لم تكن الساعات الماضية ساعات عادية في عمق فلسطين المحتلة. فالمشهد الذي اهتزّت له “تل أبيب” وكل المراكز الأمنية والعسكرية في الكيان الإسرائيلي لم يكن سوى صدى جديدا من صدى المعجزات اليمنية، حين اخترقت طائرة مسيّرة من صنعاء، السماء الممتدة فوق رمال النقب المحتل، وهبطت بجرأة على مطار “رامون” الدولي، لتضرب صالة الوصول مباشرة، وتُسقط معها أوهام التفوق الإسرائيلي و”أسطورة القبّة الحديدية” التي ما فتئت تُسوَّق كدرعٍ لا يُخترق. بعد ساعات من العملية تعاود الطائرات المسيرة الانفجار في نفس المطار محدثة أضرارا كبيرة.
اعترف العدو بما لا يريد أن يعترف به: الطائرة لم تُكتشف، لم تُرصد، لم تُعترض. أحدثت أضرارا كبيرة.
“وصلت إلى هدفها دون أن تُكتشف أو تُعترض. التحقيق يتم الآن في الخلل الخطير في منظومة الكشف، فالطائرة لم تُرصد إطلاقًا في أنظمة الكشف، وأصابت المطار من دون أن يكون هناك أي رصد مسبق”، هكذا قالت إذاعة “جيش” العدو الإسرائيلي، وهكذا صرخ إعلامهم متسائلاً: أيُّ خللٍ هذا الذي يجعل منظومةً متعددة الطبقات تعجز عن رصد مسيّرة يمنية، تعبر مئات الكيلومترات، لتصيب قلب مطار محصّن تكلف بناؤه مليارات؟.
الصفعة لم تتوقف عند حدود التقنية، بل تخطتها إلى الهيبة والردع. مراسل القناة 14 العبرية -بسخرية مُرّة- علق قائلاً: “المسيّرات اليمنية هي أول طائرات دولية تهبط في مطار رامون منذ افتتاحه”. جملة تلخص عار المنظومة الإسرائيلية، وتحول لحظة العجز إلى نكتة سوداء على لسان إعلامهم.
لم يكن مطار رامون هدفا وحيدا للطائرات اليمنية يوم أمس، فالعدو الإسرائيلي أقر بـ6 طائرات، فيما أعلنت القوات المسلحة عن عملية واسعة بـ8 طائرات توزعت على أهداف متعددة: طائِرَة مُسيَّرَة على مَطارِ رامون – ثَلاث طائِرات مُسيَّرَة على هَدَفين عَسكريٍّين حساسين في النَّقبِ – طائِرَة مُسيَّرَة على هَدَف حَيويٍّ في عَسقلانَ – طائِرَة مُسيَّرَة على مَطارِ اللُّدِّ – طائِرتان مُسيَّرتان على هَدَف حَيويّ في مَنطقةِ أَسدود.
إعلان الجيش اليمني عن ثماني طائرات مقابل اعتراف العدو بست فقط كشف حجم الارتباك والتخبط داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي فقدت حتى القدرة على صياغة رواية واحدة متماسكة.
واليوم تعلن القوات المسلحة ولليوم الثاني على التوالي تنفيذ عَمَليَّةً عَسكريَّةً نوعيَّةً بثلاثِ طّائِراتٍ مُسيَّرَةٍ استَهدَفَتْ مطارَ اللِّدِّ في يافا ومطارَ رامونَ في أُمِّ الرَّشراشِ وهدفًا حسّاسًا في ديمونةَ بفلسطينَ المحتلَّة.
تباعد الأماكن المستهدفة من “إيلات” والنقب جنوب فلسطين المحتلة، إلى عسقلان وأسدود المحاذية للبحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى مركز الكيان الصهيوني في اللد، كل ذلك يثبت معادلة الردع اليمنية، وأن لا مكان آمن للصهاينة، خاصة وأن صواريخ وطائرات اليمن وصلت في وقت سابق إلى حيفا شمالي فلسطين المحتلة.
الإصابات والذعر
ثمانية صهاينة أُصيبوا بجراح متفاوتة في عملية الأمس، صالة الوصول تحولت إلى ركام، ورحلات الطيران أُوقفت بالكامل. طائرة لشركة “يسرائير” غيرت مسارها وهبطت في “بن غوريون”، فيما أعلنت “سلطات المطارات” في الكيان وقف الإقلاع والهبوط، ليغدو المطار بوابة مغلقة لا عبور منها ولا إليها.
