انتماؤنا للإسلام العظيم ولرسالة محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) يفرض علينا تقدير قائدنا الأول ومؤسس أمتنا، باعتباره رمز هويتنا ومرجع قيمنا. فكما تفعل الأمم والشعوب في تجديد ولائها لمبادئها وأعلامها، يمثل الاحتفاء بالرسول الكريم تجديدًا لانتمائنا واعترافًا بثوابته التي تشكل أساس عزتنا وكرامتنا.
وبما أننا أمة محمد، التي وصفها الله بأنها خير أمة أُخرجت للناس، فإن الاحتفاء بخاتم الأنبياء ليس مجرد تقليد أو عادة شكلية، بل هو تعبير حي عن انتمائنا الحقيقي للإسلام، واعتراف صادق بالرسالة الخاتمة التي حملها النبي الكريم للبشرية جمعاء. فهذا الاحتفاء يمثل تذكيرًا دائمًا بالقيم العليا التي غرسها رسول الله في الأمة، من عدل ورحمة وصبر وشجاعة، ويعزز التزامنا بمبادئ العزة والكرامة، ويقوّي شعورنا بالمسؤولية تجاه ديننا وأمتنا. كما أنه يعمل كمنارة تهدينا في ميادين الحياة المختلفة، سواء كانت مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية أو صيانة الهوية الإسلامية الأصيلة في وجه محاولات الطمس والتزييف. إن الاحتفاء بالنبي هو إذن ممارسة للولاء الحقيقي، وتجديد للعهد مع رسالة الخالق، وفرصة لمراجعة أنفسنا والعمل على تطوير مجتمع قائم على قيم الحق والعدل والإيمان.
أما المناسبات الأخرى، فهي هامشية إلا بقدر ما تقربنا من رسول الله ومن دينه، وقد تكون بلا قيمة حقيقية دينياً أو قومياً. وهو حال بعض الأحزاب السياسية في بلادنا، التي تحتفل بذكرى تأسيسها رغم تاريخها المليء بالعمالة والخيانة. مثال ذلك حزب الإصلاح، الذي يرى في 13 سبتمبر 1990 حدثًا أعظم من ذكرى المولد النبوي، وكأن دينه بدأ من ذلك التاريخ وليس من مقدم خير البرية.
وعلى نحو مماثل، تحتفل السعودية في 23 سبتمبر بذكرى سيطرة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على حكم نجد بعد اغتيال شقيق زوج أخته، بدعم وتمويل بريطاني، في إطار مخطط كان يمهد لاحقًا لقيام الكيان الصهيوني المؤقت. وآل سعود اليوم يقدمون أنفسهم امتدادًا لتاريخ نجد القديم، متجاهلين الإرث الإسلامي العظيم، ومستندين إلى تاريخ مرتبط بتمرد مسيلمة الكذاب وحربه على الرسول والمسلمين.
ومؤخرًا، أعلن محمد بن سلمان “يوم التأسيس” في 22 فبراير، وهو يوم يرسخ لدولة علمانية قائمة على العصبية القبلية والولاء لآل سعود بعيدًا عن الكتاب والسنة، مؤكّدًا من خلال موقع اليوم الوطني السعودي أن جذور آل سعود تعود لما قبل الإسلام، وأن دولتهم ليست دولة دينية بل امتداد لسلالة تاريخية. وهذا يتناقض مع كل ما روج له شيوخ السلفية عن أن حكمهم يمثل التوحيد والإسلام.
ولذلك، ليس من المستغرب أن تكون مناسبة المولد النبوي في عرفهم مجرد بدعة، فهي ذكرى رجل لا صلة لهم به أو برسالته، والإيمان به قد يقوض عرشهم ويكشف زيف مشروعهم، ويعيد الأمة إلى هويتها ودينها الحقيقي، بعيدًا عن السلالية العصبوية والسياسات السلطوية. وسكوت أهل الحق عن مواجهة هذه الجماعات أعطاهم فرصة ذهبية للاستمرار في نشر بدعهم المغلوطة وتوسيع نفوذهم الفكري والاجتماعي.
فلم تكتفِ هذه الجماعات بمحاربة المبادئ الدينية السليمة فحسب، بل سعت أيضًا إلى التشكيك في عقائد المسلمين الصحيحة، مثل الجهاد في سبيل الله والاعتصام بحبل الله، وهي أعمدة أساسية في صيانة الأمة وحمايتها من الضياع والانقسام. ونتيجة لذلك، أصبح بعض الأفراد والمجتمعات عرضة للتضليل والانحراف عن الطريق المستقيم، فيما باتت الوحدة الإسلامية والقيم المشتركة مهددة، وأصبح الدفاع عن الدين وحماية الثوابت الدينية مسؤولية عاجلة وملحة. لذا فإن السكوت عن هذه البدع لا يعني الحياد، بل يعتبر مساهمة غير مباشرة في إضعاف الأمة وإفساح المجال أمام القوى المضادة للحق لتثبيت نفوذها وتوسيع سيطرتها، وهو ما يوضح أهمية الوعي والمواجهة المستمرة لكل أشكال الانحراف الفكري والاجتماعي.