المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    غزة تُناشد العالم: 250 ألف علبة حليب شهريًا لإنقاذ أطفالها من الجوع والموت

    كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن إحصائية جديدة...

    طفلة تبحث عن الماء.. الاحتلال يقتل “آمنة المفتي” والناشطون ينددون

    أثارت استشهاد الطفلة الفلسطينية آمنة المفتي (11 عامًا) موجة...

    نتنياهو في طريقه إلى الهاوية.. هل ينقذُه “العرب”؟

    تتسارع الأحداثُ داخل الكيان الصهيوني لتؤكّد أن بنيامين نتنياهو يسير بخُطًى ثابتة نحو الهاوية، فالرجل الذي قدّم نفسه لعقود باعتباره “ملكَ إسرائيل” بات اليوم في أضعف مراحله: محاصَر داخليًّا وخارجيًّا، وسط تفكُّك سياسي، أزمة اقتصادية، عزلة دولية، وفشل أمني غير مسبوق. وإن كان التاريخ لا يعيد نفسه، فإنَّ المقارنات مع هتلر في سنواته الأخيرة تبدو أقربَ إلى الواقع: زعيم مأزوم، مسكونٌ بالهواجس، يزج بشعبه وجيشه في مغامرات عبثية، ويدفع كيانه نحو الخراب.

    في الداخل، يواجه نتنياهو انقسامًا سياسيًّا غير مسبوق؛ إذ تحوّلت خطتُه المسمّاة “إصلاح القضاء” إلى شرارة لمظاهرات ضخمة هزّت شوارع “تل أبيب” وحيفا والقدس المحتلّة لأشهر متواصلة، سبقت انفجار “الطوفان الكبير” في السابع من أكتوبر 2023.

    لم تكن هذه الاحتجاجات مُجرد خلاف سياسي عابر، بل كشفت عن أزمة وجودية عميقة وهوية داخلية مصطنعة، وانقسام حادّ بين تيار ديني–يميني متطرّف يبتز الحكومة يوميًّا وقطاع علماني–ليبرالي يخشى على مستقبل الكيان. نتيجة لذلك، باتت حكومة نتنياهو الأكثر هشاشة في تاريخ “إسرائيل”، وفقد الرجلُ صورته كـ “قائد موحِّد”.

    إلى جانب ذلك، تلاحقه قضايا الفساد والرشوة كقنبلة موقوتة. فهو يدرك أن مغادرته الحكم قد تعني دخوله السجن؛ ما يجعله رهينة ابتزاز شركائه من قوى اليمين المتطرّف، يقدّم لهم قوانين عنصرية وقرارات مدمّرة مقابل بقائه في السلطة. هكذا تحوّلت رغبته في النجاة الشخصية إلى عبء سياسي يهدّد الكيان كله، على غرار هتلر الذي وضع بقاؤه الشخصي فوق مصلحة ألمانيا.

    ميدانيًّا، يتكشف عجز حكومته يومًا بعد يوم: غزة صمدت أمام آلة القتل رغم حجم المجازر، وفي الضفة الغربية لا تخبو نار المقاومة، مع توقعات بغليان أكبر في الفترة القادمة. على الجبهة الشمالية يلوح كابوس “حزب الله” الذي لم ينكسر رغم كلّ الضربات، فيما أصابت صواريخ ومسيرات اليمن في البحر الأحمر “إسرائيل” في خاصرتها الاقتصادية والأمنية. إذا أضفنا نتائج المواجهة الأخيرة مع إيران، فإنَّ تعدُّدَ الجبهات وتراكم الإخفاقات يذكّران بنهاية هتلر، الذي انهار أمام ضغط المعارك رغم جبروت آلته العسكرية.

    دوليًّا، يعيش نتنياهو عزلة غير مسبوقة: صور المجازر في غزة وصلت إلى كلّ بيت في العالم، والشعوب باتت تتقزز من اسم “إسرائيل”، فيما العالم يتحدث عن جرائم حرب وإبادة جماعية، لا يمكن “لمؤسّسات التلميع” محوها. بعض الحكومات الأوروبية بدأت تتخذ مواقفَ أكثرَ جُرأة، فيما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات ملاحقة بحقه. المشهد يعيد إلى الأذهان ما واجهته النازية حين تحوّلت جرائمها إلى عبء أخلاقي وقانوني جرّ قادتها إلى النهاية.

