نجحت طائرة مسيّرة أطلقتها القوات المسلحة اليمنية، الأحد، في استهداف مطار “رامون” جنوبي الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل مباشر، لتبدد ما تبقى من الأمل الإسرائيلي في إيجاد طريقة لتغيير ميزان المواجهة مع الجبهة اليمنية العنيدة بدون وقف العدوان على غزة، وهو الأمل الذي لم يجد ما يكفي من الوقت ليكبر بعد اغتيال قيادات مدنية في الحكومة اليمنية بصنعاء، قبل أن تغطي عليه نتائج سوء التقدير الإسرائيلي لطبيعة “التهديد اليمني” و”هدفه”.
العودة الدائمة نفس النقطة:
كان الهجوم بمثابة معيار جديد لإعادة تقييم الاستراتيجية الإسرائيلية ضد اليمن مرة أخرى، وكان التقييم في نظر داني سيترينوفيتش المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والباحث في معهد الأمن القومي بتل أبيب، هو: “في الحملة ضد الحوثيين نعود دائما إلى نفس النقطة.. لا يوجد مجال لإنهاء الأمر بضربة خاطفة. حتى لو لحق ضرر كبير بالقيادة المدنية للمنظمة فمن المؤكد أنه لن يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على شن الهجمات”.
بالنسبة للاستنتاجات الإسرائيلية التي اعتبرت عملية الاغتيال تغييرا في موازين المواجهة مع اليمن، فإن ضربة مطار “رامون” تمثل فعلا عودة إلى مربع الصفر، لكن هذه العودة لا تنطبق على نطاق وكلفة وتأثير التهديد اليمني.
لقد توقع الجيش الإسرائيلي هجمات “تتحدى أنظمة الدفاع والكشف” الإسرائيلية ردا على عملية الاغتيال في صنعاء، لكن وفقا للتقارير العبرية فقد كان السؤال الرئيسي يتمحور حول ما إذا كانت صنعاء تمتلك قدرة على إطلاق وابل كثيف من الصواريخ البالستية والمسيرات معا، على غرار الهجمات الإيرانية، وهو ما كشف عن ثقة إسرائيلية بأن عملية الاغتيال قد وفرت أخيرا فرصة للإمساك بإيقاع العمليات اليمنية باعتبار أن صنعاء “ستضطر” للرد على الاغتيال، ولن تكون هناك فرصة لرد فاعل سوى تكتيك إغراق الدفاعات الجوية بوابل كثيف و”عاطفي” من الصواريخ والمسيرات.
الهجوم على مطار رامون قدم بالفعل إجابة مفادها أن “أي شخص كان يعتقد أن اغتيال حكومة الحوثيين سيقضي على التهديد يرى الآن أن الحوثيين موجودون ليبقوا” حسب تصريح القائد السابق لشعبة الدفاع الجوي الإسرائيلي العميد احتياط زفيكا حايموفيتش، لكنها ليست إجابة على السؤال الذي شغل الإسرائيليين بعد عملية الاغتيال، بل على سؤال أخر يبدو أنه كان السؤال الأجدر بأن ينشغل به العدو، وهو: ما مدى دقة فهم إسرائيل للتهديد اليمني؟
صحيح أن إصابة مطار “رامون” بشكل مباشر تعتبر تطورا جديدا، لكنها ليست ما توقعه العدو كرد على عملية “الاغتيال”، حتى أن القوات المسلحة لم تشر إلى ذلك في بيانها. لقد حمل الهجوم ارتباطا وثيقا باستراتيجية “الحصار الجوي” التي تعمل صنعاء على فرضها ضد المطارات الإسرائيلية منذ مايو الماضي، وهي جزء من استراتيجية الإسناد الأوسع التي تهدف لفرض أقصى ضغط اقتصادي-أمني على العدو لإجباره على وقف العدوان والحصار على غزة، وبالتالي: حتى لو أظهر تزايد وتيرة العمليات اليمنية الأخيرة، بما في ذلك إطلاق 8 مسيّرات في يوم واحد، أن هناك تصعيد مرتبط بشكل كامل بالاغتيال، فإن طبيعة العمليات والأهداف كانت مرتبطة بسياق الإسناد لغزة بشكل أساسي، وهو ما يعتبر تحقيقا للغايتين معا: الانتقام ومواصلة المسار المدروس بدقة الذي جاءت عملية الاغتيال لإغلاقه والتأثير عليه أصلا.
