يرى خبراء وسياسيون أن المواجهة اليمنية الراهنة أعادت تشكيل معا
لم القوة والقدرة الاستراتيجية في المنطقة، من البحر الأحمر مرورًا بالممرات البحرية إلى عمق ما كان يُعتبر معقلَ نفوذ كيان العدو الصهيوني.
وتُظهر التطورات أن أدوات الضغط والردع التي أقدمت عليها القوات اليمنية وأنصار الله أحدثت ارتدادات سياسية واقتصادية وعسكرية على المستويين الإقليمي والدولي، ما يضع سؤالاً صريحاً عن قدرة هذا الكيان على الاحتفاظ بنفوذه التقليدي في محاور الملاحة والتجارة البحرية الإقليمية.
وقال الخبير بشؤون العدو الصهيوني عادل شديد، في حديثه لقناة المسيرة أمس الخميس، إن ما جرى خلال العامين الماضيين يمثل قرارًا استراتيجيًا تحولّيًا لدى الشعب اليمني وقواته المسلحة بقيادة أنصار الله.
وتابع “هذا القرار لم يكن متوقعًا قبل عامين، لكنه الآن واقع يُعيد موضعة المنطقة بشكل يختلف جذريًا عن ما حُدِّد منذ اتفاقيات سايكس‑بيكو والانتداب البريطاني، وحتى من خلال الدور الذي فرضه كيان العدو الصهيوني على نفسه كـ”شرطي” للمنطقة ومتحكّم في الممرات البرية والبحرية والجوية.
وأشار إلى أن التأثيرات الاقتصادية على اقتصاد كيان العدو الصهيوني باتت مهمة، رغم محاولات هذا الكيان إظهار صورة ضبابية للتداعيات.
وأضاف “إغلاق ممرات بحرية رئيسية أو تعطّل موانئ مثل ميناء أم الرشاش ينعكس سريعًا على توفر سلع معينة وارتفاع تكاليف النقل والتأمين، ما يرفع أسعار بضائع مثل اللحوم والسيارات والسلع الثقيلة نتيجة التحويل إلى ممرات أطول وأكثر كلفة”.
كما لفت إلى أن الاستهداف اليمني أثّر في توجه الشركات الدولية: ارتفاع تكاليف التأمين دفع بعض الشركات إلى إعادة النظر أو التوقف عن التعامل التجاري مع كيان العدو الصهيوني، وهو ما يمثّل شكلًا جزئيًا من المقاطعة أو الحصار الاقتصادي إن استمرّت المواجهة وتوسّعت.
على الصعيد السياسي، رأى شديد أن هذا التحول يفتح نافذة جديدة لتعزيز الخطاب الوطني الفلسطيني والعربي والإسلامي، لأن وضعية كيان العدو الصهيوني لم تعد كما كانت منذ عام 1948 من حيث الحصانة المطلقة والقدرة على فرض النفوذ دون رد فعل مؤثر من المحيط الإقليمي.
بدوره، أوضح أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور فؤاد الشامي، في حديثه لقناة المسيرة أمس الخميس، أن اختراقَ أنصار الله لمثل هذه القاعدة القديمة شكّل صدمة استراتيجية. فالبحر الأحمر كان يُنظر إليه كمنطقة حماية أميركية ولم يكن مقبولًا لأي قوة أن تضغط على حركة السفن أو تمنع مرورها، لكن قدرة اليمن على فرض وجودها وتحكّمها في مضيق حيوي تمرّ عبره سفنٌ متجهة إلى موانئ عدة، قلبت المعادلة.
وأضاف الشامي أن هذه الخطوة زعزعت اطمئنـان المؤيدين لــكيان العدو الصهيوني، لأن ما يحدث ليس مجرد تهديد مؤقت بل تغيير في السلوك: اليمن لم يكتفِ بالتهديد الكلامي، بل نفّذ وقدّم عمليًا ما لم يفعله كثيرون من الدول العربية في الماضي.
كما أشار إلى محاولات الرد التي قامت بها قوى دولية، من بينها الولايات المتحدة، ولكنها لم تحقق تعطيلًا دائمًا لهذا النشاط اليمني في البحر الأحمر.
ولفت إلى أن امتداد تأثيرات اليمن وصل إلى مناطق أبعد في البحر العربي والمحيط الهندي، ما زاد من حالة القلق لدى الدول والمصالح التي اعتادت على حرية حركة غير مقيدة في هذه الممرات.
دلالات عملية واستراتيجية
تتجلى دلالات ما سبق في عدة محاور: أولاً، التأثير الاقتصادي المباشر وغير المباشر على سلاسل الإمداد والأسواق الإقليمية والدولية؛ ثانيًا، الأثر الرمزي والسياسي المتمثل في كسر حصانة كانت تُمنح لــكيان العدو الصهيوني، ما يمنح زخماً لخطاب المقاومة والتضامن العربي ــ الفلسطيني؛ ثالثًا، التشظّي في خيارات الحلفاء والشركاء التجاريين لــكيان العدو الصهيوني نتيجة ارتفاع تكاليف التأمين ووسائط النقل، ما قد يُفضي إلى إعادة تموضع تجارية وسياسية في المستقبل القريب والمتوسط.
وبحسب الخبراء فأن العمليات والمواقف اليمنية أحدثت مفاصل تغييرية في منظومة النفوذ الإقليمي، منحت طرفًا لم يكن متوقعًا قدرةً على تحريك المعادلات عبر أدوات بحرية واقتصادية وعسكرية.
ومع استمرار المواجهات واستثمارها استراتيجيًا، فإن انعكاسات هذه الخطوة تتجاوز آثرها المادي المباشر إلى إعادة رسم خرائط التحالفات التجارية والسياسية في المنطقة.
ويبقى السؤال المركزي حول مدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على امتصاص هذا التغير أو استجابته بسرعة وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، وعدم التدخل في الشأن اليمني، ما يعيد توازن النفوذ، أم أن المنطقة مقبلة على مرحلة أطول من إعادة الترتيب الاستراتيجي، وبحاجة إلى وقت أطول تتجلى فيه المتغيرات، الرادعة للهيمنة الصهيوأمريكي في المنطقة؟