    الاقتصاد: الوجهُ الأخطرُ للأزمة

    يبقى العامل الأخطر في مسار نتنياهو وكيانه هو الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعيش أسوأ مراحله منذ عقود. قطاع التكنولوجيا – الذي طالما صُوّر كقاطرة “النجاح الإسرائيلي” – يشهد نزيفًا حادًّا في الاستثمارات و”هجرة العقول”. عشرات الشركات العالمية علّقت أنشطتَها؛ بسبب الحرب وعدم الاستقرار، فيما السياحة مشلولة، والخسائر الناتجة عن توقف الطيران المدني والتجارة البحرية تتراكم. الدين العام يرتفع، التضخم يضغط على دخول الأسر، والبطالة تتسع خُصوصًا في قطاعات الخدمات والصناعة.

    تشير التقارير إلى انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 19 % منذ 2024، وهو الأسوأ منذ عقود، مع تراجع الاستثمار الأجنبي بأكثر من 60 %، وارتفاع البطالة إلى 6.5 %، فيما تخطى الدين العام 70 % من الناتج المحلي. وفي الربع الثاني من 2025، انكمش الاقتصاد بنسبة 3.5 % بسبب تراجع الاستهلاك والاستثمارات. خبراء اقتصاد، من بينهم 10 حاصلون على جائزة نوبل، حذَّروا في رسالة مفتوحة نتنياهو من أن السياسات الحالية في غزة ستقود إلى عواقب اقتصادية كارثية، مؤكّدين أن المخاطر تتجاوز الضغوط المؤقَّتة وتهدّد البنية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي.

    لقد قدمت الولاياتُ المتحدة للكيان الصهيوني كُلَّ ما طلبه وأكثر. لكن نتنياهو فشل في تحقيق أهدافه، وانهارت صورته كـ “قائد قوي”. اليوم يُنظَر إليه داخليًّا على أنه زعيم ضعيف وفاسد، مرعوب من السجن، مهووس بالسلطة، لا يملك أي رؤية سوى البقاء يومًا إضافيًّا في الحكم، وهو مسار يذكّر بمصير هتلر في أيامه الأخيرة. ما يهم واشنطن واللوبي الصهيوني، في نهاية الأمر، مستقبل “إسرائيل” لا مستقبل نتنياهو.=

    مخاوفُ التدخل العربي لصالح العدوّ

    رغم كُلِّ ذلك، ثمة مخاوفُ من محاولة إنقاذ نتنياهو عبر تدخل سعودي ودعم بعض الأنظمة العربية التقليدية، مصر والأردن تحديدًا، واستخدام أدوات محلية مثل السلطة الفلسطينية وأطراف عميلة في دمشق ولبنان واليمن والعراق. الهدف المعلَن سيكون “إنقاذ غزة”، أما الهدف الحقيقي فهو الحفاظ على مصالح الكيان وتأمين مصالح هذه الأنظمة في المنطقة، وربما دفع المشهد نحو “التسوية” والحديث أكثر عن “الدولة الفلسطينية” و”الاستقرار الإقليمي”. أمام واقع فلسطيني صعب يريد وقف المجزرة المستمرّة قد ينجح مؤقتًا. غير أن هذا الاحتمالَ ليس مضمونًا، وقد يزيدُ التوتر الداخلي، ويعطي نتنياهو دفعة مؤقتة، لكنه لن يغيّر حقيقة انهيار صورته أو هشاشة حكومته. بل إن أيَّ تدخل من هذا النوع قد يُنظر إليه داخليًّا على أنه ابتزاز سياسي؛ ما يزيد من غضب الشارع ويعقّد فرص “الاستقرار”!

    إن نتنياهو يسيرُ بالفعل إلى الهاوية. الانقسام الداخلي في الكيان، الفساد، الفشل العسكري، العزلة الدولية، الانهيار الاقتصادي، والمخاوف من التدخل الخارجي كلها عوامل تجعل سقوطه مسألة وقت، قد يحدُثُ عبر قرار أمريكي، إسقاط حكومته، المحاكمات، أو انفجار داخلي أكبر. المؤكّد أن مرحلة نتنياهو توشك على النهاية، وأنه – كما هتلر – سيُذكَرُ في التاريخ كرمز للخراب والدمار، والقائد الذي مهد الطريق للانهيار الكبير.. المهم ألا ينقذه حلفاؤه من النظام العربي الرسمي.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    خالد بركات

    spot_imgspot_img