المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    حكومة صنعاء تدين “العدوان الإسرائيلي” على صنعاء وتؤكد “حق الرد”

    أدانت حكومة التغيير والبناء العدوان الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة...

    شركة النفط اليمنية: اتخذنا كافة الاجراءات والوضع التمويني مستقر

    أكدت شركة النفط اليمنية أنها اتخذت كافة الإجراءات والاحتياطات...

    عدوان إسرائيلي يستهدف العاصمة صنعاء

    شنت طائرات كيان العدو الإسرائيلي، اليوم الأحد، سلسلة غارات...

    الاستيطان .. اغتيال حلم دولة فلسطين

    صادقت حكومة الاحتلال الصهيوني على خطة البناء الاستيطاني «E1» شرق القدس، والتي تشمل نحو 3,400 وحدة سكنية، إضافةً إلى مشروع مستوطنة في عشايل يضم 342 وحدة سكنية ومرافق عامة. وتهدف هذه الخطوة إلى قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها ودمج القدس في شبكة الاستيطان الصهيوني، ما يجعل قيام دولة فلسطينية متصلة شبه مستحيل.

    ينتمي هذا المشروع إلى استراتيجية شاملة للضم والتهويد والتوسع الاستيطاني، ويكشف تجاهل الاحتلال الكامل لأي سيادة فلسطينية، فيما تبدو أوهام “الهدوء والاستقرار” التي تروّج لها السلطة الفلسطينية غير واقعية. بدأ مخطط E1 عام 2004م لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم على مساحة 12 كم² بين القدس والأحياء الفلسطينية عناتا وأبو ديس والعيزرية والزعيم، ويشمل نحو 3,500 وحدة سكنية لإسكان 15 ألف نسمة، إضافةً إلى منطقة صناعية وتجارية، وفنادق، وجامعات، وحدائق، ومقبرة ومكب نفايات، دون مراعاة السكان الفلسطينيين. سياسيًا، أثارت الخطط اعتراضات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعدم توافقها مع خارطة الطريق، ما أدى لتجميدها مؤقتًا، بينما استُخدمت البنية التحتية لمقر حرس الحدود كأساس للبناء لاحقًا. استيلاء الاحتلال على المنطقة يعزل الأحياء الفلسطينية عن القدس الشرقية ويجعل التواصل بين مناطق الدولة الفلسطينية المزعومة في مشروع التسوية شبه مستحيل.

    منذ مطلع 2023م، أعادت حكومة نتنياهو تشكيل الخريطة الاستيطانية بإعلان 41,709 وحدة استيطانية، وهدم 1,238 مبنى فلسطيني بحجج “عدم الترخيص”، في مقابل استمرار توسع المستوطنات والبؤر الاستيطانية، بما فيها 66 بؤرة خلال محرقة غزة، على مساحة تجاوزت 878 كم².

    تُعد هذه المعطيات استمرارًا عمليًا لأهداف النكبة التاريخية، وتؤكد أن السياسات الصهيونية تمثل تهديدًا وجوديًا للشعب الفلسطيني، ما يستدعي تحركًا فوريًا من المجتمع الدولي لمنع التوسع الاستعماري وحماية الحقوق الفلسطينية الأساسية.

    وتشكّل سياسة الاستيطان الصهيونية أداة مركزية للسيطرة التدريجية على الأراضي الفلسطينية، وتهدف إلى تكريس المشروع الاستيطاني على الأرض. فمنذ عام 1967م، شرع الاحتلال في فرض وقائع ميدانية تشمل مصادرة الأراضي بالقوة، وتشجيع الاستيطان العسكري والديني والمدني، وصولًا إلى شرعنة المستوطنات وتوسيعها عبر قوانين داخلية تفتقر إلى الشرعية الدولية. وتركز هذه السياسات بشكل خاص في القدس، التي تستهدف تهويدها ديموغرافيًا وجغرافيًا من خلال طرد السكان الفلسطينيين، وسحب هوياتهم، وهدم منازلهم، وإقامة أحياء استيطانية تحيط بالمدينة، بهدف عزلها عن محيطها الفلسطيني وقطع التواصل الجغرافي مع الضفة الغربية.

    وتتسارع هذه العمليات في إطار رؤية صهيونية تعتبر القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل، مستخدمة أدوات بلدية وقضائية وأمنية تُخفي مشروعًا إحلاليًا ممنهجًا. في الضفة الغربية، يستمر زحف الاستيطان عبر بناء مستوطنات جديدة وتوسيع القائمة منها، خاصة في المناطق المرتفعة والمطلة على مداخل المدن وبمحاذاة الطرق الرئيسة.