بلدية “إيلات” اعترفت أن السقوط المباشر للمسيّرة من دون صافرات إنذار أو تحذير مسبق “أمر يثير القلق”، فيما أقرّت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الميناء والمطار معاً في حالة شلل بسبب “الحوثيين”.
فشل متكرر وتكتيكات متطورة
هذه ليست الضربة الأولى. فاليمن كان قد دشّن نهاية أغسطس الماضي مرحلة جديدة بإطلاق صاروخ متشظٍّ أصاب “إسرائيل” وأدخلها في رعب غير مسبوق، إذ اعترف خبراؤهم بصعوبة اعتراض هذا النوع من الصواريخ. ثم جاء مطلع سبتمبر ليحمل صفعة أخرى حين ضربت القوات المسلحة سفينة إسرائيلية بالقرب من ميناء ينبع السعودي، فأربكت شركات الشحن، وأرعبت الموانئ الإسرائيلية. واليوم، مع عملية رامون، يتضح أن اليمن يفرض إيقاعه العسكري على “تل أبيب”، ضربةً بعد أخرى، وساحةً بعد أخرى.
الرسالة واضحة: السماء والبحر والمطارات والموانئ كلها باتت تحت مرمى الأسلحة اليمنية.
رعبٌ استراتيجي في كيان هش
القنوات العبرية لم تُخفِ قلقها. القناة 13 تحدثت عن “معادلة العين بالعين.. مطار مقابل مطار”، بينما القناة 12 وصفت الفشل بأنه “حدث استثنائي يعيد إلى الأذهان صور استهداف مطار بن غوريون”. وقد تترتب عليه تبعات خطيرة على “إسرائيل”.
وكشفت أن طائرة تابعة لشركة “يسرائير” كانت في طريقها إلى مطار رامون اضطرت إلى تغيير مسارها والهبوط في مطار “بن غوريون” عقب الهجوم اليمني على المطار.
صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية هي الأخرى أوضحت أن عملية استهداف مطار رامون تُعد إحدى الضربات اليمنية الخطيرة. مضيفة أن سلاح الجو “الإسرائيلي” لم يوضح حتى الآن كيف أصابت الطائرة اليمنية مطار رامون، ويبدو أنها نُفذت باستخدام تكتيكات معقدة للتشتيت والمفاجأة. مؤكدة أن على “إسرائيل” إدراك أن اليمنيين قادرون على التكيف ومباغتتها، وقد تقع حوادث مشابهة في المستقبل بشكل خطير.
أما موقع “ذا ماركر” الصهيوني، فذهب أبعد من ذلك، مؤكداً: “اليمنيون هم الوحيدون في المنطقة الذين يهددون إسرائيل اليوم”، وأنهم أجبروا ملايين المغتصبين على دخول الملاجئ بشكل أسبوعي، وعطّلوا الموانئ والمطارات والاقتصاد رغم مرور عامين من الهجمات المتواصلة.
وأضاف الموقع بمرارة: “طائرة مسيّرة يمنية أصابت قاعة المسافرين في مطار رامون الدولي، وجسدت الفشل الإستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع الساحة اليمنية”.
الموقع ذكر أن الهجمات “الإسرائيلية” في اليمن باهظة التكاليف، لكنها لا تحقق نتائج. مضيفا أن إطلاق النار من اليمن والذي لم يتوقف، نجح في تعطيل مطارين وميناء “إيلات” ويعطل وتيرة الحياة والاقتصاد.
وقال الموقع: “طائرة مسيّرة يمنية أصابت قاعة المسافرين في مطار رامون الدولي، وجسدت الفشل الإستراتيجي “الإسرائيلي” في التعامل مع الساحة اليمنية”، لافتا إلى أن استمرار إرسال “الإسرائيليين” إلى الملاجئ تذكير بفشل “إسرائيل” في الساحة اليمنية، ومن كان يبحث عن دليل إضافي يمكنه متابعة ميناء “إيلات”.