إسرائيل “لا تفهم اليمن”:
تقول صحيفة “ذا ماركر” العبرية أن الهجوم على مطار رامون “يوضح فشل إسرائيل الاستراتيجي في التعامل مع ساحة الحوثيين” و “يشهد على التزامهم بإلحاق الضرر بالاقتصاد الإسرائيلي وبنيته التحتية”.
هذا الالتزام المستمر الذي لم تغيره الاعتداءات الإسرائيلية، ولم ينتقل إلى الهامش في التصعيد الذي أعقب عملية الاغتيال، يعني أن هناك عاملا جوهريا ثابتا ما يبقي التهديد اليمني مستمر وعصي تماما على التحكم به أو التأثير عليه، وفيما يركز مسؤولو الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على مشاكل المسافة، وصعوبة تحديد مراكز القيادة والإطلاق وإنتاج الأسلحة، حسب ما نقلت القناة العبرية الثانية عشرة، فإن هذا العامل هو بكل بساطة: غزة.
يقول المسؤول الإسرائيلي السابق سيترينوفيتش إنه ” إذا لم تتوقف الحملة في غزة، فإن السبيل الوحيد لإلحاق ضرر كبير بالحوثيين هو من خلال جهد متواصل ضد العمود الفقري العسكري للمنظمة اليمنية،ك، وبالطبع، تدمير مواقع تخزين الطائرات المسيرة والصواريخ ومنصات الإطلاق” لكن ما مدى إمكانية تحقيق الخيار العسكري البديل عن وقف الحرب في غزة؟
تجيب ميخال يعاري، الباحثة الإسرائيلية المتخصصة بشؤون دول الخليج في جامعة بن غوريون باستفاضة: “إن الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في التعامل بفعالية مع تهديد الحوثيين هي نتاج عدة مشاكل، أولها أننا لا نعرف ولا نفهم ما هي أهداف المنظمة، وهذه مسألة حرجة، لأنه إذا لم يكن هناك فهم واضح لأهداف المنظمة، فمن الصعب فهم منطق أفعالها، التي تبدو أحيانا متحدية إلى حد الانتحار. وبشكل خاص يصعب تحديد نقاط ضعفها والثمن الذي لن يطاق بالنسبة لها”.
وتضيف: “كإسرائيليين، نسارع إلى افتراض أن العمليات العسكرية – مثل مهاجمة المواقع الاستراتيجية أو القضاء على القيادة العليا – ستساعد المنظمة على الانهيار أو إلحاق ضرر كبير بقدراته، لكن التاريخ الإسرائيلي في هذا الصدد يثبت عكس ذلك في بعض الأحيان.. نحن لم نفهم الحمض النووي للمنظمة: مما يتكون؟ ما هي خصائصه؟”.
وبناء على ذلك تخلص صحيفة “ذا ماركر” إلى أن “يبدو أن نهاية المعركة في غزة هي وحدها التي يمكن أن تؤدي إلى إغلاق هذه الساحة” التي “تصر على تعليم إسرائيل ما هي حدود القوة”.
لقد حاول الأمريكيون والبريطانيون والسعوديون والإماراتيون، أكثر من إسرائيل، التعامل مع اليمن بمنطق القوة، ولم يكونوا أقل رغبة أو إمكانات من العدو الاسرائيلي، لكن الاتفاقيات التي لجأوا إليها في النهاية تشير إلى فهم متأخر لطبيعة “التهديد” الذي واجهوه، وهو أنه يستمر ويتطور باستمرار المسبب الرئيسي للاشتباك، وفي حالة إسرائيل فإن هذا المسبب حاليا هو استمرار العدوان والحصار على قطاع غزة.
ــــــــــــــــــــــــــ
ضرار الطيب