعاً.

    تسعة أسئلة محورية حول مشروع “إسرائيل الكبرى”

    أين تقع تخوم فلسطين المحتلة أو ما يزعمون أنها “إسرائيل الكبرى”؟

    تتباين التفاسير حول حدود ما يسمى “إسرائيل الكبرى” التي يصرّ الصهاينة على تنفيذ مشروعها التوسعي، وتشمل فلسطين التاريخية وأجزاء من الأردن وسوريا ولبنان وصحراء سيناء والكويت والمملكة العربية السعودية.

    ما الأساس التاريخي والفكري لمشروع “إسرائيل الكبرى”؟

    يستند هذا المشروع إلى أساطير وهمية في كتب اليهود حول وعد إلهي مزعوم لبني إسرائيل، تدعي أن الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات هي الأرض الموعودة للإسرائيليين.

    ومنذ تأسيس الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، تبنّت بعض أجنحتها فكرة استعادة هذه الأرض الموعودة المزعومة كجزء لا يتجزأ من المشروع القومي اليهودي.

    كيف تطور مشروع “إسرائيل الكبرى” في السياسة الإسرائيلية؟

    في بدايات تأسيس الكيان الصهيوني المزعوم عام 1948، لم يصدر إعلان رسمي بتبني مشروع “إسرائيل الكبرى”؛ ومع ذلك، تحدث بعض زعماء الصهاينة أمثال مناحيم بيغن وموشيه دايان عن ضرورة الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها “إسرائيل” بعد عام 1967 باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأرض التاريخية لـ “إسرائيل”.

    وهذا ما حفّز أحزاب اليمين المتطرف الصهيوني مثل الليكود و”الصهيونية الدينية” على التمسك بمشروع “إسرائيل الكبرى” في خطابها، وخاصةً لتسويغ الاستيطان في الضفة الغربية.

    هل “إسرائيل الكبرى” سياسة رسمية للحكومة الإسرائيلية؟

    رغم تغلغل مشروع “إسرائيل الكبرى” منذ البداية في الخطاب السياسي والحزبي والاستيطاني الصهيوني، إلا أن نتنياهو تبجّح الأسبوع الماضي علناً بهذا المشروع للمرة الأولى كمسؤول صهيوني رفيع، مما يجسّد استخفافاً صارخاً بالأنظمة العربية، وخاصةً المطبّعة منها.

    كيف ينعكس مشروع “إسرائيل الكبرى” في الصراع العربي الإسرائيلي؟

    لا تزال الأنظمة العربية، رغم توقيعها اتفاقيات التطبيع المشينة مع الكيان الصهيوني، تتوجّس خيفةً من توسع رقعة احتلال هذا الكيان، وخاصةً في ظل سياسات الاستيطان التوسعية الخطيرة في مناطق من الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السوري المحتل.

    ومشروع الاستيطان الجديد الذي تشدّق به سموتريتش مؤخراً، يستهدف قلب الضفة الغربية ومناطق غور الأردن الاستراتيجية.

    ما موقف المجتمع الدولي من مشروع “إسرائيل” الكبرى؟

    ترفض القوانين الدولية – التي ظل معظمها حبراً على ورق، حيث لا يكترث الكيان الصهيوني بأي منها متكئاً على الحصانة التي منحته إياها أمريكا والغرب – أي توسع للاحتلال الإسرائيلي وتعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

    ولا يعترف المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، بمشروع “إسرائيل الكبرى” ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني الأصيل في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، لكن كما أسلفنا، لا يُلقي الكيان الصهيوني بالاً للقوانين والأعراف الدولية.

    هل ثمة معارضة داخل المجتمع الصهيوني لمشروع “إسرائيل الكبرى”؟

    تناهض بعض القوى السياسية العلمانية واليسارية الصهيونية هذا المشروع التوسعي، معتقدةً أن الإصرار على تنفيذ مشروع “إسرائيل الكبرى” سيفضي إلى تفاقم التهديدات الأمنية، وتأجيج أوار الصراع مع العرب.

    ما مسوغات نتنياهو لإعلان مشروع “إسرائيل الكبرى” التوسعي؟

    يتذرّع نتنياهو بمسوغات دينية وتاريخية واهية، كادعاء أن لليهود حقاً تاريخياً ودينياً في أرضٍ تمتد من البحر المتوسط إلى نهر الأردن وما وراءها.

    كما يسوق بعض المبررات الأمنية المزعومة، مثل الزعم بأن السيطرة الكاملة على الضفة الغربية ضرورة حتمية لأمن “إسرائيل”، وخاصةً أن الأراضي الحالية التي يحتلها هذا الكيان تفتقر إلى العمق الاستراتيجي، وتعرّض “إسرائيل” باستمرار لتهديدات داخلية وخارجية.

    علاوةً على ذلك، يستخدم نتنياهو وأقطاب اليمين الصهيوني المتطرف مسوغات سياسية لرفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، بذريعة أن دولة فلسطين تمثّل تهديداً وجودياً لـ “إسرائيل”. وتبعاً لذلك، يُبرَّر دعم توسيع المستوطنات بحجة الحق الطبيعي المزعوم لليهود في الاستيطان في أي بقعة من “الأرض التاريخية” لـ “إسرائيل”، وهو موقف يروّج له بإلحاح وزراء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وعلى رأسهم سموتريتش.

    يقول المفكر العربي عبد الوهاب المسيري في كتابه “مقدمة في الصراع العربي الإسرائيلي”، إن الفكر الصهيوني تشكّل وترعرع في بيئة إمبريالية غربية، والتوسع جوهر متأصل في هذا الفكر الاستعماري. فقد حدّد ثيودور هرتزل، أول زعيم للحركة الصهيونية، المنطقة الأولية لتأسيس “الدولة اليهودية” بما يناهز سبعين ألف كيلومتر مربع، ورسم موقعها على خريطة تشمل الأراضي الممتدة بين نهر النيل في مصر ونهر الفرات في العراق.

    هذا النهم التوسعي الصهيوني اللامتناهي كان أحد دوافع تحويل الكيان المزعوم إلى “نظام” بلا دستور منذ بدء احتلاله لفلسطين عام 1948؛ لأن صياغة دستور رسمي للكيان الصهيوني تستلزم تحديداً دقيقاً للحدود، وإذا رُسمت هذه الحدود، فستشكّل سداً منيعاً أمام أطماعه التوسعية.

    يقول يوري أفنيري، العضو السابق في الكنيست والصحفي الصهيوني اليساري، إنه إذا لاحت الفرصة، فإن نهم الصهاينة في توسيع رقعة احتلالهم سيتجاوز حتى حدود “إسرائيل الكبرى” المزعومة.

    والجدير بالذكر أنه وفقاً لأطماع الصهاينة والخريطة التي رسموها بمداد الغدر، فإن الأراضي العربية التي يتوقون لاحتلالها تشمل جميع الدول العربية في المنطقة، وخاصةً تلك التي مدّ حكامها يد الصداقة والتطبيع مع “إسرائيل”، وهذا بحد ذاته يشكّل نذير شؤم للمطبّعين ليستفيقوا من سباتهم العميق.

    المصـــــــــــدرالوقت التحليلي
    spot_imgspot_img