عُقدت القمة.. وتكلمت الأوراق! اجتمعت زعامات في الدوحة، واجترّت ألسنتها كلماتٍ جوفاء: “إدانة، وشجب، واستنكار، وتنديد” لقصف العدو الصهيوني لأراضي قطر ذاتها. يا للمهانة! لقد تجرأ العدو على سيادة قطر، فكان الرد ورقة غارقة في الخزي تخلو من أي قرار عملي لوقف نزيف الدماء في غزة، أو لردع العربدة الصهيونية في اليمن ولبنان وسوريا، ناهيك عن رد الكرامة المهدرة لقطر نفسها.
إنه مشهدٌ يُختزل فيه موقف الأمة الرسمي إلى مجرد “احتجاج دبلوماسي” على عدوان، بينما الجثث تُدفن تحت الأنقاض، والأطفال يُجوعون، والمقدسات تُدنس. إنه صورةٌ حيةٌ للشلل والانهزام، وإعلانٌ صريحٌ بأن “سيادة” الدول العربية أصبحت مرهونةً بإذنٍ من “الكيان الغاصب” الذي لا يرى في كل هذه القمم سوى دليل ضعفٍ يستحق المزيد من الاستباحة.
لكن.. في الوقت ذاته، وفي اللحظة عينها، كان هناك ردٌّ آخر من صنعاء.
ردٌّ لم يُكتب على الأوراق، بل حُفر في سماء فلسطين بنيران الصواريخ. ردٌّ لم يُختزل في بيان، بل ترجمته القوات المسلحة اليمنية بعملياتٍ نوعيةٍ تستهدف أعتى قواعد العدو. ردٌّ لم يقف عند “استنكار” الحصار على غزة، بل فرض حصاراً بحرياً وجوياً مضاداً على الكيان الصهيوني، ليعلمهم أن الدم العربي ليس رخيصاً، وأن الكرامة لا تُسترد بالكلام.
وهكذا عُقدت “قمة صنعاء” – قمة الشرف والكرامة – وأصدرت بيانها الختامي الحاسم: أدانت بأقسى العبارات العدوان الصهيوني على الأراضي العربية، ثم أتبعته برد عملي حازم، بدفعةٍ من الصواريخ فرط صوتية، وسربٌ من الطيران المسير.
نعم.. لقد قدمت قيادة اليمن في صنعاء – مرة أخرى – الدرس العملي للأمة:
الدرس الأول: العدو الصهيوني لا يفهم لغة إلا لغة القوة والردع. فلقد استهان “الكيان الصهيوني” بكل بيانات الشجب، لكنه يرتجف من كل صاروخ يمني يزأر في سمائها.
الدرس الثاني: الكرامة والسيادة لا تُمنحان، بل تُنتزعان. الكرامة تُنتزع بيد من حديد، والسيادة تُدافع عنها بالدم، لا بالبيانات.
الدرس الثالث: الوحدة الحقيقية هي وحدة الموقف والمصير، لا وحدة المكان والزمان. يمكن لقيادة واحدة في صنعاء أن تمثل ضمير الأمة كاملة، بينما قد تجتمع عشرات القيادات في قاعة فاخرة لتمثل هزيمتها الجماعية!
فأي الفريقين أحق بالأمة؟ فريق القمم والبيانات الخاوية، أم فريق صنعاء والصواريخ الصاعدة؟
الخلاصة واضحة كالشمس: لقد أصبح “بيان صنعاء” هو البيان العربي الوحيد الذي يفهمه العدو ويحترمه! لأنه بيان من فولاذ ونار، بيان يُكتب بدماء الشهداء وليس بحبر الدبلوماسيين. بيان يقول للعدو: كلما ازددت عدواناً، ازددنا إصراراً. كلما اجتمعت قممهم للكلام، سنجتمع نحن للفعل.
إن الأمة اليوم أمام خيارٍ مصيري: إما الاستمرار في انتظار معجزة من قممٍ مشلولة، أو الاعتصام بنموذج اليمن الذي أثبت – بالدم والحديد – أن طريق التحرير يبدأ من إرادة المقاومة، وينتهي عند أسوار القدس.
عاش اليمن حرًا عزيزًا مستقلًا…
وعاشت المقاومة.. طريقاً للتحرير!
والعار كل العار على من يتفرج على الدماء ويشتري الأوهام!
والعاقبة للمتقين.