وأشار إلى أن “إسرائيل” حاولت ردع اليمنيين بمختلف الطرق والهجمات، لكنها فشلت، ويبدو أن إنهاء المعركة في غزة فقط هو ما قد يؤدي أيضًا إلى إغلاق هذه الساحة. وأضاف: “الإسرائيليون” يسارعون إلى الافتراض بأن استهداف مواقع استراتيجية أو اغتيال القيادة العليا سيساعد في انهيار اليمنيين أو سيلحق ضررًا كبيرًا بقدراتهم لكن ما يحدث هو العكس.
وخلص تقرير الموقع إلى أن قدرة اليمنيين على الصمود عالية جدًا، ففي عام 2015 أطلقت السعودية والإمارات عملية عسكرية كان من المفترض أن تستمر أسبوعين، لكنهما انسحبتا بعد 10 سنوات عندما أدركتا عمق المستنقع”.
مطار رامون.. الهدف الذي يهوي
مطار رامون ليس مطاراً عادياً. إنه البوابة الجنوبية للكيان، المطار البديل لمطار اللد “بن غوريون”، والمزوّد بأنظمة فحص أمنية متطورة، ومحاط بسياج مرتفع وبرج مراقبة يصل إلى 45 متراً. كلف بناؤه نحو 1.7 مليار “شيكل”، ليستوعب مليوني مسافر سنوياً. ومع ذلك، سقط أمام مسيّرة يمنية لا تُقارن تكلفتها بجزء من تكلفة مقعد في إحدى صالاته.
ضربة رامون لم تدمّر منشأة وحسب، بل أسقطت معها صورة “التحصين المستحيل”، وأظهرت أن اليمنيين يمتلكون القدرة على تجاوز أعتى منظومات الدفاع عبر تقنيات التمويه والهندسة العكسية، وأنهم قادرون على جعل أي مطار في الكيان هدفاً مشروعاً ومعرضاً للشلل.
يمكن القول إن الضربة النوعية في مطار “رامون” مثلت ضربة قاتلة لأمن المطارات الإسرائيلية، فوصول الجيش اليمني بطائرات مسيرة إلى المطار بضربة دقيقة تجاوزت الدفاعات الجوية الإسرائيلية متعدد الطبقات ، يكشف عن تطور تقنيات الطائرات المسيرة اليمنية، ونجاحها في تخطي تقنيات الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ويشير إلى أن لدى اليمن معلومات متكاملة عن طريقة عمل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، والعمل على تطوير تقنيات التمويه للطائرات المسيرة وفق هندسة عكسية تمكن الطائرات المسيرة من تجاوز المنظومات الدفاعية الإسرائيلية، ويجعل المطارات الإسرائيلية عرضة للخطر.
كما مثلت هذه العملية رسالة لشركات الطيران العالمية أن المطارات الإسرائيلية غير آمنة، وتجعل طائراتها في خطر، وتؤكد أن القوات المسلحة اليمنية جادة في فرض حصار جوي على المطارات الإسرائيلية حتى وقف العدوان والحصار على غزة. حيث تُسير المطارات رحلات جوية مباشرة إلى اوروبا، ما يجعل استمرار هذه الرحلات أمام تحدٍّ أمني خطير.
وهذا ما أكدته القوات المسلحة في بيان إعلان العملية، والذي أكدت فيه أَنَّها سوف تُصَعِّد مِن عَمَليّاتِها العَسكريَّةِ، وتؤكد لجميع شركات الملاحة الجوية بأنَّ المطارات داخلَ فلسطينَ المحتلةِ غيرُ آمنةٍ، وسيتمُّ استهدافُها بشكلٍ مستمرٍّ. مضيفة أن القوات المسلحةُ لا تتحمل أيَّ تبعاتٍ في ذلكَ، وأنَّ على الشركات سرعةَ مغادرةِ فلسطينَ المحتلةِ، وعدمَ العودةِ إلى تلك المطارات كونَها أصبحتْ غيرَ آمنةً.
مراكمة الإنجازات
وأكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية أن إصابة الطائرة المسيّرة لمطار رامون تعد إنجازًا إضافيًا لليمنيين ينضم إلى سلسلة ضرباتهم البارزة خلال الحرب، فعلى مدى ما يقرب من عامين سجل اليمنيون نجاحات من “تل أبيب” وحتى “إيلات” كان لها تأثير كبير على “إسرائيل”، وهذه النجاحات التي حققها اليمنيون خلال أشهر الحرب تُذكر “إسرائيل” بأن تهديداتهم يجب أن تؤخذ على محمل الجد، فنجاح استهداف مطار رامون جاء بعد إنجاز آخر حققه اليمنيون بإطلاق صاروخ برأس حربي انشطاري على “إسرائيل”، وقد باتوا يشكلون التهديد اليومي المركزي لها.
