المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    وانتقل الربيع إلى الملكيات العربية

    بالأمس انحصر الربيع العربي على بعض الأنظمة الجمهورية التي...

    غوارديولا يجدد تضامنه مع غزة ويدعو لدعم أسطول الصمود لإنقاذ المدنيين

    عبّر المدرب الإسباني الشهير بيب غوارديولا عن تضامنه الصريح...

    جريمة تعز.. إعدام الأسير العفيري يعرّي مرتزقة العدوان ويشعل موجة تنديد ووعيد بالمحاسبة

    أقدمت ميليشيا حزب الإصلاح الموالية لتحالف العدوان السعودي الأمريكي...

    وانتقل الربيع إلى الملكيات العربية

    بالأمس انحصر الربيع العربي على بعض الأنظمة الجمهورية التي وُصفت بالمتهالكة، ولم يشمل الملكيات العربية التي لطخت تاريخها بعار الخيانة العظمى والتفريط في قضايا الأمة. هذه الانتقائية لم تكن صدفة، بل كانت نتيجة تخطيط محكم من الغرب الذي سعى بكل قوته إلى خنق الثورات الشعبية في مهدها كما رأينا في السعودية والبحرين عام 2011، إذ رأت الصهيونية العالمية أن العبث هناك قد يهدد منابع النفط ومواردها المالية، وهو ما لا يمكن أن تسمح به القوى الغربية مهما ادّعت دعمها للديمقراطية.

    لكن الزمن تغيّر. فبينما تُباد غزة اليوم بتمويل مباشر وغير مباشر من تلك الملكيات الموالية للغرب، بات سقوط هذه الأنظمة وشيكاً وضرورة تفرضها المصلحة الإنسانية قبل السياسية. فالشعوب التي صبرت طويلاً على الاستبداد والنهب والفساد باتت تدرك أن بقاؤها في دائرة الفقر والتبعية مرهون ببقاء هذه العروش، وأن الخلاص لا يمكن أن يتحقق إلا بإزالتها.

    لقد بدأت المؤشرات بالفعل من المغرب، حيث فجّر جيل ما بعد الألفين – المعروف بجيل “زد” – احتجاجات واسعة. هذه الاحتجاجات التي اندلعت لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، حيث البطالة والفقر وتردي مستوى المعيشة، سرعان ما ستتجاوز مطلب الخبز إلى مطالب أعمق تتعلق بالحرية والكرامة والعدالة. ولا غرابة في ذلك، فقد تعمدت الأنظمة العربية على مدى عقود اتباع سياسات حمائية تهدف إلى عزل الشباب عن القضايا القومية الكبرى، وعلى رأسها فلسطين، وجعلتهم ينشغلون فقط بلقمة العيش وأزمات الداخل. غير أن هذه السياسات انقلبت على أصحابها، فتحولت الأزمات الاقتصادية إلى وقودٍ للثورات، وبات الحكام هم الهدف المباشر لغضب الجماهير.

    وإذا كان النظام المغربي المطبّع مع الكيان الصهيوني قد واجه شرارة الربيع الجديدة، فإن شرق الوطن العربي ليس بمنأى عنها. فالسعودية، والبحرين، والأردن، وحتى دول الخليج الأخرى، كلها تحمل بذور الانفجار ذاته: شباب عاطل عن العمل، تفاوت طبقي مهول، فساد مستشري، وتبعية كاملة للغرب. كل هذه العوامل تشكّل اليوم بيئة خصبة لانفجار ثوري مؤجل، قد يكون أشد قسوة وأوسع انتشاراً من ربيع 2011.

    الملكيات التي ظنت نفسها في مأمن قبل أكثر من عقد من الزمن نجت آنذاك بالحديد والنار، وبالمليارات التي اشترت بها صمت الخارج وقمع الداخل، لكنها اليوم تواجه واقعاً مختلفاً. فالمظلة الغربية التي حمتها تتداعى، والاقتصادات الريعية التي اعتمدت عليها تنهار مع التحولات العالمية في الطاقة، والشباب الذي كان يُخدّر بالشعارات والاستهلاك المفرط أصبح أكثر وعياً واتصالاً بالعالم من أي وقت مضى.

    إن سقوط الملكيات العربية بات جزءاً من مسار تاريخي محتوم. وكما سقطت أنظمة كانت تُعد راسخة كالجبال، فإن هذه العروش ستنهار بدورها، لتثبت أن سنّة التاريخ لا تحابي أحداً، وأن الظلم مهما طال لا بد أن ينكسر. وما يلوح في الأفق اليوم هو جولة جديدة من الربيع العربي، أكثر نضجاً ووعياً، قد تعصف هذه المرة بآخر حصون الاستبداد الملكي في منطقتنا.

    والأهم من سقوطها هو تأثير ذلك على القضية الفلسطينية، فغزة اليوم تُباد بتمويلٍ خليجي وحماية أردنية، ولولا عوامل الدعم التي تقدمها هذه الأنظمة العميلة ما كان للصهاينة أن يوغلوا في إجرامهم إلى هذا المستوى من الهمجية. فكل قنبلة تسقط فوق رؤوس الأطفال في غزة لها ما يماثلها من رصيد مالي خليجي، وكل حصار يُحكم على أهلها له غطاء سياسي من عمّان أو الرياض أو الرباط. وبالتالي فإن انهيار هذه الملكيات لا يعني فقط تحرر شعوبها من قيود الاستبداد، بل يعني أيضاً تجفيف شرايين الحياة عن الكيان الصهيوني، وإفقاده أهم أدواته في المنطقة، ليجد نفسه وجهاً لوجه أمام شعوب حرة غير مقيّدة بقيود التطبيع أو التبعية. عندها ستتحول معركة فلسطين إلى شأنٍ عربي جامع، وستستعيد الأمة توازنها التاريخي الذي حاولت العروش العميلة طمسه لعقود.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img