المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    باحثة بريطانية: “إسرائيل” باتت الخطر الأكبر على الخليج

    في مقال نشرته صحيفة الغارديان اللندنية، اعتبرت الباحثة البريطانية...

    سرائيل هيوم: اليمن “العقبة الكُبرى” أمام مخططات التطبيع والهيمنة

    أكدت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية في تقرير موسّع أن...

    اقتصاد العالم في خدمة العقائد الصهيونية

    ليس صحيحًا أن الصراع بين الشعوب والدول محصور في الدوافع الاقتصادية وحدها، كما يحلو للبعض تصويره، فالمصالح الغربية المادية في مأمن تام ولم تتعرض يومًا لتهديد وجودي حقيقي. ومع ذلك يواصل الغرب الصهيوني سياساته العدوانية تجاه العالم، لا بدوافع مصلحة أو تجارة، بل انطلاقًا من خلفيات عقدية وأيديولوجية راسخة. والدليل الأوضح يتجلى في ما تمارسه واشنطن من جهود منظمة لتدمير اقتصادات الدول وإضعاف أمنها القومي، رغم أن تلك الشعوب لا تشكل تهديدًا مباشرًا لا لاقتصاد الولايات المتحدة ولا لأمنها الداخلي. إن ما يجري يعكس حقيقة أن الاقتصاد، في الرؤية الصهيونية الغربية، ليس سوى أداة طيّعة في خدمة العقيدة والهيمنة، يُستخدم كسلاحٍ لتجويع الشعوب وإخضاعها وإجبارها على الارتهان لمشاريع لا تمت بصلة لمصالحها الوطنية.

    فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يملكون القدرة على الوصول إلى مصادر الطاقة والتجارة العالمية دون عناء، لكنهم مع ذلك يستخدمون الاقتصاد كسلاح لإركاع الدول وإخضاعها سياسيًا وثقافيًا. والعراق مثال صارخ على ذلك: لم يكن يشكّل خطرًا على الأسواق العالمية، بل كان يصدّر النفط بسلاسة، لكن استقلاله السياسي ورغبته في بناء قوة إقليمية جعلت منه هدفًا للغزو والتدمير. لقد كان المطلوب القضاء على أي نموذج عربي قادر على النهوض خارج الفلك الصهيوني.

    وفي إيران يتجسد الصراع العقدي بشكل أوضح؛ فالحصار الغربي لم يُفرض لأن الإيرانيين يهددون اقتصاد واشنطن، وإنما لأنهم يرفضون الانضواء تحت راية المشروع الصهيوني ويصرون على امتلاك قرار سيادي مستقل، فكان لا بد من خنقهم اقتصاديًا لإضعافهم وإجبارهم على التنازل عن ثوابتهم.

    أما اليمن، الذي لا يملك ثروات هائلة مقارنة بالدول النفطية، فقد تعرّض لعدوان وحصار خانق منذ 2015 ليس لأنه ينافس الغرب اقتصاديًا، بل لأنه أعلن موقفًا عقائديًا واضحًا ضد المشروع الأمريكي-الصهيوني في المنطقة، فصار هدفًا يجب كسره حتى لا يتحول إلى نموذج يُحتذى.
    وفي فلسطين يظهر البعد العقدي في أنقى صوره؛ فالغرب يمد “إسرائيل” بكل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي رغم كونها كيانًا استعماريًا توسعيًا، بينما يُعاقَب الفلسطيني على مجرد تمسكه بأرضه وحقوقه. إنها مفارقة لا يمكن تفسيرها بمفاهيم المصلحة الاقتصادية المجردة، وإنما بميزان العقيدة التي تضع أمن “إسرائيل” فوق أي اعتبار.

    كما تبرز فنزويلا كحالة أخرى لا تقل وضوحًا. فهي بلد غني بالنفط وعضو في “أوبك”، كان يصدّر موارده للأسواق العالمية دون أن يشكّل تهديدًا لاقتصاد الغرب. لكن ما إن قررت القيادة الفنزويلية، منذ عهد هوغو تشافيز، تبني سياسة مستقلة منحازة للفقراء، داعمة للقضية الفلسطينية، ومناهضة للهيمنة الأمريكية، حتى تحوّلت إلى هدف لحصار خانق وحملات سياسية وإعلامية شرسة. لم يكن جوهر الصراع نفطيًا بقدر ما كان عقائديًا؛ إذ لا يُسمح لأي دولة في العالم الثالث أن تجمع بين الاستقلال السياسي والثروة الاقتصادية وتتبنى في الوقت نفسه خطابًا معاديًا للصهيونية.

    بالمقابل، فإن دولاً عربية، كدول الخليج، لم تنج من العقوبات الأميركية إلا بتبنيها الفكر الصهيوني الذي اعتمدته نهجاً لها منذ عقود طويلة، ومع ذلك لا تزال تلك الأنظمة مطالبة بدفع ثرواتها لدعم المخططات التدميرية في المنطقة وإذكاء الصراعات خدمةً لمشروع “إسرائيل الكبرى” وحتى لا يكون هناك بلد عربي أو إسلامي مستقل ورافض للخنوع والهيمنة الواشنطن وتل أبيب.

    كل ذلك يؤكد أن الصراع لا علاقة له بالاقتصاد، بل إن العقيدة الصهيونية نجحت في تسخيره لخدمة أهدافها الفكرية القائمة على خرافات لا تؤمن بالآخر، وترى أن شركاءها مجبرون على التعاون معها ولو على حساب دينهم ومصالحهم. وهذا ما ينطبق على الدول العربية الواقعة ضمن مخطط “إسرائيل الكبرى”، فهي التي تموّل ذلك المشروع وتدعمه رغم علمها بأن الصهيونية لا ترعى جميلاً لأحد، وأن الموت والدمار هو المصير المحتوم لكل شركائها الذين لا يُنظر إليهم إلا كأدوات لخدمة “الشعب المختار”، دون أن يكون لهم الحق في الاستقلال أو الحرية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img