بدورها القناة 14 الصهيونية ذكرت أن اليمنيين يشكلون تحديًا مستمرًا لـ”إسرائيل” رغم الهجمات الواسعة في اليمن واغتيال جزء من الحكومة، مشيرة إلى أن الطائرة المسيرة اليمنية التي أصابت مطار رامون تُظهر أن “إسرائيل” ما زالت تواجه ثغرات في منظومة الدفاع، مشيرة إلى أن استهداف مطار رامون يُذكر “إسرائيل” بأنها ما زالت تفتقر إلى قدرة دفاعية محكمة، حتى في مواجهة عدو ليس متطورًا للغاية ففي الآونة الأخيرة اختار اليمنيون مسارات طيران أكثر تعقيدًا.
من جهتها ذكرت صحيفة معاريف الصهيونية أن الهجوم بطائرة مُسيّرة يمنية على صالة مطار رامون قد يكون له آثار وخيمة على سمعة المطار وقطاع الطيران “الإسرائيلي”، فالضربة اليمنية على مطار رامون قد تدفع شركات الطيران الأجنبية التي عادت مؤخرًا إلى “إسرائيل” إلى إعادة النظر في قرارها. وشددت الصحيفة على أهمية إصدار “أمر 8” (تجنيد عاجل) لإطلاق حملة فورية وواسعة تهدف إلى إقناع شركات الطيران الأجنبية بعدم التراجع عن رحلاتها إلى “إسرائيل”.
ونقلت صحيفة معاريف عن المدير العام لشركة الطيران “أركيا” أن استهداف مطار رامون بالتأكيد هو حدث قد تكون له تداعيات على مجال الطيران.
كما علّق قائد سلاح البحرية “الإسرائيلي” الأسبق أليعزر تشيني أن اليمنيين سجلوا نجاحا بإصابة مطار رامون، وهو حدث ينظر إليه عالميا بصورة سلبية، وقد ينعكس على شركات الطيران الأجنبية.
أما صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية فأوضحت أن عملية استهداف مطار رامون تُعد إحدى الضربات اليمنية الخطيرة، و”سلاح الجو” لم يوضح حتى الآن كيف أصابت الطائرة اليمنية مطار رامون، ويبدو أنها نُفذت باستخدام تكتيكات معقدة للتشتيت والمفاجأة. مؤكدة أن على “إسرائيل” إدراك أن اليمنيين قادرون على التكيف ومباغتتها، وقد تقع حوادث مشابهة في المستقبل بشكل خطير.
ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية عن مسؤولين في “حكومة” العدو أنهم لاحظوا انخفاضًا كبيرًا في بنية الدفاعات الجوية “الإسرائيلية” بعد حرب الـ12 يوما مع إيران.
أما “وزير الحرب” الصهيوني الأسبق “أفيغدور ليبرمان” فأوضح أنه لا خيار أمام الكيان الصهيوني سوى تشغيل كل قدرات “الموساد” في اليمن، وتجنيد كل معارضي صنعاء وتقديم الدعم الكبير لهم.
الرسالة الأخيرة
اليمن اليوم يقول للكيان الإسرائيلي والعالم: لا أمان لمطاراتكم ولا لموانئكم، ما دام الدم الفلسطيني ينزف، وما دامت غزة تحت النار.
الطائرة اليمنية التي وصلت رامون كانت بياناً نارياً يعلن أن التفوق الإسرائيلي وهم، وأن زمن الردع انتقل إلى الضفة الأخرى، وأن “جيشاً” يدّعي أنه الأقوى في المنطقة عجز عن إسقاط طائرة واحدة، فأصابته بالشلل، وضربت اقتصاده وأفقدته ثقة مستوطنيه.
وما قاله إعلامهم، وما شهدته كاميرات مغتصبيهم، وما سمعه العالم من اعترافاتهم، لا يترك مجالاً للشك: اليمن اليوم هو عقدة “إسرائيل”، وفشلها الذريع يُكتب في سماء رامون، كما كُتب في يافا و البحر والنقب وعسقلان.