قبل فجر ثورةٍ حملت اسمها تاريخًا جديدًا، كان المشهد الأمني والجيش الوطني يعكس هشاشة واضحة أمام تدخلات وضغوط خارجية، وسادت سياسات أدت إلى إضعاف البنية المؤسساتية وتشتُّت القرار الوطني. في تلك الحقبة تزايدت مظاهر الاختلال الأمني، وبرزت جرائم اغتيال وتفجيرات وأعمال عنف أضرت بالأمن المجتمعي واستنزفت موارد البلاد.
انطلقت ثورة 21 سبتمبر كمحاولة لإحداث تغيير جذري في مسار الدولة، وشهدت البلاد عملية منظمة لإعادة بناء مؤسساتها الأمنية والعسكرية، واستنهاض طاقات محلية للمشاركة في حماية السيادة. التحوّل لم يقتصر على استبدال قيادات، بل شمل إعادة ترتيب أولويات استراتيجية ترتكز على الاعتماد على الذات وبناء قدرات وطنية.
مع اندلاع العدوان اللاحق وتزايد الضغوط، تجلّى مشهد الاستجابة الشعبية والمؤسسية بوضوح: تشكلت تشكيلات محلية ومبادرات مجتمعية لعبت دورًا في التعويض عن النقص المؤسسي، وأسهمت في الحفاظ على استمرارية بعض الخدمات الأساسية. من رحم الحاجة انطلقت مبادرات تقنية وصناعية محلية استجابة لاحتياجات الدفاع والصيانة، فظهرت ورش ومراكز فنية اعتمدت على خبرات محلية لتطوير قدرات احترافية تدريجية.
شهدت السنوات اللاحقة انتقالاً من اعتماد بدائي إلى تطوير منظومات محلية مرتبطة بالقدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة على نحو محدود وفي إطار الحاجة الميدانية. هذا التطور التقني كان نتاج تراكم تجارب عملية، وتعاون بين مهندسين وتقنيين محليين، ودافعًا رئيسًا لتقليص الاعتماد الخارجي في بعض الجوانب التقنية. التطور في المجالات الدفاعية المحلية عكس قدرة على التعلم والتكيّف في ظل محدودية الموارد.
على الصعيد الميداني، أثّرت هذه القفزات في بعض معادلات الصمود والإحباط لدى الطرف المتعرض للضربات؛ لكنها في الوقت نفسه زادت من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي وأعلنت عن تحول في موازين التكلفة السياسية والعسكرية. التحولات لم تقم بإلغاء الأبعاد الإنسانية والاقتصادية للنزاع، فالحرب استلزمت ثمنًا بشريًا ومادياً كبيرًا ومستمراً.
يجب الإقرار بأن الاعتماد على التكنولوجيا المحلية لم يأتِ بديلاً عن الحلول السياسية والإنسانية. تطوير القدرات الدفاعية يجب أن يُواكبه التزام واضح بحماية المدنيين، وتعزيز سبل الإغاثة وإعادة الإعمار، والعمل على إخراج المجتمع من دوامة العنف. كما أن الاستدامة تتطلب سياسات واضحة للاستثمار في التعليم الفني والبحث العلمي وبناء قدرات صناعية مدنية يمكنها أن تتحول لاحقًا إلى رفد الاقتصاد الوطني.
التجربة أظهرت كذلك أن توزيع القدرات واللا مركزية في البنى الفنية واللوجستية يزيد من صعوبة استهدافها بشكل حاسم، ما يعكس استراتيجية بُنيت على متطلبات البقاء. مع ذلك، لا ينبغي أن يتحول التركيز على البُعدين العسكري والتقني إلى إهمال للأولويات المدنية والتنموية؛ فإصلاح الاقتصاد، وتأمين الخدمات، وضمان سيادة القانون عنصران أساسيان لأي مسار استراتيجي طويل الأمد.
خلاصة: ثورة 21 سبتمبر شكلت نقطة تحول في مساعي استعادة الفاعلية المؤسسية والاعتماد على الذات في مجالات استراتيجية، لكنّ هذه المكاسب الميدانية والتقنية لا تغني عن الحاجة إلى مسارات سياسية شاملة تُعالج جذور الأزمة وتعيد الأولوية لحماية المدنيين وإعادة بناء الاقتصاد والبنى التحتية.
