المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    لنار اليمنية تتقدم، والقمم العربية تتأخر

    في الوقت الذي كان فيه زعماء العرب يجتمعون في...

    الشوفان: خيار إفطار صحي وداعم لفقدان الوزن

    يُعد الشوفان من الخيارات الشائعة للإفطار الصحي، نظرًا لاحتوائه...

    “رجاوي فلسطيني”.. جمهور الرجاء المغربي يتضامن مع غزة

    عبر جمهور نادي الرجاء البيضاوي المغربي لكرة القدم، مساء...

    بايرن ميونخ يحقق فوزًا ثمينًا 3-1 على تشيلسي في دوري أبطال أوروبا

    حقق فريق بايرن ميونخ الألماني فوزا ثمينا على حساب...

    تداعيات الهجوم الصهيوني على دولة قطر

    قطر، الدولة الصغيرة الغنية بالغاز، بنت سمعتها ونفوذها على ركيزتين أساسيتين: الاستقرار الأمني المطلق، والمكانة الاقتصادية والرياضية والإعلامية العالمية. غير أن أي خرق أمني، ولو كان انفجارًا واحدًا في قلب الدوحة، قادر على تقويض هذه الصورة ووضع قطر أمام أخطر اختبار منذ تأسيسها الحديث.

    النظام القطري يقدم نفسه لشعبه والعالم عبر عقد واضح يقوم على معادلة الأمن مقابل الرفاهية. فالدوحة صُمّمت لتكون مدينة محصنة وآمنة بالكامل، لكن مجرد انفجار يضرب هذا العقد في الصميم ويزرع القلق في مجتمع صغير شديد الترابط، غالبيته من الوافدين الذين يشكلون العمود الفقري للاقتصاد والخدمات. وإلى جانب هذا البعد الداخلي، فإن السمعة الدولية التي بنتها قطر خلال عقود من الاستثمار في الرياضة والدبلوماسية والإعلام تصبح مهددة على الفور. لقد أنفقت الدوحة مليارات لتسويق نفسها كواحة استقرار في منطقة مضطربة، لكن تفجيرًا واحدًا يعيد طرح السؤال الجوهري: إذا كانت العاصمة نفسها غير آمنة، فكيف يمكن الوثوق بقدرة الدولة على حماية الاستثمارات والفعاليات الدولية؟

    الخطر لا يتوقف عند السمعة، بل يمتد إلى صميم الاقتصاد. فالمعادلة القطرية قائمة على الغاز الطبيعي المسال الذي يغذي الأسواق الأوروبية والآسيوية. ورغم أن الانفجار قد لا يطاول مباشرة منشآت الطاقة، إلا أن مجرد حدوثه يثير ذعرًا عالميًا من احتمالية استهداف البنية التحتية الحيوية، وهو ما ينعكس فورًا في اهتزاز الأسواق وإرباك العقود وارتفاع الأسعار. ومع هذه المخاطر الاقتصادية، تتأثر كذلك قطاعات الاستثمار والسياحة التي تعتمد اعتمادًا مطلقًا على صورة قطر كدولة آمنة ومستقرة. أي حادث أمني في الدوحة قد يؤدي إلى انسحاب المستثمرين، وتراجع أعداد السياح، وتعليق فعاليات دولية، وهو ضرر لا يقتصر على الحاضر، بل قد يستمر أثره لسنوات طويلة.

    ولأن السياسة الإقليمية لا ترحم، فإن خصوم قطر سيستغلون أي انفجار داخلها للتشكيك في صلابتها الأمنية. فالصورة التي يسعى البعض لترسيخها أنها دولة هشة تعتمد فقط على حماية القواعد الأمريكية والتركية، دون قدرة حقيقية على تأمين نفسها. أما داخليًا، فستجد الحكومة نفسها مضطرة لتشديد القبضة الأمنية، وفرض رقابة أكبر على العمالة الوافدة، وربما تقليص هامش الانفتاح السياسي والإعلامي، مما قد يولد توترات جديدة في مجتمع يقوم على توازن دقيق بين قلة من المواطنين وكثرة من المقيمين.

    وهكذا، فإن انفجارًا واحدًا في الدوحة لا يُقاس فقط بخسائره المباشرة، بل بما يحمله من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية تمس جوهر الدولة القطرية. فهو قد لا يدمّر منشأة حيوية أو يوقف صادرات الغاز، لكنه يضرب ما هو أخطر: صورة قطر كدولة منيعة، ومركز آمن للاستثمار والطاقة والرياضة والدبلوماسية. وفي عالم يقوم على الثقة والصورة الذهنية بقدر ما يقوم على القوة المادية، فإن هذا النوع من الضرر قد يكون أشد فتكًا من أي خسارة مباشرة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img