اليمن اليوم يقف في موقع الصمود والتحدي، في مواجهة واحدة من أعقد مراحل التصعيد العسكري والسياسي الذي تقوده الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مدعومين بأدوات إقليمية ومحلية، فالمعادلة لم تعد كما كانت في بدايات العدوان عام 2015؛ إذ أصبح الشعب اليمني وقواته المسلحة يمتلكون من عناصر القوة والإرادة ما يجعلهم قادرين على قلب موازين المعركة.
ميناء الحُديدة الاستراتيجي، الذي يُشكّل شريان الحياة لليمنيين، يتعرض لمحاولات متكررة من أجل السيطرة عليه أو تعطيله، لكن صنعاء أثبتت أنها مستعدة لصدّ أي مخطط يستهدفه.
وفي الوقت الذي يحاول فيه التحالف الأمريكي ـ الصهيوني فرض معادلات جديدة على الأرض، جاء الرد اليمني أكثر صلابة، مؤكدًا أن الدفاع عن السيادة الوطنية ليس خيارًا بل واجبًا، إنّ ما يحدث اليوم ليس مجرد صراع عسكري أو سياسي، بل معركة وجودية تحدّد مستقبل اليمن وسيادته، وهو ما يفسّر الإصرار الشعبي والرسمي على مواجهة كل أشكال العدوان والتصعيد حتى النهاية.
الحُديدة.. شريان الحياة في وجه المؤامرات
يُدرك أعداء اليمن أنّ ميناء الحُديدة يمثّل القلب النابض للاقتصاد الوطني، والممر الرئيس لدخول الغذاء والدواء والوقود لملايين المواطنين، لذلك لم يتوقف التحالف بقيادة أمريكا عن محاولة إخضاعه منذ بداية العدوان. في الآونة الأخيرة، تصاعدت المؤامرات الأمريكية لإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة في الميناء، في خطوة تكشف عن نية مبيتة لتهيئة الأجواء لعمل عسكري مباشر أو عبر مرتزقتها، غير أنّ صنعاء كانت واضحة في موقفها: الحُديدة خط أحمر، وأي محاولة للمساس به ستواجه بردّ لا يقل قسوة عن صمود اليمنيين خلال السنوات الماضية.
إنّ القوات المسلحة اليمنية التي خاضت معارك شرسة منذ 2015 وأفشلت خططًا ضخمة للتحالف، قادرة اليوم على إفشال هذا المخطط الجديد، وخصوصًا في ظل امتلاكها قدرات عسكرية متطورة وصناعة دفاعية محلية صارت محل فخر واعتزاز، حيث إنّ استهداف الحُديدة ليس مجرد هجوم على ميناء، بل محاولة لكسر إرادة شعب بأكمله، وهو ما لن يتحقق مهما تصاعد العدوان.
اعتداءات صهيونية تعكس عجز المعتدين
الهجوم البحري الأخير الذي شنّه الكيان الصهيوني على العاصمة صنعاء ليس سوى دليل جديد على عجز المعتدين عن تحقيق أهدافهم، فبعد أن فرضت الدفاعات الجوية اليمنية معادلة ردع حقيقية منعت الطيران الحربي الصهيوني من دخول الأجواء، لجأت تل أبيب إلى أسلوب الجبناء، مستهدفة منشآت مدنية لا قيمة عسكرية لها.
هذا التحول يؤكد أن الكيان الصهيوني ومعه واشنطن يعيشان مأزقًا استراتيجيًا في مواجهة الإرادة اليمنية، وأنهما عاجزان عن كسر صمود الشعب رغم الحصار والتجويع، الأهم أنّ هذه الاعتداءات لم تزد صنعاء إلا ثباتًا وإصرارًا على المواجهة، بل كشفت للعالم زيف ادعاءات التحالف بأنه يستهدف “أهدافًا عسكرية”.
الحقيقة أنّ المستهدف هو الشعب اليمني برمّته، لكن هذا الشعب بجيشه ولجانه الشعبية أثبت أنّه أقوى من كل المؤامرات، وإذا كان المعتدون يظنون أنّ ضرب البنى التحتية سيُضعف اليمن، فإنّ الرد القادم سيُظهر أنّ صنعاء تملك اليد العليا في هذه المعركة.
صنعاء تغيّر معادلات الردع
منذ انطلاق العدوان في مارس 2015، راهنت واشنطن والكيان الصهيوني على إضعاف القدرات اليمنية عبر الحصار والتجويع والاعتداءات المستمرة، لكن السنوات أثبتت أنّ هذه الرهانات كانت خاسرة، فصنعاء لم تكتفِ بالصمود فحسب، بل طوّرت قدراتها العسكرية في مجالات متعددة، وعلى رأسها الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
هذه الإنجازات محلية الصنع غيّرت قواعد اللعبة، بحيث لم يعد بإمكان الطائرات الصهيونية والأمريكية التحليق في أجواء اليمن بأمان كما في السابق، هذا التطور فرض على المعتدين البحث عن طرق بديلة، كالهجمات البحرية أو استهداف المناطق الساحلية المكشوفة، لكنه لم يحقق لهم أي مكاسب استراتيجية تُذكر، على العكس، عززت هذه المحاولات صورة اليمن كقوة مقاومة قادرة على حماية سيادتها رغم الحصار.