    وترافق هذه العمليات شقّ طرق التفافية، ونشر الحواجز العسكرية، وتوسيع صلاحيات “الإدارة المدنية” في التحكم بحياة الفلسطينيين، ضمن نظام مزدوج من القوانين يمنح المستوطنين امتيازات واسعة، بينما يفرض على الفلسطينيين قيودًا مشددة تعرقل حياتهم اليومية وتحاصر نموهم العمراني.

    وتترتب على هذه السياسات آثار كارثية، تشمل مصادرة الأراضي، وتقييد الوصول إلى مصادر المياه، وحرمان الفلسطينيين من ممارسة الزراعة، فضلًا عن تفاقم البطالة والفقر نتيجة خنق الأنشطة الاقتصادية.

    كما تُفاقم الاعتداءات المتكررة من المستوطنين على القرى والمزارع الفلسطينية، تحت حماية جيش الاحتلال، حالة انعدام الأمن، وتحوِّل حياة الفلسطينيين إلى معاناة مستمرة في ظل غياب فعّال للعدالة الدولية. ورغم الإدانات الدولية المتكررة لسياسة الاستيطان واعتبارها خرقًا سافرًا للقانون الدولي، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، تمضي دولة الاحتلال في تنفيذ مشروعها بثقة ناجمة عن ضعف الردع الدولي، وتراجع الإرادة السياسية لدى القوى الكبرى، والدعم الأمريكي المتماهي تمامًا مع الاستيطان الصهيوني وشطب مشروع دولة فلسطينية. وفي الوقت ذاته، تُوظف دولة الاحتلال الخطاب الديني “الحق التاريخي” و”أمن المستوطنين” لتبرير التوسع الاستيطاني، متجاوزة حدود القانون ومتطلبات السلام.

    وعلى الجانب الفلسطيني، تُبذل جهود مقاومة متعددة الأشكال، من التظاهرات الشعبية وتوثيق الانتهاكات وصولًا للجوء إلى المحاكم الدولية، غير أن هذه الجهود تواجه عقبات كبيرة أبرزها موقف السلطة الفلسطينية الباهت، الانقسام الداخلي، شح الموارد، وتهميش القضية الفلسطينية دوليًا.

    كما يؤثر الاستيطان سلبًا على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، إذ تنتشر مظاهر التفكك الأسري والهجرة الداخلية بسبب تهديدات الإخلاء وغياب الحماية للشعب الفلسطيني من عربدة المستوطنين.

    ويشكّل الاستيطان عقبة جوهرية أمام أي أفق سياسي لحل الدولتين، إذ يسعى الاحتلال إلى فرض “وقائع لا يمكن التراجع عنها”، تجعل قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أمرًا مستحيلًا. ولا تقتصر أهداف الاستيطان على السيطرة الأرضية فحسب، بل تمتد إلى ضرب الهوية الثقافية والوطنية للفلسطينيين، وتحويلهم إلى أقليات مبعثرة داخل كانتونات معزولة. وفي ظل استمرار الاحتلال في توسيع شبكة الاستيطان وفرض وقائع جديدة على الأرض، لا يمكن للمجتمع الدولي الاكتفاء بالشجب والاستنكار. إن الوضع الراهن يستدعي تحركًا عاجلًا وفعّالًا يشمل: –

    • ممارسة ضغط سياسي مباشر على حكومة الاحتلال لوقف الاستيطان فورًا.

    • فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية صارمة على دولة الاحتلال لردع استمرار الانتهاكات.

    • إطلاق السلطة الفلسطينية يد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية للدفاع عن أرضه وحقوقه.

    • دعم المؤسسات الدولية والقانونية لمساءلة الاحتلال عن خروقاتها للقانون الدولي وحقوق الإنسان.

    • إعادة الأمل في حل سياسي عادل يضمن قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، مستقلة ومتصلة، قادرة على حماية شعبها وأرضها.

    إن استمرار الاستيطان يعني استمرار الصراع، وتصاعد العنف، وغياب أي فرصة لتحقيق العدالة والسلام، ما يضع مسؤولية أخلاقية وقانونية على المجتمع الدولي للتحرك الفعلي. ويُعد وقف الاستيطان مقدمة ضرورية لأي تسوية عادلة، ومفتاحًا لاستعادة التوازن القانوني والإنساني في فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة على أرضه التاريخية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     د.محمد إبراهيم المدهون

    spot_imgspot_img