المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    البحر الأحمر.. الميدان الذي أسقط الهيبة الأمريكية والصهيونية

    منذ عقود ظلّ البحر الأحمر شرياناً حيوياً للكيان الإسرائيلي،...

    صنعاء: السعودية تتحمل المسؤولية الكاملة عن جريمة إعدام أسير في تعز

    حمّلت صنعاء الطرفَ السعودي المسؤولية الكاملة عن جريمة إعدام...

    إشبيلية يُذلّ “برشلونة” برباعية ويعيد كتابة التاريخ في الليجا

    كتب فريق إشبيلية اسمه بحروفٍ من ذهب في سجل...

    غزة على طريق لبنان

    نجحت قوى المقاومة في غزة ببلورة ردها المدروس على...

    غوستافو بيترو.. الرئيس الذي تمرّد على “واشنطن” من أجل غزة

    في مشهد سياسي غير مسبوق في أمريكا اللاتينية، يتصدر الرئيس الكولومبي “غوستافو بيترو” واجهة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، متحولًا إلى أحد أبرز الأصوات المناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة، ومعبّرًا عن موقفٍ أخلاقي وسياسي يضعه في مواجهة مباشرة مع كلٍّ من واشنطن وتل أبيب.

    منذ وصوله إلى الحكم عام 2022 كأول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، أعلن بيترو انحيازه للكرامة الإنسانية ضد ما وصفه بـ“الاستعمار الجديد“، رابطًا بين نضال الفلسطينيين من أجل الحرية وتجربة أميركا اللاتينية في مقاومة التبعية والهيمنة. ومع تصاعد جرائم الحرب في غزة، لم يكتفِ بالتصريحات الرمزية، بل اتخذ مواقف عملية قلبت معادلة العلاقات الكولومبية – الإسرائيلية رأسًا على عقب.

    من ميدان نيويورك إلى قطيعة دبلوماسية كاملة

    بيترو لم يتردد في اتهام “إسرائيل” بارتكاب إبادة جماعية، ودعا العالم إلى “تشكيل جيش دولي لتحرير فلسطين”، في خطاب ناري من ميدان “تايمز سكوير” بنيويورك، رافقته فيه موجة تضامن شعبية واسعة بين الجاليات اللاتينية والعربية. وردّت واشنطن سريعًا بسحب تأشيرة دخوله، لكن الرئيس الكولومبي ردّ بالمزيد من التحدي، معلنًا قطع العلاقات مع إسرائيل، ليصبح أول زعيم في القارة يتخذ خطوة بهذا الحجم منذ عقود.

    وفي خطوة وصفتها الصحافة اللاتينية بأنها “إعلان قطيعة مع محور الحرب”، أصدر بيترو في مايو 2024 قرارًا نهائيًا بوقف تصدير الفحم الكولومبي المستخدم في مصانع ومولدات الطاقة الإسرائيلية، مؤكدًا أن “الفحم الذي يشعل بيوتنا لا يجوز أن يشعل القنابل التي تقتل أطفال غزة”. وكان الفحم الكولومبي يغطي أكثر من نصف احتياجات إسرائيل من الطاقة، ما جعل القرار ذا تأثير اقتصادي مباشر.

    كولومبيا تفتح سفارة في فلسطين وتغلق أبوابها أمام الاحتلال

    بعد عام من القطيعة، افتتحت كولومبيا أول سفارة لها في رام الله، في خطوة رمزية عكست رسوخ التحول في السياسة الخارجية لبوغوتا. وأكد بيترو في خطابه الافتتاحي أن “من يقف اليوم مع فلسطين يقف مع مستقبل البشرية”، مشددًا على أن ما يجري في غزة هو “امتحان أخلاقي للعالم بأسره”.

    الخطوة لاقت ترحيبًا واسعًا في الشارع الكولومبي، خصوصًا بين الشباب اليساري والنقابات والناشطين، فيما شنت وسائل الإعلام الموالية لواشنطن حملة تشويه ضد الرئيس متهمةً إياه “بالتفريط في مصالح البلاد الاقتصادية والأمنية”. لكن بيترو، الذي لطالما واجه خصومه في الداخل والخارج بجرأة، ردّ قائلاً إن “الكرامة لا تُقاس بالعقود ولا بالدولارات، بل بموقفك من المظلومين”.

    جذور الموقف.. من نضال كولومبيا إلى نضال فلسطين

    لم يكن موقف بيترو تجاه فلسطين طارئًا أو دعائيًا، بل امتدادًا لتجربته الشخصية في الكفاح ضد أنظمة القمع. فقد انخرط في شبابه ضمن حركة “19 أبريل” اليسارية التي رفعت شعار “الكرامة أولًا”، وهي الحركة التي تلقّى بعض أعضائها تدريبًا إلى جانب مناضلين فلسطينيين في ليبيا في ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين ظل بيترو يرى في القضية الفلسطينية مرآةً لمعركة الحرية في أميركا اللاتينية.

    وقد لخّص بيترو تلك الرؤية في تصريح لافت حين قال: “إسرائيل لا تمثل اليهودية، كما لا تمثل كولومبيا المسيحية.. إنما تمثل منظومة قمع استعمارية تستهدف كل من يرفض الخضوع”. وهي عبارة تحوّلت لاحقًا إلى شعار تردده الحركات الطلابية في المظاهرات المناصرة لغزة.

    معركة العزلة والكرامة

    رغم أن مواقفه خلقت توترًا حادًا مع الولايات المتحدة – الحليف الاقتصادي والعسكري الأول لكولومبيا – فإن الرئيس الكولومبي بدا مصممًا على إعادة تعريف علاقة بلاده بالقوى الكبرى. فبعدما وصفه ترامب بـ“المتهور”، ردّ بيترو بأن “المجنون الحقيقي هو من يدعم من يقتل الأطفال ثم يتحدث عن السلام”، مؤكّدًا أن بلاده لن تكون “تابعة لأي إمبراطورية تبرر الإبادة”.

    وبينما تحاول واشنطن الضغط اقتصاديا وماليا لعزل بوغوتا، تمضي كولومبيا في تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا ودول الجنوب العالمي، في ما يراه مراقبون “تحولًا استراتيجيًا في خريطة التوازن اللاتيني”. أما في الداخل، فقد حظي بيترو بتأييد واسع من فئات شبابية وطلابية ترى في موقفه من غزة دفاعًا عن القيم التي طالما دعت إليها حركات التحرر الكولومبية.

    غزة.. مرآة الضمير الإنساني

    لم يكن موقف الرئيس غوستافو بيترو مجرد تضامن سياسي، بل انعكاسًا لقناعة بأن فلسطين تمثل جوهر الصراع الإنساني في القرن الحادي والعشرين. وقد قال في خطاب مؤثر بعد مجزرة خان يونس: “إذا ماتت فلسطين، ماتت الإنسانية”، وهي عبارة تحوّلت إلى عنوانٍ لحملات التضامن في مدن بوغوتا وكالي وميديين، حيث رُفعت الأعلام الفلسطينية في الساحات العامة وعلت الهتافات المؤيدة للمقاومة.

    وفي ظل عجز الكثير من الأنظمة عن اتخاذ مواقف أخلاقية واضحة، يبرز صوت بيترو كاستثناء نادر في السياسة الدولية — صوت يربط بين الجنوبين، اللاتيني والعربي، في مواجهة الهيمنة والعدوان.

    spot_imgspot_img