إنّ ما يُميز التجربة اليمنية أنّها جمعت بين الإرادة الشعبية والدعم العسكري المحلي، ما جعلها نموذجًا استثنائيًا في المنطقة لمعادلة الصمود في وجه أعتى القوى، ولذلك، فإنّ الحديث عن إسقاط صنعاء أو إخضاعها لم يعد واقعيًا، بل أصبح اليمن طرفًا فاعلًا يفرض شروطه في الميدان والسياسة معًا.
الأمم المتحدة.. حياد زائف يخدم العدوان
رغم أنّ الأمم المتحدة تُقدّم نفسها باعتبارها طرفًا محايدًا يسعى لحل الأزمة اليمنية، إلا أنّ الواقع يكشف عكس ذلك، فصنعاء تعتبر أنّ بعثة المنظمة في الحُديدة تحوّلت إلى أداة تُستخدم لتمرير المخططات الأمريكية، من خلال الضغط السياسي وإفراغ اتفاق ستوكهولم من مضمونه.
تصريحات القيادات اليمنية، وعلى رأسها عضو المجلس السياسي الأعلى ضيف الله الشامي، أكدت أنّ المنظمة تمارس “الصيد في الماء العكر”، إذ تحاول الظهور كوسيط بينما تتغاضى عن اعتداءات التحالف وجرائمه اليومية بحق المدنيين.
الأخطر من ذلك أنّ المبعوث الأممي هانس غروندبرغ يُتهم بتنفيذ أجندات الدول المعتدية بدلًا من رعاية حوار حقيقي، هذا التواطؤ جعل وزارة الخارجية اليمنية تُلوّح بإنهاء مهمة البعثة الأممية في البلاد إذا استمر الانحياز السافر ضد الشعب اليمني، إنّ صنعاء ترى أنّ استمرار وجود الأمم المتحدة بهذه الصورة لا يخدم السلام ولا يوقف العدوان، بل يساهم في إطالة أمد الحرب، لذلك، فإنّ التمسك بخيار المواجهة وتعزيز الجبهة الداخلية يبقى هو الضمانة الحقيقية أمام محاولات الالتفاف الأممية والدولية.
القوات المسلحة اليمنية.. رهان الشعب وسدّ العدوان
لقد أثبتت التجارب على مدى ثمانية أعوام أنّ القوات المسلحة اليمنية ليست مجرد تشكيل عسكري، بل هي عنوان لكرامة شعب وصموده، فمنذ بداية العدوان، وقفت هذه القوات في الصفوف الأمامية مدافعة عن الأرض والعِرض، ونجحت في كسر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر سواء كان أمريكيًا أو صهيونيًا أو حتى جيوش المرتزقة الإقليمية، ومع تطور قدراتها الدفاعية والهجومية، وخصوصًا عبر التصنيع العسكري المحلي، تحوّلت هذه القوات إلى رادع حقيقي لأي محاولة للغزو أو السيطرة على الموانئ والسواحل، حيث إنّ نجاحها في فرض معادلات ردع جديدة جعل من المستحيل على الطيران المعادي التحليق بحرية في الأجواء اليمنية، وفرض على العدو البحث عن بدائل بائسة كالهجمات البحرية أو استهداف المدنيين.
اليوم، يثق الشعب اليمني بقواته المسلحة باعتبارها خط الدفاع الأول، ويُدرك أنّها الرهان الأهم في مواجهة المؤامرات الأمريكية والصهيونية، لذلك، فإنّ كل محاولة للمساس بالحُديدة أو غيرها من المرافق الحيوية ستواجه بحزم، لأنّ اليمنيين لا يملكون ترف التراجع أو التنازل، بل يخوضون معركة وجود تتعلق بمستقبل وطنهم وكرامتهم وسيادتهم.
في المحصلة، تكشف التطورات الأخيرة أنّ اليمن لم يعد الحلقة الأضعف في معادلة المنطقة، بل بات لاعبًا محوريًا يفرض حضوره بقوة الصمود والتضحيات، فالمؤامرات الأمريكية والصهيونية، رغم شدتها، لم تنجح في إخضاع صنعاء ولا في السيطرة على الحُديدة، بل انتهت إلى تعزيز الوحدة الداخلية وزيادة التماسك الشعبي
القوات المسلحة اليمنية اليوم تُجسد إرادة أمة بأكملها، وتبرهن أنّ الشعوب الحرة قادرة على حماية أوطانها مهما كان حجم العدوان، إنّ ما يجري على الساحة اليمنية ليس مجرد معركة محلية، بل هو جزء من صراع أوسع يرسم ملامح مستقبل المنطقة، حيث لم يعد العدوان طريقًا مضمونًا لتحقيق الأهداف الاستعمارية، ومع كل يوم يمر، يزداد يقين اليمنيين أنّ النصر لن يكون إلا حليف الصامدين، وأن الحُديدة وسائر المدن اليمنية ستظل عصية على كل معتدٍ، لأنها محروسة بوعي شعبها وإرادة جيشها وإيمانها العميق بعدالة قضيتها